إضاءة في كتاب.. «العدالة من المنظور الإسلامي»

alarab
الملاحق 31 مايو 2024 , 01:07ص
د. علي الصلابي

هذا كتاب «العدالة من المنظور الإسلامي» يعتبر حلقة مهمة من حلقات المشروع الفكري السياسي؛ والذي تحدثت عنه في كتبي المنشورة، حيث صدرت عدة كتب في هذا الإطار، ومن بينها:

ـ الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها.
ـ البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة.
ـ التداول على السلطة التنفيذية.
ـ الشورى فريضة إسلامية.
ـ الحريات من القرآن الكريم: حرية التفكير، وحرية التعبير، والاعتقاد والحريات الشخصية.
ـ العدالة والمصالحة الوطنية ضرورة دينية وإنسانية.
ـ المواطنة والوطن في الدولة الحديثة.
وهذا الكتاب قد قسمته إلى مبحثين أساسيين، وهما:
-    المبحث الأول: العدل لغة واصطلاحاً - مفهومه وأنواعه:
يتحدث عن العدل كمقصد قرآني، ومبدأ إنساني.
وإن العدل هو ميزان الله في الأرض؛ الذي يؤخذ به للضعيف من القوي، وللمُحق من المبطل. والعدل إعطاء كل ذي حق حقه، وهو المساواة بين الناس جميعاً في إعطاء الحقوق والمساواة في المكافأة، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والعادل هو الذي يتبع أمر الله، بوضع كل شيء في موضعه دون إفراط أو تفريط، أي: القسط في الشيء، وأداء حقوق الله وحقوق العباد.

مصطلحات ومرادفات
وفي هذا الكتاب، تحدثت عن العدل في اللغة، والمصطلح، ومرادفات كلمة العدل، كالقسط، والوسط، والحق، والإنصاف...إلخ، وتكلمت عن العدل المطلق، والعدل النسبي، وقيمة العدل، كونها مطلقة وربانية غرس الله محبتها في نفوس أصحاب الفطر السوية، والعقول الراجحة الذكية؛ التي تنبذ الظلم والجور والتعسف، وهو بهذا له معنى محدود غير قابل للتبديل أو التعديل، وله أيضاً قواعد وشروط محدودة.
وإذا أخذنا قيمة العدل في الدولة الحديثة المسلمة، فهي تعني تحقيق العدل بين الناس جميعاً في مختلف أوجه الحياة، وهي بهذا قيمة تهدف إلى تحقيق غاية، أي: تحقيق العدل بالفعل بين الناس جميعاً.
ولذا تُعد قيمة العدل بوصفها القيمة المركزية في المنظومة السياسية الإسلامية، وذلك لأنها بمثابة الضابط الأكبر على أداء النظام السياسي، وعلى كل السلطات فيه، وهي بهذا تفرض قاعدة لمحاسبة النظام السياسي، وإسقاط شرعيته؛ مما يستلزم تأسيس الإجراءات التي تسمح بمحاسبة الحاكم، وأيضاً مراجعة ممثلي المجتمع أو الأمة، حتى يظل التزامهم بقيمة العدل مستمراً، وحتى يعزل من يخرج على تلك القيمة المركزية.
وفي هذا الكتاب، يجد القارئ الكريم دراسة وافية عن مفهوم العدالة؛ الذي يُعد من المفاهيم الأساسية في فلسفة الأخلاق، والسياسة، والحقوق، واليوم هو من أوسع المفاهيم المطروحة في الدراسات الاجتماعية والسياسية، ومن أقدم المفاهيم التي عرفها البشر، منذ فجر التاريخ، وبداية حضارته، وجعله هدفاً له، ويسعى لتحقيقه وإرسائه، ومن أكثر الموضوعات قدسية وشيوعاً في السلوك الاجتماعي، فالعدالة وليدة المجتمع وقواعدها، ظهرت قبل أن تظهر فكرة القانون، ومفهومه.
كما يجد الباحث في هذا الكتاب، دراسة حول الفرق بين مفهومي العدالة والعدل، وهل العدل والعدالة مترادفات؟ أم أن هناك اختلافات بينهما من حيث استعمال المصطلح؟
وفي السياق ذاته، أشرت في الكتاب إلى ملامح العدل، وأبرز سماته، كالوسطية، والخيرية، ورفع الحرج، وأحكام اليسر، والحكمة والاستقامة والبينية، وأوضحت ذلك في دليل تطبيقي لملامح العدل. وتحدثت عن مكانة العدل في القرآن الكريم، وقمت بدراسة موضوعية للآيات الكريمة؛ التي أمرت، وحثّت، وبيّنت أهمية العدل في الحياة.
وبيّنتُ في هذا الكتاب خطورة الظلم، وتحذير القرآن منه، فوضحت الظلم في المنظور الإسلامي، وخطره على الأفراد، والأسر، والجماعات، والشعوب، والأمم، والدول، والحضارات.
وأشرت إلى أنواعه، كظلم الشرك، وظلم العدوان المادي والمعنوي، وحذرت من إعانة الظالم على عدوانه، وبيّنتُ عقوبة الظالم المعجلة، والمؤجلة.
وتكلمت في هذا الكتاب عن العدل في القضاء، وبينت اهتمام الإسلام بالقضاء، وكيف جعل له مكانة عظيمة، فهو فرض، بل أقوى الفرائض، وأشرف العبادات بعد الإيمان بالله تعالى؛ لأن المظلومين يلجؤون إليه لكي ينصفوا في مواجهة الظالمين، والناس يحتاجون إليه في تنفيذ الأحكام، وقطع المنازعات، والفصل في الخصومات، وإسناد الحقوق إلى أصحابها.
وقد أقرت الشريعة الإسلامية مجموعة من الضمانات لإجراء محاكمة عادلة، وتوفير العدالة للجميع فيما يتعلق بالحقوق المقررة لهم شرعاً أو قانوناً. ومن أهم هذه الضمانات:
ـ الأصل براءة الذمة.
ـ ضمان الحرية الشخصية للمتهم في مواجهة سلطة الاتهام.
ـ إلقاء عبء الإثبات كاملاً على عاتق سلطة الاتهام.
ـ لا يكلف المتهم بإثبات براءته، إذ أن المفترض أن يطالب سلطة الاتهام بإثبات عكس هذه البراءة.
ـ اليقين لا يزول بالشك.
ـ البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر.
ولقد ركزتُ في هذا الكتاب على أهمية استقلالية القضاء، وحياد القاضي، واستقلاله في تحقيق المحاكمة العادلة للمتهم، ووضحت ضمانات العدل فيما يتعلق بالقاضي، وما يتعلق بالمتهم، وخطورة أخذ الناس بالظن، والشبهة، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وتحريم تعذيب المتهم وإهانته لإجباره على الإقرار، ومراعاة المساواة بين الجميع في الحكم، وفي مجلس القضاء، وتقرير مبدأ ألا تزر وازرة وزر أخرى، ومنح المتهم الحق في الدفاع عن نفسه.

