القرة داغي: المتسببون في خسائر الأمطار مفسدون في الأرض

alarab
محليات 28 نوفمبر 2015 , 12:53ص
الدوحة - العرب
علق الشيخ د. علي محيي الدين القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على تداعيات تأثير الأمطار على بعض المباني والمنشآت.

وقال إن الحفاظ على هذا البلد مسؤوليتنا جميعا، مواطنين ومقيمين، مؤكداً أن الشرع لا يفرق في المسؤولية وإحقاق الحق وإبطال الباطل والحفاظ على موارد الدولة. وأكد أن الاعتداء على أموال الدولة أشد من الاعتداء على أموال الفرد، موضحا أن الدول لكل الناس. وأشاد القرة داغي بموقف رئيس الحكومة، بإحالة المتسببين في خسائر الأمطار للتحقيق. وقال: «جزى الله الحكومة ورئيس الحكومة على إحالة المقصرين والمهملين للتحقيق».

وتمنى ألا يقف الأمر عند الإحالة للتحقيق، مطالبا بمحاسبة المقصرين حسابا شاملا، معتبرا ما حدث من تقصر «فساد في الأرض بكل ما تعني الكلمة».

وبيَّن خطأ ما يشاع بين الناس من أن أموال الدولة كلأ مباح، وقال: «هذا غير صحيح، ولا يجوز، فأموال الدولة للجميع، ويجب المحافظة عليها، وأن نكون مراقبين ومساندين للإصلاح ولرقي بلدنا».

وذكر في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس -بجامع عائشة بفريق كليب- أن الذين يعيشون في هذا البلد لهم حقوق وعليهم واجبات.

ودعا فضيلته لأداء الأمانة حتى ننهض ببلدنا، وحتى نساعد القيادة في رقي هذا البلاد، ليصبح متميزا بأعماله وأنشطته وبمواقفه الطيبة.

وأشاد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالجهود القطرية للمصالحة بين إخواننا الليبيين، وما سبقها من جهود للإصلاح بين الأشقاء في لبنان والسودان.

وتحدث د. القرة داغي عن أوضاع العالم الإسلامي، فقال إنها تزداد سوءاً في المنطقة، ما عدا دول الخليج.

وعلق على ما حدث بين تركيا وروسيا قائلا: يراد جر تركيا المستقرة إلى الفوضى الخلاقة ليستفيد منها المشروع الصهيوني والإقليمي الخطير، الذي يتمدد على حسابنا، لافتا إلى أن هذه المشاكل تحدث لإبقاء الظالم بشار الأسد على كرسيه، مشيراً إلى أن عواقب بقائه تمثلت في أكثر من 440 ألف شهيد وقتيل، وحوالي مليون 700 ألف جريح و10 ملايين سوري مهاجر.

ونصح بالتضرع إلى الله بالدعاء لنصر الإسلام، وحفظ المسلمين.

الأمانة
وذكر القرة داغي في خطبة أمس، أن الله عز وجل خلق الإنسان على أحسن التقويم، وميّزه بصفات لا توجد في غيره، حيث خلقه الله بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأعطاه الإرادة والعقل والاختيار، ثم انزل الله عليه الكتب والرسالات، وأرسل من بني البشر الرسل والأنبياء، حتى يكون الإنسان حافظاً لأماناته ومؤدياً لها.

وأشار إلى عِظم الأمانة وأهميتها، حيث أشفقت منها الأرض والسماوات والجبال وحملها الإنسان (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).

وقال إن حمل الإنسان للأمانة يجعله عادلاً، ويجعله عالماً، لتحقيق مهمة الاستخلاف التي أناطها الله سبحانه وتعالى بالإنسان (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، مبينا أن من أهم مقومات الاستخلاف والحضارة والتعمير حفظ الأمانات، ومشددا على أن أي أمة لا تستطيع الحفاظ على الأمانات لن تكون قادرة على تحقيق الاستخلاف، وتحقيق وأداء الرسالة التي حمَّلَها الله للإنسان.

