تمتلئ ساحات المحاكم بقضايا مرفوعة من مواطنين على شركات مقاولات «أخلّت في تنفيذ العقود» الموقعة بين الطرفين، سواء من حيث العيوب الفنية والهندسية التي تظهر أثناء مراحل التنفيذ، أو من حيث عدم تسليم البناء في الموعد المحدد، أو لجهة مخالفة الاشتراطات الفنية المنصوص عليها في العقد وعدم مطابقة البناء مع التصميم ونوعية المنتج، ليجد العديد من تلك الخلافات المعتادة بين الطرفي طريقه إلى المحاكم.
«العرب» استعرضت آراء مهندسين ومحامين حول أهم المخالفات والأخطاء التي قد يرتكبها أحد طرفي العقد، أو كلاهما، وتنتهي بهما إلى أروقة المحاكم وقد تفضي بأحدهما إلى السجن.
وأكد عدد من المحامين على ضرورة أن يتضمن العقد بين المواطن والمقاول بنوداً بالمواصفات المطلوبة والتفاصيل الخاصة بالبناء المطلوب من جانب المواطن، بما فيها نوع المواد والتشطيب، وأن يتضمن شروطاً جزائية وعقوبات صارمة على من يخل ببنوده من الطرفين سواء في التكاليف أو التسليم والتسلم أو مواد البناء المستخدمة.
ونوهوا بضرورة اختيار الشركات المؤهلة وذات السمعة الحسنة وقراءة العقد لضمان عدم استفادة مقاولي البناء من الثغرات القانونية في العقود، التي لا تلزمهم بكثير من الالتزامات القانونية خلال مراحل التنفيذ ومرحلة ما بعد التسليم، وأشاروا إلى أن تجاهل هذه الأمور يعني بقاء الاختلاف أو الخلاف في وجهات النظر بين الأطراف وربما اللجوء للقضاء وإنهاك المحاكم بسيل من قضايا خلافات البناء التي يمكن تفاديها بسن التشريعات المناسبة.
أبرز المخالفات
في هذا السياق قال المحامي خليفة الكواري، القاضي السابق بمحكمة الاستئناف، رئيس المحكمة الابتدائية سابقاً: إن المحاكم تمتلئ هذه الأيام بالمنازعات والخلافات التي تنشأ عن تعامل المواطنين مع شركات المقاولات وهي إنما تنشأ، في الغالب، نتيجة لعدة أخطاء يقع فيها الملاك عند تعاملهم مع شركات المقاولات، ومن بين تلك الأخطاء عدم استعانة الأطراف بمحام عند إعداد العقد مع شركة المقاولات.
أضاف الكواري: قابلتنا مشكلات كثيرة نتيجة قيام الطرفين بتوقيع عقود لا تتضمن ضمانات كافية لحقوق المواطن، بل تكون في كاملها محققة لمصالح شركات المقاولات، التي تقوم بتنفيذ الأعمال، وهذا هو الخطأ الكبير والأساسي، لكن هنالك خطأ آخر يتمثل في عدم تدوين الاتفاقات الخاصة بمواصفات الأعمال ودرجة جودتها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتنفيذ العمل وتوريد المواد، حيث تتلاعب شركات المقاولات في المواصفات ودرجة الجودة وأحيانا تتلاعب في الكميات المستخدمة في الأعمال.
وقف التنفيذ
وتابع: ومن الأخطاء الشائعة قيام المواطنين بسداد معظم المبالغ المتفق عليها لشركة المقاولات قبل بداية العمل أو أثناء العمل ودون وصول نسبة التنفيذ لمستوى كبير وتتوقف شركة المقاولات عن الاستمرار في التنفيذ وتكون حصلت على مبالغ كبيرة ويضطر صاحب العمل أن يدفع مبالغ أخرى لنفس الشركة، أو شركة مقاولات أخرى، لاستكمال العمل وتكون الخسائر بالنسبة له مزدوجة. وقد يقع البعض في مشكلات مع شركة المقاولات نتيجة لتوقفها وعدم رغبتها أو قدرتها على إتمام الأعمال فيقوم صاحب العمل، وبمبادرة شخصية، باستكمال العمل المتبقي وجلب المواد اللازمة ويستكمل العمل بجهده الشخصي وماله الخاص، دون قيامه بأهم خطوة وهي الالتجاء للمحكمة لتسجيل دعوى إثبات حالة وتعيين خبير هندسي يثبت حالة الأعمال وجودتها والعيوب الهندسية أو الفنية، إن وجدت، وقيمتها، حيث يستطيع صاحب العمل الرجوع على تلك الشركة لمطالبتها بالمستحقات والمبالغ التى تحصلت عليها والتعويضات عن التأخير وعن العيوب، في حين أن عدم التوجه لتسجيل دعوى إثبات حالة هو خطأ كبير، يضيع حقوق صاحب العمل أو المالك، وحتى شركة المقاولات في حالة وجود خطأ وتقصير من صاحب العمل.
