صحف عربية: برلمان مصر بلا معارضة وطنية

alarab
حول العالم 28 نوفمبر 2015 , 12:28ص
اهتمت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي بالحديث عن الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المصرية, مؤكدة أن ضعف الإقبال وعزوف الشباب عن المشاركة هو نتاج لسياسة النظام المصري سواء السياسي أو الاقتصادي.

وقالت بعض الصحف إن هذه الحالة تعيد إلى الأذهان الانتخابات التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي كانت في عهد المخلوع مبارك, مؤكدة أن الانتخابات البرلمانية خضعت لسطوة رأس المال والمصالح.

وفي ذات السياق رأت بعض الصحف أيضاً أن البرلمان الجديد لن يخلو من دور معارض للحكومة ولكن المعارضة بالطبع سوف تكون «ذرا للرماد في العيون» وأن هذا لن يرتقي أبدا إلى مستوى المعارضة الوطنية الحقيقية التي تجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار, وتنتصر لمبادئ الثورة وأهدافها, وهذا أكثر ما تحتاج مصر إليه حاليا.

ففي هذا الشأن قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها لقد اختتمت مؤخرا الجولة الأولى من المرحلة الثانية في الانتخابات البرلمانية المصرية وسط حرب غير مسبوقة داخل «معسكر النظام»، إثر اتهام من زعيمة قائمة «التحالف الجمهوري» لزعيم قائمة «في حب مصر» بعقد صفقة سرية للحصول على أصوات الإخوان في الخارج مقابل ثمن سياسي، وهو ما نفاه الأخير بشدة.

وأضافت لقد وصل التلاسن إلى تبادل اتهامات بـ «الخيانة العظمى» و «الرغبة الجنونية» في الحصول على مقاعد البرلمان عبر هذه «المهزلة الانتخابية» حسب تعبيراتهم.

وكان هذا الانشقاق مفاجئا لكثيرين ليس فقط لأن القائمتين من أشد المؤيدين للنظام، بل إنهما يضمان كذلك قيادات سابقة في جهاز المخابرات العامة.

وأضافت القدس تعد هذه الحرب بين الجانبين الانشقاق الأخطر داخل معسكر «الثلاثين من يونيو» بالنظر إلى خطورة الاتهامات، وأسماء الأشخاص والأجهزة الأمنية التي يفترض أنهم «يحظون برضاها» على أقل تقدير.

وشددت الصحيفة على أن اللافت أنه بعيدا عن هذه «المهزلة» كما سماها أحد الطرفين المتنازعين، لم يسمع المصريون طوال هذه الانتخابات سجالا سياسيا حقيقيا سواء بين الأحزاب أو القوائم أو المرشحين الفرديين موضوعه هموم الوطن وأزمات المواطنين التي يصعب حصرها في هذه العجالة، إذ تركزت الحملة الانتخابية على شراء الأصوات بل والمرشحين أيضا. وعلى سبيل المثال لا الحصر تبادلت أحزاب مثل «المصريين الأحرار» بزعامة رجل الأعمال نجيب ساويرس و «الوفد» بزعامة رجل الأعمال السيد البدوي اتهامات بالسعي لـ «سرقة» مرشحين ذوي خبرة وشعبية من الآخر عبر عروض تمويلية مغرية.

وتابعت القدس أما الخلاصة التي سيخرج بها المواطن المصري بوعيه الفطري أمام اتهامات كهذه وملاسنات بين مؤيدي النظام، أن الانتخابات ليست سوى صراعات على مصالح ضيقة تخص أصحابها، ولا تخص الوطن، ما يفسر استمرار ضعف التصويت، والارتفاع غير المسبوق في بورصة شراء الأصوات بعد أن قرر النظام عدم التدخل المباشر في «المعركة».

وتابعت أنه مع شبه الغياب المتوقع لممثلين عن ثورة الخامس والعشرين من يناير في البرلمان الجديد، تتكرس تدريجيا ملامحه التي لا يمكن أن تعبر عن الشعب المصري: كتلة كبيرة من الفلول سواء كأفراد أو منضوين تحت لواء حزب أو قائمة، تبدو على السطح متفقة على دعم النظام، لكنها في الحقيقة تخوض «حربا أهلية» على تحقيق مصالح مختصرة بالاستفادة من النظام بالنيابة عن «أباطرة» من رجال الأعمال، وأصوات وطنية متفرقة ستحاول دق ناقوس الخطر، وأحزاب لن تتورع عن استخدام نوابها في ابتزاز النظام.