جميع الأمانات
وقال فضيلته: إن الأمانة التي ذكرها القرآن الكريم تشمل جميع ما أؤتمن عليه الإنسان من حقوق الله، ومن حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم وحقوق الإسلام بالتبليغ والدعوة وحمله بالصورة المشرفة المشرقة، ومن حمل الأمانة نحو الوالدين، وحمل الأمانة نحو المسلمين والبشر أجمعين، وتتسع لحمل الأمانة نحو الحيوان والبيئة وهذا الكون.

الأمانة الشاملة
ورأى أن أي مساس بهذه الأمانة سيكون خيانة، والخيانة عقوبتها عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان أعظم وصف للرسول بأنه الصادق الأمين، ولمّا بُلّغ بالرسالة دعا إلى التوحيد وإلى حفظ الأمانة معاً، لأن توحيد الله هو أهم حق علينا نحو الله، وأكد د. القرة داغي أن الأمانات من أهم الحقوق التي كلف الله الإنسان المسلم بحملها وأدائها.

ونبَّه على أن طريق الجنة مشروط فيه أن يكون محافظا على الأمانات وعلى العهود (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ) ثم (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وفي سورة المؤمنون جعل الله الحفاظ على الأمانات والعهود من أهم شروط الفلاح في الدنيا والآخرة، حيث قال عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ). ثم قال بعد ذلك: (الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) فالرعاية تأتي بعد الحفاظ، وتأتي بعد الحمل، حيث يتحمل الإنسان الأمانة ثم بعد ذلك يحافظ عليها، ثم يوجب الله عليه ليس الحفظ فقط وإنما المراعاة، فكما يحافظ الإنسان على نفسه وعلى ماله وعلى كل الأمانات بكل ما تعني هذه الكلمة.

الخيانة مخالفة للإيمان
وأوضح الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الأمانة تقابلها الخيانة، وهي ضد الإيمان الكامل، وهي مخالفة ومتناقضة مع منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستشهد د. القرة داغي بحديث صحيح رواه الإمام مسلم وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ «من غش فليس مني»، وفي رواية «من غشنا فليس منا»، وفي رواية «ليس منا من غشنا».

وعلق القرة داغي على الحديث قائلا: من يغش ليس متبعا لمنهج الرسول، وليس من أتباعه الحقيقيين، ولا يستحق أن يكون من أتباع النبي ولا يستحق أن يشرب من يديه المباركة في الجنة شربة ماء من نهر الكوثر.

وأشار إلى ما جاء في حديث صحيح أن أناسا مسلمين يذهبون يوم القيامة إلى النبي عند حوض الكوثر، فيردهم الرسول ولا يسقيهم، رغم أنهم مسلمون مؤمنون لكنهم غاشون خائنون، وأضروا بالناس ولم يسيروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم.

الغش والحقوق
وذكر فضيلته أن الغش يشمل حقوق الله وحقوق الرسول وحقوق العباد.

وتحدث عن الغش في حقوق العباد، موضحا أنه موجب لغضب الله تعالى، وقال إن من آثاره دناءة النفس والبعد عن الله، وحرمان إجابة الدعاء، وهو دليل على نقص الإيمان وضعفه وسبب لتسليط الأعداء.

وقال الأمين العام لاتحاد العلماء إن الغش يشمل كل ما اؤتمنت عليه، فإذا كنت حاكما فأمانتك أن تبذل كل جهدك في خدمة شعبك، وإذا كنت وزيرا فيجب عليك أن تتخلى من حظوظ نفسك وتعمل لأجل ما اؤتمنت عليه، وألا تستغل وظيفتك أو جاهك لأجل المزيد من الثراء، وأن تراقب ولا تفرط بين شخص وآخر، وإذا كنت مديرا أو مسؤولا ولو على شخص واحد فأنت راع والكل مسؤول عن رعيته، فقد ورد في حديث صحيح (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) وأفاد بأن كل الناس داخلون في هذا المجال: كل من يموت وهو غاش لرعيته، يُحَرِّم الله عليه الجنة.

لا صلاة لغشاش
وتساءل الشيخ القرة داغي: هل تظنون أن هؤلاء الذين يغشون ويأكلون أموال الناس بالباطل ويستغلون وظائفهم الكبيرة أو الصغيرة أو يغضون الطرف ولا يؤدون الأمانات تنفعهم صلاتهم؟!
وأجاب قائلا: إن صلاتهم لن تنفهم إلا إذا تابوا إلى الله وأدوا الحقوق في الدنيا، مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم بـ»المفلس»، الذي يصلي ويصوم ويحج ويزكي، ولكن ضرب هذا وأكل مال هذا وفعل كذا.

