الاعتصام والركود قد يجهضان حلم ثورة تونس
حول العالم
28 يناير 2012 , 12:00ص
تونس - رويترز
متاجر ومصانع ومخابز مغلقة وطرق مسدودة في مدينة مكثر الواقعة على بعد 162 كيلومترا شمالي تونس العاصمة احتجاجا على تفشي البطالة. إضراب عام في مدينة نفزة الفقيرة بمحافظة باجة واحتجاجات واعتصامات شلت تصدير الفوسفات في منطقة الرديف جنوب البلاد.
هكذا بدت الأوضاع بعد عام من الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في مناطق عديدة اجتاحتها موجة اعتصامات وإغلاق للطرق وإضرابات مما ضاعف المصاعب الاقتصادية ودفع كثيرين للتحذير من اندلاع ثورة ثانية احتجاجا على البطالة والفقر.
هزت الثورة التونسية العالم العربي وامتد أثرها إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا في إطار ما يعرف بالربيع العربي.
وبعد 14 يناير تاريخ هروب بن علي أطلقت الحريات في تونس وأجريت أول انتخابات ديمقراطية وفازت بها حركة النهضة الإسلامية. لكن مظاهر الفقر والبطالة تفاقمت وزادت حدتها مما جعل مهمة الرئيس الجديد المنصف المرزوقي أشبه بمهمة معالجة طوفان هائل من الملفات العاجلة.
وبعد تقديرات سابقة بنمو %2 خلال 2011 قال وزير التنمية الجهوية والتخطيط جمال الغربي إن النمو الاقتصادي لعام 2011 كان سلبيا وبلغ -%8.1 وارتفعت معدلات البطالة إلى %18 مقارنة بـ%13 قبل عام.
وارتفع عدد العاطلين من نحو 550 ألف عاطل قبل عام إلى حوالي 850 ألفا الآن مما عقد المهمة أمام الحكومة في ظل تزايد المطالب الآنية بالتشغيل.
وفي مدينة الرديف الغنية بالفوسفات والواقعة جنوب البلاد أوقفت الاحتجاجات المستمرة منذ شهر نقل الفوسفات احتجاجا على ما اعتبر استمرارا لتهميش المنطقة وعدم استفادة أبنائها من ثرواتها.
وقال الزعيم النقابي عدنان حاجي الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات قبل الإفراج عنه بعد الثورة «الرديف ستعلن الانفصال والعصيان المدني إذا لم تستجب الحكومة لمطالبنا في التشغيل والكرامة وفقا للاتفاق المبرم مع الحكومة السابقة».
وكانت الرديف أول مدينة تونسية تنتفض على بن علي في 2008 للمطالبة بفرص المنطقة في التنمية والاستفادة من ثرواتها من الفوسفات. وواجه نظام بن علي المحتجين بالرصاص آنذاك.
وفي شمال البلاد نفذت مدينة مكثر الأسبوع الماضي إضرابا عاما لمدة ستة أيام للمطالبة بإيجاد فرص شغل وإقامة مشاريع. ولم يتوقف الاعتصام إلا بعد استقبال رئيس الجمهورية لوفد من المنطقة وتعهده بإيجاد حلول وزيارة المنطقة.
وقال أحمد بن فرج وهو شاب عاطل عن العمل في مكثر «مستعدون لكل شيء. نفد صبرنا ولن تخيفنا تهديدات الحكومة بفرض القوة. سنحتج وسنقود ثورة ثانية إذا لم ننل حقنا في الشغل الذي أسقطنا من أجله بن علي».
وبلغ التوتر الاجتماعي قمته في منتصف الشهر الحالي حين اعتصم العشرات أمام مقر رئاسة الجمهورية في قرطاج في حادثة رمزية هي الأولى في تونس.
وقال حمادي الجبالي رئيس الحكومة إن هناك أطرافا لم يسمها تهدف إلى إسقاط الائتلاف الفائز في الانتخابات عبر دفع الاعتصامات في الداخل والاحتجاج على المساعدات الأجنبية من الخارج بدعوى التدخل في الشؤون الداخلية لتونس.
وأضاف في كلمة أمام المجلس التأسيسي أن هؤلاء لن يسقطوا الحكومة بل سيسقطون تونس بأكملها وأن الحكومة لن تسمح بتهديد الثورة وستفرض القانون على المعتدين في الجامعات والمؤسسات والشوارع.
وقال الجبالي إن 260 مشروعا من شأنها أن توفر حوالي 30 ألف فرصة عمل حاليا معطلة بسبب الأوضاع الأمنية والاعتصامات.
وانتشرت الاحتجاجات في مدن غار الدماء وباجة وجندوبة والقيروان للمطالبة بتوفير فرص العمل. وحتى القطاع السياحي الذي يعد أول مصدر للعملة الأجنبية وثاني مشغل بعد الزراعة تراجع بشكل حاد.
وقال مسؤول في وزارة السياحة لرويترز إن العائدات تراجعت من 2.3 مليار دينار خلال 2010 إلى 1.2 مليار دينار خلال 2011 وتراجع عدد الزائرين بنحو مليونين ليبلغ حوالي 4.4 مليون سائح.
وقال الخبير الاقتصادي فتحي الجربي لرويترز «الثورة حققت بعض المكاسب من بينها حرية التعبير لكن هيكلة الاقتصاد ما زالت نفسها في كل القطاعات بما فيها القطاع البنكي. لم يتغير شيء والحكومة لم تقدر على مواجهة غلاء الأسعار وتفشي البطالة مما يوحي بضرورة إحداث رجة لإبعاد الخطر عن البلاد».
لكن وزير التكوين المهني والتشغيل عبدالوهاب معطر قال في حوار نشرته صحيفة الشروق إن الحكومة الحالية ستوفر 250 ألف فرصة عمل خلال هذا العام من بينها 50 ألفا في قطر وأكثر من 100 ألف في ليبيا إضافة إلى 25 ألف شاب سيوظفون في القطاع العام و50 ألفا في القطاع الخاص.
وشعورا بخطورة الأوضاع التي وصلت إليها تونس أطلق آلاف التونسيين حملات على موقع فيس بوك لإنقاذ تونس تحت شعار «أنقذوا تونس» و «لا تحرقوا تونس».
وحذر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة من أن شركات كبرى قد تغادر البلاد جراء الاعتصامات المتواصلة بعد أن أغلقت أكثر من 170 مؤسسة أجنبية أبوابها جراء الاعتصامات العشوائية والاضطرابات الأمنية في بعض المناطق. وأظهرت ميزانية 2012 أن تونس تخطط لنمو قدره %5.4 خلال العام الحالي. لكن سمير ديلو الناطق باسم الحكومة قال إن تحقيق هذا أمر صعب. وقال لرويترز «تحقيق نسبة نمو بنحو 5.4 خلال العام الحالي تصبح صعبة التحقيق يوما بعد يوم في ظل استمرار الاعتصامات».