أطلق الملتقى القطري للمؤلفين عبر قناته على يوتيوب أولى حلقات الفعالية الجديدة «فكر ومفكرون»، التي أدارها الدكتور جاسم سلطان مدير مركز الوجدان الحضاري.
جاءت الحلقة بعنوان «من داروين إلى هتلر» قدمها الدكتور ريتشارد ويكارت رئيس قسم التاريخ في جامعة ولاية كاليفورنيا ستانسلوس، والمشارك في معهد ديسكفري، وصاحب الدراسات المتخصصة في تأثيرات نظرية داروين الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، التي يدور حولها كثير من الجدل.
استهل المحاضر الجلسة بالقول «إن الأفكار لها تأثيرات هائلة، وإذا فكرنا في تاريخ القرن العشرين الذي قمت بتدريسه في دورات تدريبية كثيرة في أوروبا وحتى الآن يمكننا أن نرى عواقب الأفكار التي ضلت طريقها».
وقال «نرى عواقب النازية على سبيل المثال في الهولوكوست والقضايا التي أشرحها في بحثي، والماركسية الستالينية وتأثيرها على العالم، وأعتقد أنه من الجدير التفكير في بعض هذه القضايا».
وأضاف د. ويكارت: إن هذه أمور خطيرة حقًا وتؤثر على حياة الناس، وقد قمت بتوجيه سير حديثي من داروين إلى هتلر وهو عنوان كتابي، وأعطيته عنوانًا بديلًا هو «الداروينية تقلل من قيمة حياة الإنسان»، وقال «إن عنوان هذا العرض التقديمي وهو ذاته عنوان كتابي المثير للجدل وأتمنى أن يكون جدل صحيا ومفيدا».
وأوضح أن الداروينية تؤدي حتماً إلى هتلر، وأن هناك ضرورة منطقية إلى الهولوكوست لتوضيح ما هو واضح لا بالنسبة لداروين ولا لمعظم الداروينيين أو النازيين. وأكد مجدداً أن الداروينيين يقللون من قيمة الحياة البشرية، وقد كان التأثير التاريخي لأفكارهم على الثقافة الغربيةهائلاً، لافتا إلى تأثير الداروينية على الاشتراكيين الألمان أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وقال «لاحظت أن الكثير من هؤلاء المفكرين الألمان كانوا يكتبون عن الأخلاق ويحاولون التأسيس ومحاولة الترويج لنوع من الأخلاق التطورية».
وأضاف: عدت إلى بحثي بهذا السؤال، هل تقلل الداروينية من قيمة الحياة البشرية أو على الأقل؟ هل يعتقد الداروينيون أن الداروينية تقدر حياة الإنسان؟ ثم بدأت في التحقيق باستخدام هذا السؤال، خاصة أن هناك العديد من الداروينيين يقولون إن الداروينية لا علاقة لها بالأخلاق أو القيم.
وتابع: إن هؤلاء يستحضرون ما يسمى بالمغالطة الطبيعية التي تنص على أنه لا يمكنك الحصول على ما يجب عليك، وسوف يطلقون على استدعاء هتلر للداروينية التي يطلق عليها أحيانًا الداروينية المبتذلة أو الداروينية المشوهة.
ونوه د. ويكارت بأن داروين نفسه طرح أفكارًا حول الإبادة العرقية وقد كتب لزميله قائلاً: إن الاقتباس من الأعراق القوقازية المزعومة الأكثر تحضرًا قد هزمت التركية في الصراع من أجل الوجود، والتي تتطلع إلى العالم في أي تاريخ غير بعيد، وسوف يتم القضاء على الأعراق الدنيا من قبل الأعراق المتحضرة الأعلى في جميع أنحاء العالم.
وأوضح أن الداروينية رأت أن الموت ينتج تقدمًا بعد كل ما ينتج عن الكفاح البشري من أجل الوجود، وأن الموت محرك يقود التقدم التطوري.
وأضاف في هذا السياق: قال داروين إن المجاعة والموت من أسباب حرب الطبيعة، وهي الشيء الأكثر تعاليًا الذي نستطيع تحمله، لافتا إلى أن هتلر اقتنع بأفكار حول الداروينية الاجتماعية وما شابه، لكن زوال النازية لم يتسبب في موت أو ضربة قاضية لأيديولوجية علم تحسين النسل للأفكار حول الإبادة العرقية والعنصرية الداروينية، وقد استمر التقليل الدارويني لقيمة الحياة البشرية بطرق مختلفة.
وأكد د. ويكارت بشكل قاطع أن الداروينية تاريخياً قللت من قيمة الحياة البشرية مما أدى إلى أيديولوجيات تروج لتدمير الأرواح البشرية التي تعتبر أقل قيمة أو غير ملائمة لتلك الموجودة في المقدمة وتتيح الترويج للإجهاض على سبيل المثال.
وقال «نظرًا لأن للداروينية آثارا عميقة على آرائنا عن البشر وما يعنيه ذلك عن الإنسان والطبيعة البشرية والحياة والموت، يبدو أن من غير المعقول الإبقاء على أن الداروينية يمكن فصلها تمامًا عن الأخلاق أو الدين».
وأعرب عن اعتقاده بأن الداروينية كان لها تأثير هائل على الأفكار الأخلاقية في العالم الحديث على وجه التحديد، وأكد أنها ساهمت في تآكل قدسية أخلاقيات الحياة. وأنها حقًا مسألة حياة و موت، وقد كان هتلر يعتقد بضرورة الإبادة لبعض للأجناس البشرية واصطفاء العناصر الأفضل لذا عمل على مسألة الاصطفاء في الجنس البشري والتعقيم وقتل المعاقين لأن النسبية في الأخلاق سمحت أنه تؤثر على النظر للأخلاق وحقوق الإنسان، وهذا ما يجعل المسألة هامة للانتباه لها وهو ما جاء وراء حديث الكاتب من احتمالية وجود نسبية أخلاقية جديدة تسمح بقبول قضايا لا تتناسب مع الأخلاق وبالتأكيد هي نسبية وستكون غير أخلاقية أو أخلاقية في وقت آخر.
ومن خلال المناقشات التي أثيرت تطرق المشاركون لتأييد الدكتور ريتشارد لما ظهر من خلال تقبل المجتمعات الغربية والأقل تحفظا في السنوات الأخيرة في للعديد من الظواهر الاجتماعية الدخيلة على غرار ظاهرة الإلحاد والمثلية التي انتشرت بشكل كبير وأصبحت موضع نقاش مستمر لاسيما في اطار علاقتها بالحريات الشخصية وحقوق الانسان، وتعليقا على ذلك فقد شدد الملتقى القطري للمؤلفين على أهمية مناقشة القضايا الجدلية والوصول لمفاهيم تساعد في التنبؤ بمستقبل الفكر والمفكرين وهو ما ينعكس على الممارسات التي تظهر في المجتمع، وفي الوقت الذي يتم فيه مناقشة جميع الجوانب من منطلق احترام الرأي والرأي الآخر، ونعتبر كل التفسيرات نسبية في حين أن مصدر الحقائق المطلقة بالنسبة لنا كمسلمين هو القرآن الكريم والسنة النبوية التي حسمت بشكل قاطع رفضها لهذه الظواهر. مع ضرورة الأخذ بالاعتبار التغيرات الفكرية وتأثيرها على نظرة المجتمعات.