العدل الاجتماعي
وتحدثت عن العدل الاجتماعي، وعن تكافؤ الفرص، والحفاظ على التوازن الاجتماعي، والتكافل الاجتماعي، والضمان الاجتماعي، وإعادة توزيع الدخل والثروة، وعن أسس العدالة الاجتماعية، كالتحرر الوجداني، والمساواة الإنسانية، والتكافل الاجتماعي، وعن العدل في المجال الاقتصادي، وعن وسائل العدالة الاجتماعية، كالزكاة والميراث والملكية في الإسلام، وعن العدل في التشريع، ومظاهر العدل في التشريع الإلهي في الفرائض وإرسال الرسل، والعدل في الثواب والعقاب، وفي العقوبة والجرائم، كعقوبة الزنى، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والبغي، والقصاص، والدية، والعدل في تعدد الزوجات وشروطه في القرآن الكريم، والعدل مع الوالدين، والأبناء، والجيران، والحيوان، والنبات، وعدل الإنسان فيمن دونه ومع أكفائه، ومع من فوقه، والعدل في الطلاق والحكمة منه، ومسلك الإسلام في علاج الخلاف العائلي بين الزوجين، وعدل القرآن في العدة.

روائع السيرة
أما في المبحث الثاني: تناولت روائع من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في العدل وأمثلة منه:
أولاً: تحدثتُ عن العدل من السيرة النبوية الشريفة، فمن يعدل إن لم يعدل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟! فبيّنت العدل في الغنائم، ومقام العدل والمساواة في حجة الوداع، والعدل في الحقوق والواجبات.
ثانياً: ذكرت صوراً من العدل في عهد الخلافة الراشدة والتاريخ الإسلامي، بدءاً بسيدنا أبي بكر الصديق، ثم العدل في عهد الفاروق عمر بن الخطاب، ثم العدل في عهد عثمان بن عفان، وانتهاءً بالعدل في عهد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
إن ما أكرمنا الله به من دين عظيم يهتم بالقيم والمبادئ الإنسانية السامية يعتبر منهج حياة، وطريق نجاة من عوائق وهموم الدنيا والآخرة، وفي كتاب ربنا وسنة نبينا خير عظيم لمن ألقى السمع وهو شهيد.
ولا بد أن أنوه بأني انتهيت من هذا الكتاب يوم السبت بتاريخ 15/محرم/1436هـ والموافق لــ  (8/11/2014م)، وذلك في تمام الساعة العاشرة مساءً في العاصمة القطرية الدوحة، والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين.
قال تعالى: َ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *}[ فاطر 2].
وأختم هذه المقدمة بقول الله تعالى: َ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *}[الحشر 10].