وتابعت أنه وسط هذه «الحرب الأهلية» تحت القبة بين كتل وأفراد وأحزاب تريد أن تكون ممثلة رسمية للنظام بأي ثمن، يفترض أن يقوم نواب البرلمان بمراقبة الحكومة، ومراجعة تشريعات مصيرية، والقيام لأول مرة ببعض صلاحيات رئيس الجمهورية، حسب الدستور الجديد، ومنها ترشيح رئيس الوزراء.

واختتمت القدس افتتاحيتها بقولها إنه مع انتهاء الانتخابات النيابية بإجراء جولة الإعادة المقررة خلال الفترة المقبلة، ستكون الكرة في ملعب الرئيس السيسي عندما يحين الوقت ليعين ثمانية وعشرين نائبا حسبما ينص الدستور.

وتساءلت هل سيختار شخصيات وطنية تحقق حدا أدنى من المصداقية والتنوع للبرلمان، أم سيترك هذه «الجوقة العشوائية» تعزف منفردة في هذا التوقيت الحرج لمصر والنظام نفسه، وفي استفزاز إضافي لكرامة المصريين وتضحياتهم أيضا؟

أما صحيفة الأهرام المصرية فكان لها رأي آخر, حيث قالت إن مصر تستطيع أن توجه رسالة للعالم أجمع، مفادها أن خريطة المستقبل قد اكتملت بمراحلها الثلاث لتنتهي بذلك أقوال ومزاعم المشككين، فقد أكمل الشعب وضع دستور البلاد وانتخاب رئيس مصر وأخيرا اختيار نواب البرلمان الجديد، لتبدأ مرحلة المهام الصعبة لمجلس النواب الذي يدشن أعماله بالتصديق على القوانين والقرارات الجمهورية التي اتخذت حتى وقتنا الراهن.

وتابعت لقد راهن الشعب على قيادته ليضرب المشككين، فكانت النتيجة حاسمة حتى وإن لم تكن نسبة المشاركة في التصويت في مرحلتي الانتخابات بالمستوى المأمول، نظرا لغياب وعي المشاركة المجتمعية في الانتخابات وهي آفة قديمة، وعلى المصريين أن يتغلبوا عليها لتكون اختياراتهم للنواب عن بصيرة ومعرفة بما يقدمه النائب للدائرة ومصر معا، وليس بما يمنحه للبعض من خبز وقليل من المال لاختياره، لتكون النتيجة حالكة وهو ما تشهد به برلمانات مصر السابقة، حيث لم يكن مستوى النواب فوق الشبهات في بعض المجالس الماضية.

وأضافت قد نشير هنا إلى معضلة في كل استحقاق انتخابي في مصر، وهو تراجع مشاركة الشباب في إبداء موقفه، وهو بهذا يرفض تحمل نصيبه من مشروعات قوانين المستقبل.

وتابعت أن هناك اقتراحا بأن يحظى المشاركون بأولوية في مشروعات التوظيف والحصول على مساكن وجميع الحقوق والبرامج الموجهة للشباب. وبهذا نستطيع توجيه طاقة هؤلاء إلى ممارسة حقيقية لحقوقهم الانتخابية وعدم التقاعس عنها، فمن خلال عملية رصد بسيطة لما جرى في جولتي الانتخابات، يمكن ملاحظة أن كبار السن وبينهم عدد كبير من السيدات هم الذين يتصدرون المشهد الانتخابي، ولكم حظيت صور ذوي الاحتياجات الخاصة بأهمية إعلامية وقت تصويتهم ربما لتحفيز الشباب على المشاركة ولكن من المؤسف القول إن المعنى لم يصل بعد للشباب.

واختتمت الأهرام افتتاحيتها بقولها أخيرا، فإن مجلس النواب وهو يدشن أعماله بالتصديق على القوانين الصادرة خلال الفترة الماضية، أمامه مهمة أخرى لا تقل أهمية عن هذا، وتتركز في إقرار برنامج الحكومة الذي يجوز له وفقا للدستور رفض البرنامج، وبالتالي تشكل الأغلبية البرلمانية حكومة جديدة.

وتحت عنوان «السيسي والبرلمان الجديد شراكة أم صدام؟ أم محاصصة؟» يقول الكاتب محمد عبدالصادق في إحدى مقالاته بصحيفة الوطن العمانية إن البعض يبرر انحياز لجنة الخمسين للنظام البرلماني عوضاً عن النظام الرئاسي الذي حكم مصر طيلة 60 عاماً, للظروف العصيبة التي تم خلالها كتابة الدستور بعد تجربتين مريرتين وثورتين أطاحتا برئيسين: حسني مبارك الذي جمع في يده صلاحيات واسعة مكنته من الجلوس على كرسي الحكم 30 عاماً رغم الفساد والفشل السياسي والاقتصادي والإداري وشبهة التوريث التي طاردته في أواخر أيامه وانتهى الأمر بالثورة عليه في الـ25 من يناير، ومحمد مرسي.

