تنصب مساعي «إرثنا – مركز لمستقبل مستدام» الذي أسسته مؤسسة قطر على تكريس القيادة الفكرية في صُنع السياسات، وتحديد أولويات السياسات وتعزيزها، وترسيخ الروابط بين مجالات التعليم والبحوث والصناعة، وتوسيع نطاق شبكات تعاون مؤسسة قطر محليًا ودوليًا.
وسيركز مركز إرثنا جهوده بشكل خاص على الاستدامة في المدن الحارة والقاحلة، ومجالات الطاقة المستدامة، وتحقيق أقصى استفادة من الإمكانات النموذجية التي تتمتع بها المدينة التعليمية لاختبار أحدث التقنيات والممارسات، وتطبيقها بصورة مستدامة.
في هذا الإطار، أكد المهندس مشعل الشمري، مدير أول، المبادرات الاستراتيجية والشراكات في مركز إرثنا أن المركز مبني على الإرث الذي صنعته مؤسسة قطر خلال السنوات العشر الماضية في مجال الأبحاث العلمية المتعلقة بالبيئة والبرامج الفنية والبرامج المجتمعية.
يهدف المركز إلى تمكين الخبراء، والجهات الحكومية، والمعنيين بصياغة السياسات واتخاذ القرارات، والشركات، والمؤسسات متعددة الأطراف، والمجتمع المدني بهدف تشييد مستقبل أكثر استدامة. كما سيعمل على مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز تبني السلوكيات والممارسات المستدامة.
انطلاق رفيع المستوى
أُعلن عن تأسيس مركز «إرثنا» خلال جلسة نقاشية رفيعة المستوى في حفل افتتاح القمة الدبلوماسية السنوية لمنتدى الدوحة، لبحث سبل جعل المدن محور الحلول العالمية لاستدامة الطبيعة والمناخ.
خلال الجلسة التي عُقدت بعنوان «بناء نموذج استدامة جديد: مساهمة المدن في الحل المناخي»، استكشف المتحدثون طرقًا لتعزيز مرونة المدن من خلال دمج الطبيعة في تصميمها.
مواجهة التحديات في الدول ذات المناخ الجاف
قال الشمري: «مركز إرثنا هو مركز متخصص، يُعني بشؤون الاستدامة والحفاظ على البيئة ودراسة آثار التغير المناخي في دولة قطر، والمنطقة، والعالم أيضًا، وذلك في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها جميع دول العالم والمتمثلة بالآثار المتزايدة للتغير المناخي. وقد وجدنا أن النطاق الذي يهم دولة قطر هو الدول الحارة والجافة والتي تفتقد الدراسات والأبحاث الكافية، بما في ذلك الأبحاث العلمية والسياسات التي تدعم الدول التي تعاني من آثار التصحر والتغير المناخي».
كما أوضح أن مركز إرثنا سيركز على هذا المجال في الدول المذكورة وسيكون هناك تعاون مع دول ذات طبيعة مشابهة لدولة قطر من أجل تبادل الخبرات في هذا المجال ولوضع أفضل السياسات، وذلك بهدف دعم الدول التي تعاني من هذه الآثار.
أضاف الشمري: «سنركز أيضًا على الطاقة المستدامة، بما أن قطر هي دولة مصدرة للنفط والغاز، لاسيما أن الغاز يعتبر من الوقود الآمن مقارنة بالوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول».
كما سلط الضوء على دور الطاقة الآمنة في ظل التحول للطاقات المتجددة والبديلة عن الطاقات الأحفورية، قائلاً: «نحن لسنا بصدد الحديث عن المجال البيئي فحسب، فالطاقة تلعب دورا كبيرا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، كما أنها تحدد التغييرات التي قد تحدث خلال الفترات القادمة. تحاول العديد من الدول التركيز على هذه المجالات ونحن نسعى لأن تكون دولة قطر سبّاقة في هذا المجال وتعرض أفضل الممارسات».
أضاف: «المحور الثالث هو الاستدامة بشكل عام، ودورها في الربط بين الاقتصاد والتنمية المجتمعية، ونشر مفهوم الاستدامة والمبادرات والأنشطة التي تهم أفراد المجتمع. يهمنا أن تكون هناك سياسات عامة للدولة ووعي مجتمعي لهذه التطورات».
