عيسى الملا ورحلة مع الحروفية وتوثيق التراث القطري

alarab
ثقافة وفنون 28 يوليو 2023 , 12:53ص
يرصدها: د. علي عفيفي علي غازي

تشكيلي وحروفي ينتمي إلى جيل الرواد والمبدعين من الحروفيين والتشكيليين القطريين، ولا يزال يواصل عطاءه، موظفًا مفردات الحروفية والتراث الشعبي القطري، الذي يهتم به كباحث، في أعماله الفنية، إذ إن له تجرية فريدة ومتميزة في توثيق التراث القطري، وذلك بإعادة تدوير قطعه وأدواته؛ ليستعيد من خلالها جوانب من حياة مجتمع حقبة الغوص على اللؤلؤ في قطر؛ كي يزرع حُب التراث في نفوس الناشئة، ويؤسس لذاكرة جمعية متخيلة لقيم وعادات هذا المجتمع لدى جيل الأبناء، إنه الحروفي والفنان التشكيلي عيسى عبد الرحمن الملا، المولود في عام 1955 بمدينة الدوحة، حيث قضى سنوات ربيع طفولته وريعان شبابه بمنطقة سوق واقف؛ بما تعبق به من رائحة الماضي، وبذكريات حقبة الغوص، وأسهمت نشأته في هذه البيئة التراثية في امتلاكه لأدوات فنية فريدة، كان لها الأثر الأكبر في توظيف ركائز الهوية القطرية، ومكونات التراث القطري، إذ تغلبُ على أعماله التجريدية؛ المستوحاة من التراث القطري، والحياة اليومية؛ ما يجعلها إضافة وإثراءً للحركة التشكيلية في قطر.

لوحات فريدة 
وتنعكس اهتمامات الملا بالحروفية والتراث الشعبي القطري خاصة، والخليجي عامة، في إنتاج لوحات فريدة تمزج بين مكونات ومفردات هذا التراث، وأدت إلى اهتمامه بالإكسسوارات التراثية، والديكور الشعبي للمقاهي، والملابس والمسرحيات، والأفلام الوثائقية؛ وأسهم في تأسيس ديكور عدد من الأفلام التسجيلية؛ كأفلام: المؤسس، ليلة القرنقعوه، دقت الساعة، عين الظلام، وغيرها. فالحروفية في فنون الملا ليست إلا صورة من صور التجريب الذي يمزج ما بين التشكيل والخط العربي، ليُنتج حالة جمالية تعمل على زيادة الألق في لوحاته؛ مُحققًا من خلالها ذائقة فنية للمتلقي، تجذبه إلى البحث في مكنونات لوحاته، وتولد في ذاته الفضول، الذي يدفعه لزيادة معرفته بالحرف والخط العربي، كما مزج الخط العربي في لوحاته بزخمها التشكيلي واللوني، ما أنتج إبهارًا بصريًا؛ يدرجه في إطار المدارس الفنية الحديثة؛ كالتجريدية والسوريالية والانطباعية وغيرها، وذلك لتوظيفه للحرف العربي بخصائصه الجمالية التعبيرية المتفردة؛ مقدمًا أعماله الفنية كمجدد ومبدع ومطور وصاحب مدرسة فنية ذات خصوصية، متخذًا من الحروفية ميدانًا جديدًا للتشكيل والإبداع والتعبير عن الأحاسيس والخواطر والأفكار والرؤى، فضلا عن الثقافة العربية الإسلامية، والتراث الشعبي القطري، مازجًا بين ذلك كله، وذلك باختياره الحروف المناسبة، والتي تحقق التجانس والترابط بين الكتلة والفراغ، عبر تداخل حروفي متناغم، وبعد تعتيق اللوحة باستخدام الألوان، يضيف بعض المواد والخامات، التي توجد حالة من التوازن في أعماله الفنية، التي تمزج ما بين الحروفية والتشكيل والتراث القطري؛ معبرًا عن الهوية القطرية في شكل حداثي يتواكب مع ما بعد العدمية.