حال المسلمين
وأبدى الشيخ القرة داغي أسفه لأن المسلمين اليوم في معظمهم لا يسيرون على منهج الله تعالى في الأخلاقيات، موضحا أن الدين المعاملة، والدين لإصلاحنا (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) والزكاة تزيكة لقلوبنا والصيام لتحقيق التقوى.

وأكد أن الإسلام ليس الإسلام مجرد صلاة وصيام رغم أهميتهما، وقال: الصلاة والصيام هدفهما ربطنا بالله لنخافه عز وجل.

وذكر القرة داغي أن المسلم قوي الإيمان حينما تُقدَّم إليه الأموال والهدايا لتسهيل أعمال، أو للتغاضي عن خطأ، يرفضها، ويقول معاذ الله، عندها تكون التقوى ويكون الإنسان في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

كشف الغشاشين
واعتبر قول رب العالمين (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) فيه عدم تفرقة بين خيانة الأمانة لله ولرسوله وخيانة الأمانة لأموال الناس ولوظائف الناس ومسؤوليتهم.

خسائر الأمطار
وعلق القرة داغي على موقف الذين تسببوا في خسائر المباني والمنشآت بعد سقوط الأمطار قائلا: لقد أراد الله أن يكشف هؤلاء الغاشين من خلال مطر الخير، فمطر الخير فضح هؤلاء جميعاً، وهم أضروا بالبلاد والعباد إضرار كبيرا، ولا يجوز أن يحاسب هؤلاء شرعا على مجرد أعمالهم فقط، بل يحاسبوا على ما تضررت به سمعة الدولة وعلى ما تضرر به 300 طالب وطالبة طوال 14 ساعة.

وأبدى دهشته من تضرر بعض المباني الجديدة والجسور والشوارع، نتيجة سقوط أمطار لمدة ساعة و20 دقيقة!

وأشار إلى أن الأمطار هددت البيوت، المجاري كادت تنسد وتنتهي.

وتساءل: أهذا هو الإيمان! والوطنية! أهذا هو واجب الإنسانية.

وأشاد القرة داغي بموقف رئيس الحكومة، حيث أمر بإحالة المتسببين في خسائر الأمطار للتحقيق.
وقال: «جزى الله خيرا الحكومة ورئيس الحكومة على إحالة المقصرين والمهملين للتحقيق».
وتمنى ألا يقف الأمر عند الإحالة للتحقيق، مطالبا بمحاسبة المقصرين حسابا شاملا، معتبرا ما حدث من تقصير «فسادا في الأرض بكل ما تعني الكلمة».

عقوبة الغاش
وأجاب فضيلته عن تساؤل مهم هو: لماذا لم يحدد الله سبحانه وتعالى عقوبة الغاش؟
وقال: نحن نعرف أن القصاص عقوبة القتل، بينما في الغش الأمر يختلف بحسب الجريمة، فقد تكون عقوبة الغش التغريم فقط، وقد يدخل الغش في الفساد في الأرض ويستوجب الإعدام، مبينا أن العقوبة تكون بمقدار الضرر الذي أصاب الفرد والأمة.

وقال القرة داغي: يجب أن نحارب الغشاشين، ومن عاونهم وساعدهم فهؤلاء مفسدون في الأرض وهؤلاء ليسوا وحدهم المسؤولين، بل مسؤولون أمام الله، فيجب أن تقام المحاكم لمعاقبة هؤلاء جميعا».

وطالب القرة داغي بتدريس الجوانب الأخلاقية والقانونية والإسلامية في المدارس، وتعليم الطلاب حرمة الغش وكيفية التعامل مع الآخرين، وحفظ حقوقهم.

واعتبر التوعية الدينية والثقافة الدينية الوسطية المعتدلة أفضل وسيلة لمحاربة الغشاشين والمقصرين.

وشدد على أن نهضة الدول لا تتم بالمجاملات، ولا تبنى بالخيانة والغش والمحاباة، مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وقال: هذا هو المطلوب.