تهيمن على الساحة السياسية في تونس حالياً حالة من الجدل الشديد منذ أن أعلن الرئيس قيس سعيّد، مساء الأحد، عن تدابير استثنائية اعتبر أنها تعتمد على الفصل 80 من الدستور. هذا الجدل يجسد انقساما سياسيا في البلاد وتباينا في المواقف بين مكونات المجتمع من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية، فضلا عن المواطن العادي.
واشتد الانقسام بشأن هذه التدابير الاستثنائية، لتضاف إلى جملة مشاكل اقتصادية واجتماعية وأزمة سياسية مستفحلة تعاني منها البلاد منذ أوائل العام الجاري، مما أدى إلى تشكل المشهد الاستثنائي الراهن.
الساعات الأولى من إعلان التدابير الاستثنائية استقبلها الشعب التونسي منقسما بين مؤيد ومعارض لتفعيل الفصل 80، واختلفت المسميات والتوصيفات لما حدث بين «انقلاب على الدستور» و «تصحيح المسار»، فضلا عن جدل بشأن إخضاع مسؤولين للإقامة الجبرية.
أزمة برلمانية
وعشية قرارات سعيّد، انتقل راشد الغنوشي رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة، ليلا من مقر حزبه إلى البرلمان، الذي أغلقته فرقة من الجيش، ومنعت دخول الغنوشي ونواب آخرين إليه في الصباح.
كما أن قرار رفع الحصانة عن النواب، خلال التدابير الاستثنائية، فتح الباب أمام شائعات عن إيقاف نواب، لكن لم تؤكد أي جهة رسمية أو حقوقية حدوث عمليات توقيف.
إغلاق مبنى البرلمان أثار جدلا حول التزام سعيّد بنص الدستور، باعتبار أن البرلمان، حسب الفصل 80، يبقى في حالة انعقاد دائم.
وقال كريم المرزوقي، باحث جامعي، للأناضول، إن «تجميد اختصاصات البرلمان هي مخالفة لصريح الفصل 80 من الدستور، الذي ينص على بقاء البرلمان في حالة انعقاد».
وأضاف: «والسؤال المطروح يتعلق بطبيعة العلاقة بين البرلمان والحكومة المنتظر تشكيلها، وقد أعلن رئيس الدولة توليه السلطة التنفيذية بالكامل، وأن رئيس الحكومة القادم سيكون مسؤولا أمامه، والحال أن الدستور الحالي يعتمد نظام شبه برلماني يجعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان».
وتابع المرزوقي: «تم النص على أن رفع التجميد عن البرلمان سيتم بعد 30 يوما، مقابل السكوت عن بقية التدابير التي لا يفترض أن تكون معنية بأجل الشهر، وبالخصوص قرار تولي رئيس الدولة للسلطة التنفيذية».
مواقف متباينة
المواقف المتباينة من التدابير الاستثنائية ألقت بظلالها على جميع المكونات السياسية في تونس، انقسمت بين مؤيد ومعارض وصامت، في ظل جدل مشتعل. وقال عادل بن عبدالله، محلل سياسي وجامعي للأناضول، إن «ما قام به سعيّد أقرب ما يكون للانقلاب، فهو يقول إنه قام بتأويل للفصل 80 من الدستور، ولكن هذا التأويل حسب أساتذة القانون الدستوري لا يسمح له بتوقيف أشغال المجلس النيابي، ولا يسمح له بتولي الحكومة والجمع بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، رغم تراجعه عن الأخيرة بعد لقائه بالمجلس الأعلى للقضاء (الإثنين)».
واعتبر أن «الإشكال ليس في توصيف ما قام به سعيّد، وإنما مدى استجابة ما قام به مع انتظار التونسيين؛ لأن هذه المنظومة وصلت إلى مرحلة مأزومة وتعطيل المجلس النيابي ووزراء غير ملتحقين بمناصبهم».
وأردف بن عبدالله: «المنتظر من سعيّد لطمأنة الرأي العام الداخلي والخارجي هو إيجاد خارطة طريق وضمانات كي لا يتحول الاستثنائي إلى دائم، وليبتعد بذلك عن شبهة الانقلاب، ويُعتقد فعلا أنه مسار تصحيح ثورة أو مسار إصلاحي».
وزاد بأن «الرأي العام ينتظر تعامل سعيّد مع مسائل الفساد تعاملا غير انتقائي وغير مسيس، ويجب مواجهة منظومة الفساد دون اختزالها في بعض الخصوم السياسيين».