لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023 عن استهداف المدنيين في قطاع غزة، غير أن الصحفيين الفلسطينيين كانوا على الدوام بدائرة النار، في مشهد يُظهر سياسة ممنهجة لإسكات الكلمة الحرة وطمس الحقيقة.
وجاءت مجزرة مجمع ناصر الطبي في خان يونس، التي أسفرت عن استشهاد خمسة صحفيين يوم الاثنين الماضي، لتضاف إلى سجل دام، بلغ حتى الآن استشهاد 247 صحفيا، وفق بيانات المكتب الحكومي في غزة.
والجريمة التي وقعت أمام عدسات الكاميرات، وعلى الهواء مباشرة فجرت موجة غضب عالمية، واعتبرها صحفيون فلسطينيون إعلانا صريحا بأن الاحتلال لا يكتفي بقتل الأفراد، بل يستهدف الحقيقة نفسها ومن ينقلها.
وكان الوسط الإعلامي في قطاع غزة قد فقد يوم الاثنين الماضي في هذه الحادثة بمجمع ناصر الطبي في خان يونس صحفيين مهنيين محترفين يعملون بوسائل إعلامية عالمية، منهم المصورون: معاذ أبو طه، ومحمد سلامة من قناة الجزيرة، وحسام المصري المصور بوكالة رويترز، والصحفية مريم أبو دقة التي تعمل لصالح وكالة أسوشيتد برس، وأحمد أبو عزيز الصحفي في موقع "ميدل إيست آي"، في جريمة موحشة كشفت حجم الاستهداف المتعمد للإعلام والصحفيين في غزة.
كما شهد العاشر من أغسطس الحالي استشهاد ستة صحفيين، في غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى الشفاء، خمسة منهم يعملون مع قناة الجزيرة؛ أبرزهم المراسل أنس الشريف الذي كان بصحبة زميله محمد قريقع، والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل، في خيمة الصحفيين التي تم استهدافها بشكل مباشر، وهي الحادثة التي أدانها أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، ودعا إثرها إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه بشأنها.
وأدانت دولة قطر قصف الاحتلال الإسرائيلي مجمع ناصر الطبي في خان يونس، وعدته حلقة جديدة في سلسلة الجرائم الشنيعة المستمرة التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وانتهاكا سافرا للقانون الدولي.
وأكدت وزارة الخارجية القطرية، في بيان لها، أن نهج الاحتلال في استهداف الصحفيين والعاملين في المجالين الإغاثي والطبي يتطلب تحركا دوليا عاجلا وحاسما لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، وضمان عدم إفلات مرتكبي هذه الفظائع من العقاب، كما جددت الوزارة التأكيد على الحاجة الماسة للتضامن العالمي من أجل إنهاء حرب الإبادة الجماعية الوحشية على قطاع غزة، ومعالجة الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع، والمضي قدما نحو تحقيق السلام العادل المستدام في المنطقة، الذي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي السياق، أثار سلوك جيش الكيان الإسرائيلي الاستمرار في استهداف الأطقم الصحفية بغزة غضب الضمير العالمي، حيث أدانت جهات عدة العملية، ودعت لمحاسبة إسرائيل على جرائمها التي تستهدف القطاع الصحفي الذي ينقل حقائق ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، حيث أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن استشهاد الصحفيين في قطاع غزة ينبغي أن يصدم العالم ويدفعه إلى التحرك من أجل المطالبة بالمساءلة والعدالة، وليس إلى الصمت.
وبدوره، لفت ثمين الخيطان، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إلى أن توثيق الهجمات على الصحفيين تشير لارتفاع وتيرة استهداف الصحفيين بشكل متسارع ومخيف منذ بداية الصراع، وقال إن هؤلاء الصحفيين "هم عيون وآذان العالم بأسره، وينبغي أن تتم حمايتهم".
وفي الاتجاه ذاته، أعربت رابطة العالم الإسلامي عن إدانتها بأشد العبارات قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع ناصر الطبي واستهداف الأطقم المدنية، كما أدان اتحاد إذاعات الدول العربية استهداف الاحتلال الإسرائيلي الطواقم الطبية والإغاثية والإعلامية في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، ودعا الاتحاد، في بيان له، المجتمع الدولي إلى التحرك لإيقاف استهداف الاحتلال للطواقم الإعلامية.