أكد الشمري ضرورة تعاون الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية مع الشركات الخاصة لنشر التوعية حول ممارسات الاستدامة وأهميتها في الحفاظ على البيئة وحماية البلاد من آثار التلوث والممارسات غير الصديقة للبيئة. حيث قال: «تتخصص كل جهة في دولة قطر في مجال معين، على سبيل المثال، تعدّ مؤسسة قطر متفردة في مجال البحث العلمي والتوعية المجتمعية، فمن المهم للغاية أن نتعاون كجهات حكومية ومنظمات بحثية ومنظمات غير ربحية وأن ندعم بعضنا البعض».
أشاد الشمري بأهمية إنشاء وزارة البيئة والتغير المناخي، وبدورها في تعزيز الاستدامة والحفاظ على البيئة، حيث يحرص مركز إرثنا على العمل مع الوزارة لتحقيق الأهداف المشتركة. حيث قال: «لقد عملنا في السابق مع وزارات على المستوى المحلي، ولكن يهدف إرثنا إلى توسيع نطاق التعاون ليشمل المجال الإقليمي والدولي».
تابع: «فيمكننا أن ندرس أفضل الممارسات المُطبّقة في دول أخرى ومدى قابلية تطبيقها في دولة قطر. وبما أن مركز إرثنا غير ربحي، فنحن نمتلك مرونة أكبر في التعامل مع الجهات الدولية، وقد نُمثّل بوابة لهذه الجهات الحكومية للتعاون مع المراكز الدولية وأن نشكل حلقة وصل بينهم لتطبيق أفضل الممارسات».
سد الفجوة بين المؤسسات البحثية والجهات الحكومية
من جهته، قال الدكتور سعود بن خليفة آل ثاني، مدير التغير المناخي وإدارة الكربون في مركز إرثنا: «تم إنشاء مركز إرثنا بعد أن لاحظت الجهات المعنية أن هناك فجوة بين الجهات التي تحتاج إلى وضع سياسات وتلك التي تقوم ببناء البيانات والأبحاث، فمركز إرثنا هو بمثابة المنصة التي ستسعى إلى استخدام الأبحاث التي تهم دولة قطر وتحويلها إلى سياسات تخدم الدولة ويمكن تنفيذها عمليًا».
أضاف: «بهدف تطبيق هذه السياسات، تحتاج الجهات الحكومية إلى جهة أخرى تساعدها في صياغة هذه السياسات. يحاول مركز إرثنا فهم التحديات والفجوات الحالية وتقديم السياسات المناسبة لهذه الجهات الحكومية».
كما أوضح قائلاً: «تُعدّ قطر واحدة من أكبر الدول المصدرة للغاز في العالم، وهو ما له أثر كبير على الطبعة الكربونية للدولة بشكل عام، ولكن من ناحية أخرى، تعتبر نسبة انبعاثاتها الكربونية أقل بحوالي 20 في المائة أو 50 في المائة من أنواع الطاقة الأخرى أي الأحفورية».
أضاف: «على مدار 15 عامًا من الآن ستُصبح هذه الطاقة نظيفة بالكامل، وكون قطر مصدرة للغاز النظيف، فهذا سيساعد دولا أخرى حول العالم في تقليل الطبعة الكربونية».
كما وضع الدكتور آل ثاني «إرثنا» في سياق مهمة مؤسسة قطر للمساهمة في بناء اقتصاد مستدام ومتنوع في قطر. حيث قال: «تمتلك مؤسسة قطر مجموعة كبيرة من الجامعات ومراكز الأبحاث، بالإضافة إلى الكم الهائل من البيانات لديها، وقد واجهت تحديًا من قبل في كيفية الاستفادة من هذه المعلومات في وضع نص تنفيذي، وهو ما يعكس الحاجة الملّحة إلى تطوير السياسات».
البيئة والاستدامة
وفق الموقع الإلكتروني لمكتب الاتصال الحكومي، فلطالما وضعت دولة قطر حماية البيئة ودعم التنمية المستدامة في طليعة أولوياتها وأثبتت التزامها الدائم بمواجهة التحديات البيئية العالمية في أكثر من مناسبة، لا سيما حين أصبحت من أولى الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1996. وتعد دولة قطر شريكاً فاعلاً مع المجتمع الدولي في مواجهة الأزمة المناخية.