وأشار الكواري إلى وجود أخطاء أخرى تتمثل في كتابة المواصفات المتطلبة، خاصة في التشطيبات الخارجية والداخلية بشكل مجمل ومبهم ودون تحديد دقيق للنوعيات ودرجة الجودة وعدد الأمتار المطلوبة، ما يفتح الباب للتلاعب من جانب شركة المقاولات لجلب أي نوع وأي درجة ولا يكون للمالك الحق في الاعتراض لعدم الاتفاق، أو لكون الاتفاقات مبهمة لا تلزم شركة المقاولات بشيء معين.
الإخلال بالعقد
من جهته، قال المحامي والقاضي السابق جذنان الهاجري، عضو مجلس إدارة جمعية المحامين القطرية: إن المحاكم تشهد نزاعات قضائية متنوعة بين المواطنين والمقاولين، مع وجود قضايا مرفوعة من مواطنين على شركات مقاولات «أخلّت في تنفيذ العقود» لاسيما فيما يخصّ التأخّر في التنفيذ والتسليم في الموعد المحدّد أو مخالفة الاشتراطات الفنيّة المنصوص عليها في العقد.
وأضاف الهاجري: يجب على المواطن عدم التسرع في اختيار المقاول، كما عليه أن يدرس بنود العقد جيدا قبل توقيعه مع المقاول وأن يكون العقد متضمنا كافة المواصفات المطلوبة والتفاصيل الدقيقة بما فيها نوعية المواد التي يجب استخدامها في البناء والتشطيب، حتى لا يترك ثغرة للمقاول يستطيع من خلالها أن يفلت من التنفيذ الدقيق لبنود الاتفاق، بهدف توفير النفقات، أو كسب أكبر قدر ممكن من الأموال.
شروط جزائية
ونصح الهاجري، المواطن صاحب العقار، في حال إخلال الشركة في تنفيذ بنود العقد أو ظهور عيوب هندسية أو فنية خلال مراحل التنفيذ، أن يسارع برفع دعوى قضائية مستعجلة، قبل أن يتعاقد مع شركة أخرى، لضمان إثبات المخالفة من خلال المعاينة التي يجريها خبير مختص، لإثبات الحالة ودراسة العقد المبرم بين الطرفين، والتي في حالة ثبوتها، يأخذ المالك الرخصة من المحكمة بإمكانية اختيار مقاول آخر دون أن يتحمل أية تكاليف إضافية لإكمال البناء حسب المواصفات المطلوبة، وبعد ذلك، فقط، يمكنه أن يذهب للمحكمة مرة أخرى لإقامة دعوى قضائية يطالب فيها المقاول بالتعويض، حسب بنود العقد بينهما.
وأضاف أن العقد شريعة المتعاقدين، ويجب أن يتضمن جميع المواصفات والتفاصيل الخاصة بالبناء المطلوب من جانب المواطن، بما فيها شروط جزائية وعقوبات صارمة على من يخل ببنوده من الطرفين سواء في التكاليف أو التسليم والتسلم أو مواد البناء المستخدمة.
وطالب الهاجري الجهات المعنية بالتشدد في منح التراخيص لشركات المقاولات، كما طلب من كل مواطن يريد البناء أن يتحرى الدقة في اختيار الشركة المؤهلة، وأن يستبعد الشركات الصغيرة أو المجهولة أو غير المؤهلة حتى لو قدمت عروضاً مغرية للبناء لأن تخفيض الأسعار يأتي على حساب الإخلال بالمواصفات المطلوبة أو جودة المواد المستعملة في البناء وتكون العواقب وخيمة، وهو ما يكتشفه المواطن بعد ذلك ويدخل في منازعات وقد يلجأ للقضاء ويتوقف المشروع لشهور طويلة وربما سنوات.
مركز التحكيم
وشاطره الرأي في هذا الإطار المهندس أحمد الجولو، رئيس جمعية المهندسين القطريين السابق، منوهاً بضرورة اختيار الشركة المؤهلة لتنفيذ البناء على أساس ما تملكه من إمكانات وآلات إلى جانب الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على تنفيذ مراحل البناء من دون قصور أو تقصير في تسليم البناء في الموعد المحدد وحسب المواصفات المطلوبة.. كما يجب اختيار المكتب الاستشاري بناء على سمعته وأعماله المنتظمة في التصميم والإشراف على التنفيذ، لأن المكاتب الاستشارية المعروفة تحافظ على سمعتها وهي المسؤولة عن إعداد الرسومات الهندسية المتكاملة ووضع المواصفات التي تلبي احتياجات المواطن صاحب البناء حسب الموازنة المتاحة. ونوه الجولو بضرورة تضمين العقد الموقع بين المالك والمقاول شرطا أساسيا باللجوء لمركز التحكيم، في حال إخلال أي من الطرفين بأحد بنود الاتفاق وظهور خلافات بين الطرفين.. والقبول بقرار المركز والالتزام بتنفيذه، كما طالب بتزويده بالخبرات الإدارية والفنية والهندسية والقانونية ليكون مصدر ثقة للجميع.