وحول المنعطف الذي تمر به القضية الفلسطينية واستهداف الصحفيين بغزة، قال السيد سعد الرميحي رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر من عام 2023، مثلت منعطفا تاريخيا في مسيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث وقف شعب غزة وحيدا في مواجهة هذا العدوان الغاشم الذي لم يفرق بين البشر والحجر.
وأضاف أن الشعب الفلسطيني سجل ملحمة بطولية ستخلد في التاريخ، فها هي السنة الثانية تكاد تنقضي والصراع ونضال أهل غزة ما زال مستمرا، رغم عدم تكافؤ ميزان القوى بين الطرفين.
وفيما يتعلق بهدف الكيان الإسرائيلي من استمرار العدوان على القطاع المدمر، ذكر أنه "كما هو معلوم في الحروب والأحداث الكبيرة، لا يمكن للناس أن يتعرفوا على الحقائق وما يجري على الأرض وسير المعارك، إلا من خلال أهل الصحافة والإعلام الذين يتولون إيصال المعلومات للناس، وهم الجنود المجهولون الذين يقفون بشجاعة، لنرى ونسمع ونقرأ أخبار هذه الأحداث، ونتعرف على الواقع وما يجري؛ لذا عمد الاحتلال الإسرائيلي على إسكات هذه الأصوات ما دامت تنقل للعالم الصورة الحقيقية والمآسي التي يتعرض لها أهل غزة، فلن يتمكن الاحتلال من تحقيق ذلك إلا بأبشع الانتهاكات وأقصاها من خلال التصفية الجسدية مع الأسف لهؤلاء الصحفيين العظام".
وأضاف أن الاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين الفلسطينيين تكشف بوضوح إصرار إسرائيل على فرض روايتها الإعلامية الأحادية، بما يتناقض مع حقيقة ما يجري على أرض الواقع.
وأكد رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، في تصريحاته لـ/قنا/، أنه وفي ظل تخاذل العالم وعجزه عن سن قوانين إلزامية لحماية الصحفيين والإعلاميين والدفاع عنهم ومواجهة الغطرسة الإسرائيلية، فإن الوضع يتطلب التحرك لحماية الصحفيين وبشكل عاجل، حتى لا يبقى الأمر مجرد حلم يصعب تحقيقه، فإسرائيل ماضية في غطرستها دون أن يكون هناك أي عقاب رادع لها من قبل الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بالشأن الإنساني والصحفي.
وشدّد على ضرورة استثمار موجة الغضب الدولي وعاصفة الانتقادات الموجهة للسياسة الإسرائيلية جراء استهدافها المستمر والمتعمد للمدنيين في قطاع غزة، ومن بينهم الصحفيون، مؤكدا أهمية توظيف المشاعر الإنسانية المتزايدة عالميا تجاه القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى.
وأشار إلى أن المظاهرات والاعتصامات التي عمّت العديد من دول العالم باتت تعكس هذا التضامن، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحولت ساحات الجامعات إلى منابر للدفاع عن غزة وأهلها.
وأوضح أن المركز القطري للصحافة سعى ولا يزال لدعم صمود أهل غزة بالكثير من المبادرات الإعلامية والندوات والمعارض ونشر الأخبار وغيرها من الوسائل، والتي نراها واجبا علينا ونحن نعيش أحداثها ونتابع أخبارها.
واختتم رئيس مجلس إدارة المركز القطري بالتأكيد على ضرورة الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، للخروج من دائرة الشجب والإدانة التي لا نملك سواها، مشددا على أنه يجب على المنظمات العالمية المختصة ممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني، بما يتيح له الحصول على أبسط حقوقه في العيش بأمان وحياة كريمة.
ومع كل عدوان إسرائيلي على العاملين بالقطاع الصحفي في غزة والأراضي الفلسطينية، تتجدد الدعوات من قبل كل الاتحادات الصحفية والهيئات الإعلامية والحقوقية والقانونية في العالم للإدانة الصريحة لهذه الجرائم المتكررة، مع ضرورة وضع حد لها، حتى لا تنجح إسرائيل في محاولات إسكات الصوت والصورة، ومنع نقل حقيقة الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني.