ناقشت جلسات منتدى الأمن العالمي 2025 في يومه الأول مجموعة من القضايا المتعلقة بتزايد الصراعات في العالم، التي تقودها الجهات الفاعلة غير الحكومية والجماعات المسلحة والشبكات العابرة للحدود، وما تمثله تلك الصراعات من تحديات أمام الوساطة، بالإضافة إلى بحث الديناميكيات المتطورة بين الجهات الحكومية والكيانات غير الحكومية في تشكيل معالم الأمن العالمي.
وأجمع المشاركون خلال الجلسات النقاشية، على أن العالم اليوم بحاجة إلى تطوير آليات عمل جديدة ومقاربات دبلوماسية أكثر مرونة وابتكارا، بما يعزز فرص تحقيق الأمن والسلم الدوليين في ظل المتغيرات المعقدة التي يشهدها النظام العالمي.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور خالد عبد العزيز الخليفي، خبير أول بمركز أبحاث السياسات الدولية في قطر، خلال جلسة، تحت عنوان: «حل النزاعات والوساطة في عصر الجهات الفاعلة غير الحكومية»، أن دولة قطر تمتلك ميزة استراتيجية فريدة في مجال الوساطة بفضل قدرتها على التحدث مع جميع الأطراف بمرونة وحيادية.
وأوضح الخليفي، أن نجاح الوساطة القطرية يعود إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها: الحياد، والانفتاح على جميع الأطراف، والالتزام بالشرعية الدولية، والسرية التامة في إدارة المفاوضات، مبينا أن النزاعات المعاصرة باتت تشمل أطرافا متعددة ومصالح متشابكة، مما يتطلب نهجا ابتكاريا جديدا للتعامل معها.
ولفت إلى أن قطر اعتمدت في مقاربتها على التفاعل الصادق مع جميع الفرقاء، بهدف الوصول إلى حلول دائمة تضمن الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا، مشددا على أن مكافحة الإرهاب تتطلب بناء دول قوية وموحدة، مع تضافر جهود المجتمع الدولي لدعم الدول في مواجهة العوامل المؤدية للتطرف.
ومن جانبه، اعتبر السيد ريان كروكر، الرئيس المميز للدبلوماسية والأمن في مؤسسة «راند»، أن العالم يمر اليوم بواحدة من أسوأ لحظاته الأمنية، مؤكدا الحاجة الماسة إلى تفعيل أدوار المنظمات غير الحكومية في حل النزاعات واحتواء الأزمات.
بدوره، قال سعادة السيد بيكا هافيستو، وزير الخارجية السابق بجمهورية فنلندا:» إن دولة قطر، تؤدي دورا محوريا في تسوية النزاعات، خصوصا في ظل تعطل عمل مجلس الأمن بسبب حق النقض /الفيتو/ وعجز الجمعية العامة للأمم المتحدة عن تقديم حلول ناجعة»، مشددا على أهمية الثقة كعامل أساسي لإنجاح أي مسار سلام، مع ضرورة إشراك جميع الفئات المعنية.
من ناحيتها، أكدت السيدة فوزية كوفي، نائبة رئيس البرلمان سابقا بأفغانستان، أهمية التركيز على «الدبلوماسية اللينة» لتحقيق التوازن في العلاقات الدولية، موضحة أن الفاعلين غير الحكوميين يقدمون نماذج أكثر شمولية في تسوية النزاعات، اعتمادا على قنوات تواصل غير تقليدية وغير مباشرة.
كما دعت كوفي، إلى إعادة هيكلة المنظمات متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، لرفع كفاءتها وتعزيز دورها، منبهة إلى أن الواقع الجديد يعزز صعود القوى الصغيرة والجهات غير الحكومية في إدارة النزاعات.
