د. المريخي: 90 موضعاً للصبر في القرآن

alarab
محليات 28 مارس 2015 , 02:52ص
نصح د. محمد بن حسن المريخي، بالصبر والمصابرة على الدين وعلى ما ينزل في الدنيا من بلاءات ومحن، داعياً للمرابطة على دين الله بذكره وشكره وحسن عبادته، مشيراً إلى أن الصبر ذكر في 90 موضعاً في القرآن الكريم.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس، بجامع عثمان بن عفان بالخور: إن الإنسان بطبيعته يحب التسهيل والتيسير والرفق والهين ويكره الصعب والعسر والشدة (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ). وأوضح أن الشدائد والصعاب والمحن تحمل في طياتها البشرى لمن صبر عليها واحتسب عند الله تعالى صبره ومثابرته، واصفا الصبر بأنه دثار هذا الدين ودرعه المتين، شاء الله سبحانه أن يبتلي أتباع هذا الإسلام ويصبروا ويرفع درجاتهم ومنازلهم.
وذكر أن المتتبع للشريعة الإسلامية يلمس عن قرب عناية الشريعة بالصبر والحث عليه وملازمته والتدرع به، ومواجهة الدنيا به والاستعانة بالله تعالى، ثم به على نوازلها ومصائبها، موضحا أن الصبر هو حبس النفس وربطها والأخذ بعنانها حتى لا تجزع ولا تغضب ولا تستعجل الأمور، فتفسد أكثر مما تصلح، وتضيع أكثر مما تكسب، وتهدم أكثر مما تبني، وهو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله ورسوله، وصبر عن معصيته سبحانه ورسوله، وصبر على أقداره المؤلمة وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين.
الصبر في القرآن
وأشار المريخي إلى أن الله عز وجل ذكر الصبر في القرآن الكريم في تسعين موضعاً لأهميته ومكانته في الإسلام، وقدمه مرتين على الصلاة في سورة البقرة فقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) واعتبره رسول الله أوسع العطاء وخير العطية فقال: (وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر) رواه البخاري ومسلم.
وبَشر المريخي بأن الله عز وجل وعد الصابرين وفاء أجرهم بغير حساب (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وأثنى عليهم (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ) وهم أهل العزيمة والثبات (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). ولفت إلى أنه بالصبر تنال الإمامة والمقام الرفيع والدرجات (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) وبه تنال الأماني وتبلغ الغايات (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) وبه ينال العلم النافع والعقيدة الصحيحة، ويعز الله تعالى وينصر الدعوة الصادقة والسبيل إلى الصراط المستقيم.

غاية الصالحين
وأوضح أن الصالحين والهداة والراشدين بلغوا منازلهم وغاياتهم بالصبر كما أمرهم الله تعالى، وما صبر عبدٌ مخلص لله عز وجل إلا بلغه، وما ابتلي أحد فصبر إلا كشف الله عنه بلاءه، وما قصد أحد وجه الله تعالى في عمل ما إلا أوصله ربه تبارك وتعالى وأعطاه مُناه، صبر يعقوب عليه السلام على فراق ولديه وتغييب إخوانهم لهم فلم ييأس، وظل صابراً محتسباً متوكلاً على ربه غير قانط من رحمته (يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فكافأه ربه بعودتهما سالمين، وجمع شمله مع أبنائه وجاؤوه معتذرين (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ). وأشار إلى صبر يوسف عليه السلام على كيد إخوانه وتحمل كيدهم وتغرّب في الدنيا بسبب مكرهم حتى جعله الله تعالى سيداً على خزائن الأرض، وجاءه إخوانه يتزودون الزاد فعرفهم وهم له منكرون (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) ثم عرفوه واعتذروا إليه مما فعلوه (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ).
ولفت إلى أن صبر أيوب عليه السلام على البلاء صبر صار مثلاً للصابرين عبر القرون وإلى يوم الدين، وأشاد الله تعالى بصبره ومنّ عليه بالعافية وكشف عنه ضره (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) حتى قال سبحانه (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ). وتحدث المريخي عن صبر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أذية مشركي العرب، موضحا كم تحمل من أذاهم وإهانتهم فقالوا عنه ساحر وكاهن ومجنون وكذاب فقال له ربه (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وقال له: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) وضعوا الشوك على باب داره ورموا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد يصلي تحت الكعبة وطردوا أصحابه وعذبوهم حتى مات بعضهم تحت العذاب، وفعلوا الأفاعيل، فصبر على البلاء كله حتى أظهره الله عليهم فنصره والذين جاؤوا أذلة صاغرين يوم فتح مكة فعفا عنهم وأطلق سراحهم ودعا الله تعالى لهم (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وشدد المريخي على أن أكرم الصبر وأرفعه الصبر على دين الله القويم، الصبر على عقيدته الصحيحة التي جاء بها رسول الله من عند ربه، خاصة في هذا الزمان الذي باع فيه البعض دينهم وتنازلوا عن عقيدتهم وقالوا كلمة الكفر، يقول لقمان لابنه عليهما السلام (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وقال تعالى لرسوله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
ووصف الصبر على دين الله القويم بأنه شرف يشرف الله تعالى به من يشاء من عباده المخلصين، وأن التهاون في العقيدة وتبديل المنهج والقول بما لا يرضاه الله تعالى في الفتوى أو الدعوة وهجر منهج القرآن والسنّة ومتابعة من شرقت بهم الأهواء وغربت أن هذا علامة على عدم استقرار العقيدة في النفوس والدين الحق.