بيئة تقليدية
وتأتي اهتمامات الملا التراثية، بالإضافة لنشأته في بيئة تقليدية، من أنه يعمل باحثا للتراث الشعبي القطري بلجنة البحوث والدراسات بالحي الثقافي (كتارا)، التي يرأسها علي شبيب المناعي، وباحثا ميدانيا في متاحف مشيرب، كما أنه عضو في مركز الفنون التشكيلية، والجمعية القطرية للفنون التشكيلية منذ عام 1980، وعضو مجلس إدارة مركز الإبداع الشعبي منذ عام 2011، ونظم معارض فردية، واشترك في الكثير من المعارض الجماعية، سواءً في قطر أو خارجها، وخاصة المعارض التي تقيمها الجمعية التشكيلية القطرية في المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا)، وجامعة قطر، ووزارة الثقافة، ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وشارك في معارض ومهرجانات وملتقيات في العديد من دول العالم، إذ إن له مشاركات في معارض جماعية في كل من: بنجلادش، لبنان، إيران، أوزبكستان، البحرين، فرنسا، وغيرها.

تجارب رائعة
يوضع الملا على رأس قائمة صانعي المكانة البارزة للفن القطري، إذ قدم تجارب فنية رائعة، وأسهم في تطوير الفن القطري، وأدخل الخط العربي (الحروفية) في رسوماته، التي تميل للمدارس: الواقعية، والتجريدية، والسريالية، وأخذ على عاتقه توظيف أركان التراث القطري في أعماله الفنية؛ لما يتصف به من عراقة وشموخ، وعلى الرغم من عدم معايشته لحقبة الغوص على اللؤلؤ، إلا أنه تأثر بها؛ نتيجة تأثره بالتراث، وحبه له، ولهذا فإنه حاضر في أعماله؛ ويهتم بالتراث بمختلف جوانبه، التراث الثقافي غير المادي، والتراث المادي كالملابس غير التقليدية، والألعاب الشعبية، والتراث البحري، وهو ما عبر عنه في أعماله الفنية، بتوظيف الأدوات المستعملة؛ واستغنى الناس عنها؛ كالحديد والخشب والقماش وغيرها؛ إذ نجح في استخدام القطع الصغيرة والكبيرة؛ ليُعيد استعمالها وتركيبها بشكلٍ جديد وجميل؛ ما يعطي لأعماله ملامح الفرادة، التي تتسم بها التجارب الفنية المعاصرة، فقد استمد من التراث القطري الثري روافد للاستلهام والتطوير والإبداع؛ مازجًا بينه وبين الحروفية وفنون الحداثة.

تفسير وتأويل
وتتميز أعماله بالسهولة واليُسر في الفهم والتفسير والتأويل، ولذا فإن المتلقي يُمكن له فهمها بسهولة وسرعة، خاصة إذا ما كانت تواكب ذوقه الفني، وتوقه إلى حب التراث، والأعمال ذات البعد الشعبي، مثل الدمى والمقاهي والملابس التقليدية، بالإضافة لما تثير فيه من عراقة الماضي، ليستحضره بكل ما يحمله من أصالة وعراقة، ولهذا تحمل لوحاته جوانب تراثية أكثر تفسيرًا عن غيرها من الأعمال الفنية، التي قد تحمل غموضًا.
وأخيرًا؛ لديه مشاركات في المهرجانات المحلية؛ كمهرجان كتارا للمحامل التقليدية، حيث يسهم بعرض إبداعاته الفنية التراثية والخطية والحروفية، وبالصور التي توثق وتؤرخ للتراث القطري المادي، وأسهم في رسم فرجان الدوحة في مجموعة من اللوحات، ونظم بها معرضًا لزوار قطر فترة نهائيات كأس العالم، فيفا قطر 2022، فأبدع خير إبداع، وأهله ذلك كله للحصول على العديد من الجوائز وشهادات التقدير؛ لإنتاجه المتميز تراثيًا وتشكيليًا.