وفي جلسات جانبية على هامش الجلسات الرئيسية، تحت عنوان «مستقبل الأمن العالمي: تأثير الدول في مواجهة تأثير غير الدول»، أكدت السيدة ريبيكا وينر، نائبة مفوض مكتب الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، إدارة شرطة مدينة نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية، أن العالم يشهد تحولات عميقة في أنماط الصراعات، مع تصاعد دور الفاعلين غير الحكوميين إلى جانب الجهات الرسمية، مشيرة إلى أن الحروب أصبحت أكثر تعقيدا بفعل إدخال التكنولوجيات الحديثة، خصوصا في مجال الأمن السيبراني، مما أوجد منظومة معقدة من القدرات الجديدة.
وفي إطار حوار رفيع المستوى ضمن فعاليات المنتدى، شدد سعادة السيد رائد الصالح، وزير الطوارئ والكوارث بالجمهورية السورية، على ضرورة تحقيق تكامل حقيقي بين الحكومة والمجتمع المدني، مؤكدا على أهمية الجمع بين المرونة والصرامة في إدارة التحديات الراهنة. وأضاف أن النظام السابق في سوريا، ترك البلاد في حالة صعبة، مما جعل من أبرز التحديات الحالية للحكومة إعادة بناء النسيج المجتمعي وتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، إلى جانب مواجهة الأزمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات المفروضة على سوريا.
من ناحيته، دعا أرمين جريجوريان الأمين العام لمجلس الأمن في جمهورية أرمينيا لاستخلاص الدروس من تجارب الفاعلين غير الحكوميين في النزاعات، من خلال توحيد جهود المجتمع الدولي لمواجهة هذه التحديات.
وحول مستقبل المنظمات متعددة الأطراف، أوضح المسؤول الأرميني أن هذه الكيانات تظل تصب في مصلحة الدول، لكنها بحاجة إلى تطوير وتكيف مستمر مع المتغيرات الدولية، مشيرا إلى أن تعزيز التواصل الإقليمي وبناء علاقات اقتصادية متينة يعدان من العوامل الرئيسية لتحقيق السلام والازدهار المشترك.
د. سلطان الخليفي: المنتدى يخدم دور قطر الريادي في الوساطة
قال الدكتور سلطان عبدالرحمن الخليفي الباحث الأول في مركز دراسات النزاعات والعمل الإنساني إن المركز يشارك في جلسة التعامل مع الفواعل غير التابعين للدولة «أي المنظمات الإرهابية»، حيث سيتم طرح نقاش حول كيفية التعامل معها من خلال أدوات السياسة العامة والأدوات القانونية بالتعاون مع الأمم المتحدة، وأضاف في تصريحات صحفية على هامش منتدى الأمن العالمي أن دور قطر الريادي العالمي في مجال الوساطة يتطلب مثل هذه النقاشات حول الطرق والوسائل الناجعة للتعامل مع هذه المجموعات والوصول للبلدان التي تعاني حروبا أهلية أو مجموعات إرهابية إلى انتقال آمن وإعادة بناء الدولة، موضحاً أنه سيتم التواصل مع عديد الباحثين العالميين المتخصصين في شؤون الوساطة ومكافحة الإرهاب المشاركين بالمنتدى للوصول إلى حلول علمية ودقيقة لحل هذه الإشكالية الدقيقة التي تضرر منها العالم.
وعن المنتدى قال د. الخليفي إنه يمثل منصة رئيسية حول تحديات الأمن العالمي بشكل عام بما في ذلك الإرهاب والحروب الاهلية والأزمات الإنسانية، وأشاد بالمواضيع التي ناقشها المنتدى منذ تدشين النسخة الأولى في عام 2018 حيث ناقشت عودة المقاتلين الإرهابيين المشاركين بالحروب إلى بلدانهم، ومنذ ذلك الحين استمر المنتدى بدعم من الدولة وبتنظيم من مركز صوفان واكاديمية قطر للدراسات الأمنية ويتناول مواضيع مختلفة كل عام.