التعاون الدولي من أجل مستقبل أكثر مراعاة للبيئة
شهد عام 2005 توقيع دولة قطر على بروتوكول كيوتو الذي شكل إنجازاً مرحلياً مهماً تمثل في اتفاق المجتمع الدولي للمرة الأولى على أهداف وإجراءات ملزمة لمكافحة تغير المناخ.
في عام 2012، التقى أكثر من 20.000 مندوب ومسؤول رفيع المستوى من الحكومات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة والمجتمع المدني في الدوحة للمشاركة في الدورة الـثامنة عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
لم تدخر دولة قطر جهداً لضمان نجاح المفاوضات التي أفضت إلى إقرار اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وكانت من أول الموقعين على هذه الاتفاقية ذات الأهمية البالغة.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم دولة قطر الجهود الدولية لتعزيز الاستدامة من خلال المشاريع التي تقدم المساعدة للجهات الأكثر تضرراً من تغير المناخ.
وخلال قمة العمل من أجل المناخ في شهر سبتمبر 2019، أعلن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى عن مساهمة دولة قطر بمبلغ 100 مليون دولار لدعم الدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الأقل نموا للتعامل مع تغير المناخ والتحديات البيئية.
أهداف طموحة لتعزيز الاستدامة
تشكل استراتيجية قطر الوطنية للبيئة والتغير المناخي ركيزة أساسيةً للسياسات العامة من أجل المحافظة على البيئة لصالح الأجيال الحالية والقادمة.
حماية البيئة الفريدة لدولة قطر
على غرار جيرانها في منطقة الخليج، تعتبر دولة قطر دولة شديدة التأثر بالآثار السلبية لتغير المناخ.
ينصب تركيز وزارة البيئة وتغير المناخ بشكل حصري على معالجة القضايا ذات الأهمية البيئية والحرص على اعتماد ممارسات مستدامة ومراعية للمناخ في القطاعات كافة والإشراف على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للبيئة والتغير المناخي على الوجه الأمثل.
في شهر سبتمبر 2021، وافق مجلس الوزراء القطري على الخطة الوطنية للتغير المناخي، وهي إطار استراتيجي يعكس طموحات الدولة على المدى الطويل في مجال الاستدامة والحاجة الملحة للاستجابة بفعالية للأزمة المناخية وحماية البيئة للأجيال الحالية والقادمة.
تتماشى الخطة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من رؤية قطر الوطنية 2030، وترسم معالم التزام دولة قطر بمواجهة التغير المناخي من خلال تنويع الاقتصاد، وبناء القدرات، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية. كما تحدد الخطة الأهداف المناخية الوطنية لتعزيز القدرة على مواجهة آثار تغير المناخ من خلال أكثر من 35 إجراء مختلفاً وأكثر من 300 مبادرة تكيف تركز على التخفيف من الآثار.
المدينة التعليمية «صحية»
وفي فبراير الماضي، شهد معالي الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، حفل اعتماد منظمة الصحة العالمية لبلديتي الدوحة والريان مدينتين صحيتين، وتعيين المنظمة للمدينة التعليمية التابعة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع مدينة تعليمية صحية، والذي نظمته وزارة الصحة العامة بالشراكة مع وزارة البلدية ومؤسسة قطر بمنطقة مشيرب.
ويهدف برنامج المدن الصحية إلى تحسين صحة السكان من خلال تحسين الصحة والرفاه، وتعزيز الإنصاف، وتمكين المجتمعات، والتصدي للأسباب الجذرية للاعتلالات الصحية، وذلك بإدماج الصحة في كافة السياسات وتقوية أواصر التعاون والشراكة بين مختلف القطاعات والمجتمع.
كما أن اعتماد «المدينة التعليمية الصحية» هو اعتماد تابع لبرنامج «الجامعات المعززة للصحة»، وهو كذلك جزء من برنامج «المدن الصحية». ويعكس هذا الاعتماد الاهتمام الذي توليه مؤسسة قطر بتعزيز الصحة والرفاه، والتزامها بدعم أفراد المجتمع على إدراك كامل إمكاناتهم.
