تواصل أعمال ندوة "الحماية القانونية للتراث الثقافي"

alarab
ثقافة وفنون 30 مارس 2015 , 07:00م
الدوحة - قنا
تواصلت هنا اليوم أعمال ندوة "الحماية القانونية للتراث الثقافي" التي تنظمها إدارة التراث بوزارة الثقافة والفنون والتراث بفندق شيراتون الدوحة تحت رعاية سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري، وزير الثقافة والفنون والتراث خلال الفترة من 29 وحتى 31 مارس الجاري. 
وخصص اليوم الثاني من هذه الندوة الدولية والتي يشارك فيها نخبة من خبراء التراث من عدة دول عربية، لمناقشة محور "الوسائل المرتبطة بحماية التراث الثقافي".
وفي الجلسة الأولى، التي أدارها الأستاذ إبراهيم البوهاشم السيد الخبير التراثي بوزارة الثقافة والفنون والتراث، تحدث كل من الدكتورة نهلة عبدالله إمام، المشرفة العلمية على مركز دراسات الفنون الشعبية، بمصر، عن "التراث.. جدلية الملكية والصون"، والدكتور أحمد علي مرسي، أستاذ المأثورات الشعبية بكلية الآداب جامعة القاهرة الذي جاءت ورقة عمله بعنوان " الوسائل الفنية لحماية التراث الثقافي".
وقالت الدكتورة نهلة إمام، إنه من الصعب إثبات أي شخص أو جهة أو جماعة ملكيته المنفردة للعنصر التراثي، إذ إن وجود العنصر في مكان هو دليل ملكية هذا الشعب له، لكنه في الوقت ذاته لا يقيم الدليل على انفراده به، حيث ساقت في هذا المجال العديد من الأمثلة الحية والمعاشة.
وطرحت الدكتورة إمام خلال ورقة عملها عدة تساؤلات، منها سؤال حول حدود ملكية العنصر الثقافي، وبالتالي حدود أداء حقوق الملكية وهل هي داخل الدائرة المحلية أم الإقليمية، متساءلة عن طبيعة المعارف الشعبية في الدول العربية.
ونوهت المتحدثة في هذا الشأن إلى أن تراثنا العربي غير مصنف، محذرة بأن هناك العديد من الأشياء التراثية اختفت، وأصبح مكانها المتاحف، معتبرة ذلك ليس عيبا في حد ذاته.
وبهذا الخصوص، دعت الباحثة المصرية، إلى نشر المتاحف الإثنوغرافية واصفة التخلي عنها بـ"الجريمة".
من جهة أخرى، ناقشت نهلة إمام، مسألة العدالة القانونية، وخطر الاندماج على الخصوصية الثقافية لكل بلد، لتشدد في الأخير على ضرورة تنشيط الوعي بالتراث عند الأجيال القادمة.
أما الدكتور أحمد علي مرسي ، فقدم ورقة عمل تحت عنوان :" الجوانب الفنية الخاصة بالتراث الثقافي المادي وغير المادي: الوسائل الفنية لحماية التراث الثقافي"، مقدما عددا من التوصيات للخروج من نفق الكلام الذي قيل ويقال لردح من السنين، متأسفا في الوقت نفسه على أن التشريعات الوطنية في بعض الدول العربية الخاصة بحماية التراث الشعبي وصونه، مازالت نادرة أو غير كاملة أو عامة لا تفيد كثيرا إذا استدعى الأمر استخدامها أو الرجوع إليها، آملا في الآن ذاته أن يتم تدارك كل ذلك أو بعضه.
وقال الدكتور مرسي:" نستطيع أن نزعم أننا نعيش الآن عصرا أسمح لنفسي أن أطلق عليه عصر الملكية الفكرية التي تعني الحفاظ على كل الحقوق القانونية ـ المادية والمعنوية ـ الناشئة عن أي نشاط أو جهد فكري يؤدي إلى ابتكار في المجالات الصناعية والعلمية، وإبداع في المجالات الفنية والأدبية"، مشيرا إلى أن المجتمعات الإنسانية تنبهت منذ وقت طويل إلى ضرورة حماية الملكية الفكرية لابتكارات علمائها، وإبداع فنانيها وأدبائها، على صعيد الأفراد ومن في حكمهم، وكذلك حماية ممتلكاتها الثقافية.
ونوه مرسي بأن هذه المجتمعات دعت منذ عهد قريب وطوال الخمسين عاما الماضية إلى ضرورة صون وحماية تلك الجوانب التي تم إهمالها أو لم تلق ماهي جديرة به من عناية، خاصة فيما يرتبط بالتراث الثقافي عامة، وما أصبح يطلق عليه الآن "التراث الثقافي غير المادي" أو تعبيرات الفلكلور" أو "التعبيرات الثقافية المأثورة"، خاصة أو ما كان معروفا قبل صياغة هذه المصطلحات الجديدة على أنه فلكلور، موضحا أنه كان من نتاج ذلك، عقد اتفاقية دولية في إطار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في عام 1972، تدعو إلى حماية التراث الثقافي الطبيعي، كما طلبت حكومة بوليفيا عام 1973 إضافة بروتوكول خاص إلى هذه الاتفاقية يتعلق بحماية الفلكلور ليكون جزءا من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة أحد قوانين الملكية الفكرية.