صخرة للمجرمين
واعتبر الصبر على دين الله القويم صخرة يتعثر بها المجرمون الذين يريدون كيداً للمسلمين، يتعثرون على صخرة الصب فتتبعثر أوراقهم وتتفرق جهودهم وتذهب عقولهم ويرجعون خائبين.
وقال: إن الصبر على الإسلام ورفض استبدال معتقداته وعباداته ومرتكزاته يحطم سفن البغاة والمجرمين الذين يحسبون أن الرسّ على شواطئ العقيدة الإسلامية سهل يسير.
وأضاف أن سفن الأعداء بالأمس والأمس القريب تحطمت، وسوف تتحطم وتبقى محطمة إلى يوم يبعثون، فالدين الإسلامي بعقيدته السمحة وتشريعاته وعباداته كل ذلك محفوظ بإذن الله تعالى ورعايته ولن ينال منه أحد (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فأروا الله من أنفسكم خيراً معشر المسلمين، بالصبر على دينه القيم على منهج رسول الله، ولا تغرنكم تقلبات الكافرين والمتحولين والزائغين فإن للجنة أهلاً وللنار أهلاً، فكونوا من أهل الجنة الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون.
وذكر خطيب جامع عثمان بن عفان أن حال الأمة ووضع المسلمين من هجوم أعداء الله عليهم، وخيانة الخائنين وكثرة المنهزمين لا يواجه إلا بالصبر والثبات ومواجهة التحولات بالسنن المشروعات والعقائد الإسلامية الثابتات الراسخات. ودعا للاعتبار والاتعاظ بمن بدل النعم وخالف السنن وكيف آلَ حالهم وانتهى أمرهم (دمر الله عليهم) وبدل نعمته عليهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وفي ضيق وعسر وجوع وخوف يلهثون، وإن شر ما يهدم الصبر ويحبط العزائم ويضعف القوى هو القنوط من رحمة الله واليأس من الفرج والنظر إلى الأبواب المغلقة لن تفتح ولن تلين الصعاب.

صابروا
وختم المريخي بالإشارة إلى أن المصابرة درجة فوق الصبر يبلغها العبيد الصابرون الذين اعتنقوا الصبر وارتضوه لهم منهجاً وسلاحاً يتسلحون به دائماً، فإذا تمكن الصبر منهم بلغهم الله تعالى الاصطبار الدرجة الأعلى، وقد وردت ثلاث مرات في القرآن كلها في الصبر على الدين والطاعة والعبادة، بما يدري أن دين الله تعالى يحتاج صبرا ومثابرة وتحملا ومواظبة يقول تعالى (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) ويقول (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) حتى قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).