وتهدف دولة قطر إلى اعتماد جميع بلدياتها الثماني مدنًا صحية من قبل منظمة الصحة العالمية لتوفير خيارات مستدامة وأكثر صحة للسكان.
والمدن الصحية مبادرة عالمية أطلقتها منظمة الصحة العالمية بهدف وضع الصحة على رأس جدول الأعمال الاجتماعي والسياسي للمدن من خلال تعزيز الصحة والإنصاف والتنمية المستدامة بالابتكار والتغيير الذي يشمل قطاعات متعددة. وتنسجم هذه المبادرة مع الرؤية الإقليمية لشرق المتوسط 2023: الصحة للجميع وبالجميع. ويُمنح اعتماد «المدينة الصحية» للمدن في العالم التي تستوفي المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.
مركز للأبحاث البيئية
تقدم حكومة دولة قطر دعمها الكامل للشركات الناشئة ومراكز الأبحاث والمنظمات التي تواظب على الابتكار والتطوير في مجال الحفاظ على البيئة، والاستدامة، والتكنولوجيا.
تعتبر واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا مركزاً رائداً للعلوم التطبيقية، والابتكارات التكنولوجية، واحتضان المشاريع، وريادة الأعمال. ويهدف عدد من مشاريعها إلى تطوير وقود أكثر نظافة وكفاءة، مع التركيز في الوقت ذاته على اكتشاف سبل جديدة لإنتاج الطاقة.
ويعمل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة على إجراء وتنسيق بحوث طويلة المدى في مختلف التخصصات تلبي الأولويات الوطنية الملحة فيما يتعلق بالأمن المائي والطاقة والبيئة.
كأس العالم FIFA قطر 2022™
تشكل الاستدامة محوراً رئيسياً لكأس العالم FIFA قطر 2022، وتلتزم دولة قطر بإرساء إرث مستدام في عدد من المجالات الرئيسية كالبنى التحتية، والبيئة، والتنمية الاجتماعية، وريادة الأعمال. وتشكل الاستدامة واستخدام المواقع والتجهيزات بعد انتهاء البطولة اعتبارات أساسية في تصميم الملاعب الخاصة بكأس العالم FIFA قطر 2022 والمناطق المحيطة بها.
بهذه الطريقة، ستخدم الملاعب الثمانية التي ستستضيف المباريات المجتمع المحلي أو دولاً أخرى بطرق مختلفة بعد انتهاء الحدث. ويمتاز عدد من الملاعب بالتصميم المركب الذي يسمح بتفكيك المقاعد الإضافية بعد انتهاء كأس العالم 2022، بما في ذلك استاد رأس أبو عبود، أول ملعب لكأس العالم يمكن تفكيكه بالكامل. كما تم تصميم الملاعب بشكل يضمن استهلاكاً أقل للطاقة بنسبة 30% وللمياه بنسبة 40% خلال الاستخدام.
دولة قطر والطاقة
بصفتها من أبرز مصدري الغاز الطبيعي المسال – أحد أكثر أنواع الوقود نظافة في العالم – تساعد دولة قطر الدول الأخرى على تلبية احتياجاتها من الطاقة مع تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن استخدام الفحم.
في شهر يناير 2021، أطلقت شركة ”قطر للطاقة“ استراتيجيتها الجديدة للاستدامة التي يتجلى فيها التزامها وشعورها الكبير بالمسؤولية بصفتها من أكبر منتجي الطاقة. وتحدد الاستراتيجية الجديدة عدداً من الأهداف التي تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس، وتشمل خطة تهدف إلى تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25% بحلول عام 2030.
أطلقت دولة قطر محطة أم الحول للطاقة، أحد أكبر محطات تحلية المياه وإنتاج الطاقة في المنطقة. وتحرص المحطة على الحد من التلوث وحماية البيئة، وتدير أنشطتها بصورة صديقة للبيئة على المستويات كافة.
وفي شهر يناير 2020، أعلنت دولة قطر عن محطة الخرسعة – أول محطة كبرى لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. وستؤمن المحطة الطاقة المستدامة والنظيفة بتكلفة معقولة للمواطنين القطريين والشركات القطرية.