وفي ذات السياق، أشار خبير التراث المصري، إلى أن الاهتمام بالتراث الثقافي والسعي إلى صونه وحمايته مبني أساسا على حقيقة أن كثيرا من الدول ـ خاصة الدول النامية ـ تمتلك ميراثا هائلا من المأثورات الشعبية (التراث الثقافي غير المادي)، وأن هذا الميراث يتعرض على مدار عقود للاستغلال غير المشروع من جهات خارجية، وأخرى داخلية في مختلف المجالات.
وأضاف :" إن حماية حقوق الدول والشعوب والجماعات فيما يتصل بمأثوراتها الشعبية التي تضم ميراثا هائلا من المعارف وأشكال الإبداع الجمعي ـ في الحقيقة ـ تشجع على احترام حقوق الملكية الفكرية عامة، وعلى تحقيق عالمية نظم هذه الملكية، وذلك من خلال حماية هذه المأثورات، وحماية أصحابها من الانتهاك والنهب وسوء الاستخدام"، مشيرا الى ان المنظمة العالمية للملكية الفكرية "وايبو" قد بدأت في الاستجابة لمطالب الكثير من الدول النامية، وبضغط منها التوسع في أنشطتها لتشمل موضوعات وجوانب جديدة لم تكن تشملها قوانين الملكية الفكرية تقليديا، وذلك إيمانا بأنه ينبغي صون المأثورات الشعبية وحمايتها من قبل الجماعة صاحبة هذه المأثورات ومن أجلها، باعتبارها من الممتلكات الثقافية الخاصة بها والمعبرة عن ذاتيتها.
وخلال الجلسة الثانية والأخيرة في اليوم الثاني، من فعاليات الندوة الدولية التي تنظمها إدارة التراث بوزارة الثقافة والفنون والتراث تحت عنوان "الحماية القانونية للتراث الثقافي" تحدث الدكتور محمد إبراهيم البيالي، عضو لجنة تحكيم الجائزة العربية للتراث الثقافي بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) والخبير التراثي السعودي، عن "تسجيل التراث الثقافي: التجربة السعودية من خلال اليونسكو"، والأستاذ سعيد بن سلطان البوسعيدي، رئيس لجنة إعداد قوائم الجرد الوطنية العمانية في مجال التراث الثقافي غير المادي ، عن إعداد ملفات القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية: ملفات الترشيح من واقع معايير الإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.
ودعت الدكتورة والاعلامية حنان الفياض والتي أدارت هذه الجلسة ، إلى عدم إغفال جانب الثقافة التراثية، وعادت بالحضور إلى وصايا الآباء التي كانوا يرددونها على أسماعنا "اللي ماله أول ماله تالي"، مشددة في الوقت نفسه على وجوب الاعتصام بوصيتهم تلك.
بدوره، عرض الدكتور بيالي تجربة المملكة العربية السعودية في مجال تسجيل التراث الثقافي من خلال اليونسكو، منوها بأن المملكة عضو في الأسرة الدولية، ولها علاقات ومصالح متنوّعة ومشتركة مع معظم دول العالم، ومن ضمنها (العلاقات الثقافية)، كما أنها إحدى الدول المؤسسة لمنظمة اليونسكو، وشاركت في المؤتمر الذي عقد في لندن عام 1945م، وانبثق عنه الميثاق التأسيسي لمنظمة اليونسكو الذي صادقت عليه المملكة عام 1946م، فضلا عن انضمامها إلى عدد من الاتفاقيات الدولية التي ترعاها منظمة اليونسكو، ومنها اتفاقيات حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي وحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح واتفاقية التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، بالإضافة الى اتفاقية المركز الدولي لصون وترميم التراث الثقافي (ايكروم) واتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي 2003.
وأشار المتحدث، أنه منذ عام 2005، تتولى (وزارة الثقافة والإعلام) مهام ومسؤوليات التواصل والتعامل مع منظمة اليونسكو وتكليف أحد موظفي الوزارة للعمل ضمن وفد المملكة الدائم لدى اليونسكو. إذ كانت أول مشاركة لوزارة الثقافة والإعلام في الدورة الاستثنائية الأولى لصون التراث الثقافي غير المادي في شهر مايو 2007 في الصين (بصفة مراقب)، منوها بأن الوزارة شاركت في كافة الدورات والاجتماعات الخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي التي أقامتها منظمة اليونسكو منذ 2007 وتسجيل عنصر (الصقارة) كملف دولي مشترك مع (16) دولة وتم اعتماده في نوفمبر 2010 بعدما انضمت إليه أربع دول (ألمانيا، باكستان، كازاخستان وإيطاليا).