موعد التنفيذ
يذكر أن القانون المدني القطري رقم 22 لسنة 2004 يجيز لصاحب العمل طلب فسخ العقد دون انتظار لحلول أجل التسليم، إذا تأخر المقاول في البدء بتنفيذ العمل أو في إنجازه تأخرًا لا يرجى معه أن يتمكن من القيام به كما ينبغي في المدة المتفق عليها، أو إذا اتخذ مسلكًا ينمّ عن نيته في عدم تنفيذ التزامه، أو أتى فعلاً من شأنه أن يجعل تنفيذ هذا الالتزام مستحيلاً.
وينقضي عقد المقاولة باستحالة تنفيذ العمل المتفق عليه لسبب لا يد لأحد الطرفين فيه. وعندئذ يكون للمقاول الحق في مطالبة ربّ العمل بما أنفقه وبما يستحقّه من أجر، وذلك في حدود ما عاد على ربّ العمل من منفعة.
ولصاحب العمل أن يتحلل من العقد ويوقف تنفيذ العمل في أي وقت قبل إتمامه، على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من مصروفات، وما أنجزه من أعمال، وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتمّ العمل.
على أنه يجوز للمحكمة أن تخفض التعويض المستحقّ عما فات المقاول من كسب إذا كانت الظروف تجعل هذا التخفيض عادلاً، ويتعين عليها بوجه خاصّ أن تنقص منه ما يكون المقاول قد اقتصده من جراء تحلل ربّ العمل من العقد، وما يكون قد كسبه باستخدام وقته في عمل آخر.
مقاولو الباطن
تجيز المادة 701 للمقاول أن يوكل تنفيذ العمل في جملته أو جزء منه إلى مقاول من الباطن، إذا لم يمنعه من ذلك شرط في العقد، أو لم يكن من شأن طبيعة العمل أن تكون شخصية المقاول محل اعتبار. ومع ذلك تبقى التزامات المقاول الأصلي قِبَلَ ربّ العمل قائمة، ويكون مسؤولاً قِبَلَه عن أعمال المقاول من الباطن.
ووفقًا للمادة 702 يكون للمقاول من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول الأصلي في تنفيذ العمل، حق مطالبة ربّ العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذي يكون مدينًا به للمقاول الأصلي من وقت رفع الدعوى، ويكون لعمال المقاول من الباطن مثل هذا الحق قِبَلَ كل من المقاول الأصلي وربّ العمل.
وللمقاول من الباطن وللعمال المذكورين عند توقيعهم الحجز تحت يد ربّ العمل أو المقاول الأصلي، امتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلي أو للمقاول من الباطن وقت توقيع الحجز، ويكون الامتياز لكل منهم بنسبة حقّه، ويجوز أداء هذه المبالغ إليهم مباشرة.
وحقوق المقاول من الباطن والعمل المقررة بمقتضى هذه المادة، مقدمة على حقوق من ينزل له المقاول عن حقه قِبَلَ ربّ العمل.
تلف مواد البناء
فيما يخصّ هلاك الأشياء أو تلفها والتي تهلك أو تتلف بسبب أي حادث مفاجئ أو قوة قاهرة قبل تسليمها لربّ العمل، تنصّ المادة 690 من القانون المدني القطري على أنه ليس للمقاول أن يطالب بالأجر المتفق عليه ولا بقيمة المواد التي قدمها إذا هلك الشيء أو تلف بسبب حادث مفاجئ أو قوة قاهرة قبل تسليمه لربّ العمل، إلا إذا تبين أن ربّ العمل وقت الهلاك أو التلف مخل بالتزامه بتسلم العمل، ففي هذه الحالة يحقّ للمقاول الرجوع على ربّ العمل بالأجر.
تنص المادة 691 من القانون المدني القطري رقم 22 لسنة 2004 على أنه: إذا كانت المواد مقدمة من ربّ العمل، وهلك الشيء أو تلف قبل تسليمه له بسبب حادث مفاجئ أو قوة قاهرة، فلا يكون له أن يطالب المقاول بقيمتها.