وأضاف الكاتب أنه كلما سُئل أحد النواب الناجحين في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً في مصر عن الملفات ذات الأولوية التي يريد فتحها تحت قبة المجلس, جاءت إجابته حاضرة: وتابع: تعديل مواد الدستور المتعلقة بصلاحيات الرئيس, والتي تعطي صلاحيات واسعة لمجلس النواب على حساب سلطات رئيس الجمهورية, ويضربون مثلاً بالمادة التي تجيز لمجلس النواب سحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب موقع من غالبية أعضاء البرلمان وموافقة ثلثي الأعضاء, وهو ما يعني -حسب رأي معظم الأعضاء- أن بإمكان عدد من النواب أو الأحزاب التكتل داخل المجلس والإطاحة بالرئيس لأي سبب من الأسباب.

وأضاف لقد أكد معظم النواب الرافضين للصلاحيات التي منحها لهم الدستور -حباً وإيثاراً للرئيس- اعتراضهم على المادة التي تعطي للبرلمان الحق في توجيه تهمة الخيانة العظمى ومخالفة أحكام الدستور لرئيس الجمهورية, وتتيح للمجلس في هذه الحالة بعد موافقة أغلبية أعضائه وقف رئيس الجمهورية عن العمل ومحاكمته أمام محكمة خاصة, كما استنكر النواب أن ينتزع الدستور من الرئيس سلطة سحب الثقة من رئيس الوزراء أو الوزراء ويعطيها للبرلمان, مما يترتب عليه -لا قدر الله- الإطاحة بالحكومة التي أتى بها سيادة الرئيس دون رضا البرلمان, وعلى رئيس الجمهورية في هذه الحالة تكليف رئيس وزراء آخر بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب, فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أعضاء مجلس النواب خلال 30 يوماً على الأكثر, يكلف رئيس الجمهورية رئيساً للوزراء من الحزب الحائز على أكثرية مقاعد البرلمان, فإذا لم تحصل حكومته على ثقة المجلس, يصبح المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخابات برلمانية جديدة خلال 60 يوماً من صدور قرار الحل.

وتابع الكاتب لقد تصاعدت هوجة صلاحيات الرئيس في الدستور, عقب إفصاح السيسي عن توجسه من تلك المواد في معرض حديثه عن اليد المرتعشة التي تعيق الأداء الحكومي في الوزارات والمحافظات والهيئات الحكومية, وأشار إلى أن الدستور «كُتب بنوايا حسنة, والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة». وبمجرد نطق السيسي لتلك العبارة, انطلقت حملة من الإعلام الحكومي والخاص المؤيد للسيسي تحذر من خطورة وجود مثل هذه الصلاحيات في يد البرلمان, ودعوا لضرورة تعديل هذه المواد وحذفها من الدستور في أول جلسة انعقاد للبرلمان الجديد, وفي المقابل خرج عدد من أعضاء لجنة الخمسين التي صاغت الدستور للدفاع عن الدستور ومواده, بعضهم طالب بالتريث حتى يتم تطبيق مواد الدستور أولاً ومن خلال الممارسة يمكن لمجلس النواب تعديل المواد التي يتبين عوارها, خصوصاً ومعظم مواد الدستور المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم لم يتم تطبيقها حتى الآن بسبب عدم اكتمال مؤسسات الدولة والأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر منذ أحداث الـ25 من يناير 2011م.

وأضاف لقد أصدر السيسي مئات القوانين والتشريعات منذ تولي مقاليد الحكم, حيث أعطى الدستور المصري للرئيس سلطة التشريع في غياب البرلمان, ويرى المعارضون أن بعض هذه القوانين والتشريعات لم تكن ملحة وكان يمكنها الانتظار حتى انعقاد مجلس النواب, بينما يرى الكارهون للسيسي أنه لا يريد برلماناً نهائياً أو بالكثير برلماناً صورياً لا يستطيع رقابة الحكومة أو سن القوانين ويتهمونه بإصدار قوانين معيبة مثل قانون الانتخابات الذي قلص فرص الشباب والأحزاب الجديدة التي نشأت بعد الـ25 من يناير في دخول البرلمان، وأفسح المجال للنخب القديمة «فلول مبارك والحزب الوطني» للعودة من جديد للبرلمان والسيطرة على الحياة السياسية.

كما شدد الكاتب في نهاية مقالته على أن مصر في حاجة ماسة لإفساح المجال لممارسة سياسية حقيقية، تفرز جيلاً جديداً يطرح رؤى ويقدم حلولا وتجارب مختلفة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها بطرق مبتكرة بعيداً عن البيروقراطية وفكر الموظفين, وأثبتت التجارب أن مصر تحتاج لرئيس له رؤية سياسية.