وأشار البيالي، إلى تقديم عنصريّ (القهوة والمجلس) كملف مشترك مع (الإمارات العربية المتحدة، قطر وسلطنة عُمان) لتسجيلها لدى منظمة اليونسكو، موضحا أن هذا الأمر ستتم مناقشته في أواخر عام 2015، فضلا عن تقديم عنصريّ (العرضة السعودية والمزمار) لتسجيلهما لدى منظمة اليونسكو.
ولفت الخبير السعودي الى أن المملكة سعت الى تسجيل مناطق أثرية سعودية عديدة ضمن قائمة الآثار العالمية ومن أبرزها (مدائن صالح، موقع الدرعية وجدة التاريخية)، مشيرا الى أن هذه الأخيرة قد تم تسجيلها في الدورة الأخيرة بالدوحة العام الماضي.
كما ذكر أن في شهر أبريل من العام 2012 قلّدت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أرينا بوكوفا خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز (ميدالية اليونسكو الذهبية)، تقديراً لجهوده في تعزيز ثقافة الحوار والسلام.
أما الأستاذ سعيد بن سلطان البوسعيدي فقد أوضح خلال ورقة عمله أن التراث الثقافي غير المادي يمثل هوية المجتمع، والمعبر عن أصالته وثقافته، لافتا الى أن التراث الشعبي هو نتاج فكر الإنسان الذي يعكس مدى ارتباطه وتأثره بمجتمعة والبيئة المحيطة به، ومن خلال قراءات هذا الإرث يمكن استنباط العديد من الحقائق الثقافية والاجتماعية والفكرية لأي مجتمع من المجتمعات.. مشيرا إلى أن الاتفاقية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي جاءت لسد بعض الفراغات بغرض تأكيد الاهتمام بهذا المجال، فوضعت العديد من البنود والإجراءات التي تركز على صون هذا الإرث، وسمت الكثير من التدابير الرامية الى نشر الوعي وتعريف الجمهور بأهمية هذا المجال.
وأوضح أن الاتفاقية الدولية لصون التراث غير المادي أو اتفاقية 2003م "كما تسمى اختصارا" قد وضعت مجموعة من المعايير لكل قائمة من القوائم الثلاث آنفة الذكر، هذه القوائم قد تتفق في بعضها وتختلف في البعض الآخر وفق الهدف الذي وضعت من أجله هذه القائمة.
إلى ذلك، استعرض الأستاذ البوسعيدي، كل معيار على حدة كخطوات عملية لإعداد الملفات وكمراحل عملية لصون التراث غير المادي في الدولة، منوها بأن هذه المعايير الخمسة تتمثل في: أن يشكل العنصر تراثا ثقافيا غير مادي وفقا لتعريفه في المادة 2 من الاتفاقية، وأن يسهم إدراج العنصر في تأمين إبراز التراث الثقافي غير المادي وزيادة الوعي بأهميته، وتشجيع الحوار، وبذلك يعبر عن التنوع الثقافي في العالم كله وينهض دليلا على الإبداع البشري، وأن تكون قد وضعت تدابير للصون من شأنها أن تحمي العنصر وتكفل الترويج له، بالإضافة الى أن يكون العنصر قد رشح للصون عقب مشاركة على أوسع نطاق ممكن من جانب الجماعة أو المجموعة المعنية أو الأفراد المعنيين بحسب الحالة، وبموافقتهم الحرة والمسبقة والواعية، وأخيرا أن يكون العنصر قد أدرج في قائمة حصر التراث الثقافي غير المادي الموجود في أراضي الدولة الطرف ( الدول الأطراف) التي قدمت الترشيح ، وفقا للمادتين 11 و 12 من الاتفاقية.
ونوه المتحدث أن الاتفاقية أوضحت المجالات التي يندرج تعريف "التراث الثقافي غير المادي" تحتها و حددت مجموعة منها وهي : التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، بما في ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي، وفنون وتقاليد أداء العروض، والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، وكذلك المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، بالإضافة الى المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.
تجدر الاشارة الى أن هذه الندوة تأتي في سياق الحرص على تنفيذ قرارات الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية بالوطن العربي، والتي تدعو إلى وضع رزنامة لتنظيم سلسلة من الفعاليات العلمية والتدريبية في مجال التراث الثقافي المادي وغير المادي في الدول العربية، وتنفيذها بالتعاون مع الجهات ذات الصلة المحلية والدولية في كل دولة وفق احتياجاتها.
وتتناول أوراق الندوة التي تقام على مدار ثلاثة أيام بفندق شيراتون الدوحة مفهوم الحماية القانونية للتراث الثقافي في ضوء الملكية الفكرية، من خلال خمس أوراق، هي: دور الاتفاقيات الدولية في حماية التراث الثقافي، ومرجعيات الحماية القانونية للتراث الثقافي في منظومة الملكية الفكرية، وتشريعات الملكية الأدبية والفنية وحماية التراث الثقافي غير المادي، وحماية التراث الثقافي من منظور اتفاقية تنوع أشكال التعبير الثقافي وتعزيزها، ومكافحة القرصنة في منظومة حقوق الملكية الفكرية- تجربة مملكة البحرين في التعابير الفولكلورية (الحرف التقليدية).