أطفال ومراهقون يتلعثمون في العربية ويغردون بالإنجليزية
تحقيقات
27 ديسمبر 2011 , 12:00ص
الدوحة - هناء الرحيم
في عصر العولمة، تواجه اللغة العربية تحديات كبيرة جداً، خصوصا في فئة الأطفال والمراهقين، تتمثل في تيار الإنجليزية الجارف التي يتداولها الجميع في حياتهم اليومية، لدرجة بات معها أطفالنا يتلعثمون باللغة العربية ويغردون بالإنجليزية، لدرجة أنهم اجتزؤوا لغتهم العربية الأم وحولوها إلى رموز من أرقام وأحرف إنجليزية للتعبير عن أفكارهم في التراسل وعبر الإنترنت والهواتف النقالة.
لقد أصبحت اللغة الإنجليزية تحيطنا من كل صوب في الإعلانات التجارية وقوائم الطعام بالمطاعم بالمجمعات وفي التحدث مع الباعة حتى في الحوار بين الوالدين وأبنائهما.
هذا على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي فقد أصبحت اللغة الإنجليزية أساس النظم التعليمية حتى بالمدارس المستقلة، ويتم تعليمها في مراحل الطفولة المبكرة واستخدامها لغة رئيسة في التعليم الجامعي، ولاسيَّما في العلوم الطبيعية والطبية والحاسوب والعلوم الإدارية والاقتصاد، كما يتم استخدامها كلغة رئيسة في المدارس الخاصة؛ إذ تُدَرَّس بها جميع المواد إلا العربية، هذا إن وُجدت!
فما أسباب ضعف استخدام اللغة الأم وتعثر الأطفال والمراهقين بها؟ وهل بات التحدث باللغة الأجنبية ضربا من ضروب الثقافة المستحدثة؟
التفاخر بتدريس الإنجليزية
ترى حنان الهيل مدير إدارة البحوث والدراسات بالمركز الثقافي للطفولة، أن من أسباب ضعف اللغة العربية لدى جيل الأطفال هو تدريس المواد الأساسية (العلوم والرياضيات) بالمدارس المستقلة والخاصة باللغة الإنجليزية، الأمر الذي كان له تأثير سلبي كبير على إجادة الأطفال اللغة العربية.
إلى ذلك، تعتبر الهيل أن عدم تخصص المدرسين في مرحلة الطفولة المبكرة في اللغة العربية أثر إلى حد كبير على مستوى تعلم وإتقان الأطفال للغة العربية.
وتنتقد الهيل اقتصار اللغة العربية في المدارس الخاصة الأجنبية وحتى المستقلة على مادة اللغة العربية والشريعة، بينما المواد الأخرى تدرس بالإنجليزية، كما أن أساليب التدريس منفرة وجامدة للطفل مقارنة بمواد اللغة الإنجليزية.
وتضيف: كما أن امتحانات قبول الجامعات التوفل والايلتس تركز في قبول الطالب على اللغة الإنجليزية، وهذا من الأسباب التي دعت أولياء الأمور للتفاخر بتدريس اللغة الإنجليزية لأبنائهم منذ الصغر.
وتشير الهيل إلى أن انتشار الخادمات من جنسيات مختلفة في المنازل أثر إلى حد كبير في تدني مستويات اللغة العربية لدى الأطفال وركاكتها أو حتى عدم استخدامها نهائيا والاقتصار على الإنجليزية.
إلا أنه ورغم الأفق المظلم لمستقبل اللغة العربية، تقول الهيل إن دولة قطر قامت ببعض المبادرات التي أعطت بصيص أمل، حيث إن هناك توجها من الدولة للتشجيع على تداول اللغة العربية بالقراءة والكتابة والمشاهدة، من خلال إنشاء مراكز وقنوات متخصصة للأطفال باللغة العربية، منها المركز الثقافي للطفولة، وقناتا الجزيرة للأطفال وبراعم، ومن خلال اهتمام المجلس الأعلى للتعليم بإدراج اللغة العربية والشرعية في المدارس الأجنبية، ووضعه ضمن قوانين اعتماد شهادات المدارس الخاصة من قبل الأعلى للتعليم شرط تطبيق المدرسة لمعايير اللغة العربية والشرعية، إضافة إلى سعي مؤسسات المجتمع المحلي لتحقيق استراتيجية التنمية في قطر لدعم اللغة العربية والحفاظ على الهوية الوطنية.
تجارب لدعم العربية
وتعرض الهيل لتجربة المركز الثقافي للطفولة في إطار دعم اللغة العربية لدى الأطفال حتى سن المراهقة، وتقول إن المركز يزخر بالعديد من البرامج في هذا المجال من أجل دعم ثقافة الطفل والتشجيع على القراءة باللغة العربية، من خلال المشروع الوطني لتنمية القراءة تحت رعاية الشيخة حصة بنت حمد آل ثاني رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، الذي تم إطلاقه في عام 2009 ولمدة ثلاث سنوات، إضافة إلى برامج ومبادرات متميزة تصب جميعها في نفس الهدف وهي: المكتبة المتنقلة، مسابقات الكتاب البشري، وقصتي من صورتي، وإصدار المجلدات التي ألفها الأطفال، وكذلك من خلال نشرة «أريده مثقفا»، ودراسة أسبوع القراءة، وبحث قياس اتجاهات الأطفال نحو القراءة بالعربية، وجناح المركز السنوي في معرض الكتاب الذي يقام فيه العديد من الأنشطة والفعاليات التي تشجع الأطفال على القراءة والكتابة بلغتهم الأم، وإنشاء مكتبة (مكتبتي)، وغيرها من البرامج والأنشطة التي يقدمها المركز للطفل والمعنيين بالطفل من تربويين وأولياء الأمور.
وتؤكد الهيل أن حماس أولياء الأمور وشغفهم لتثقيف أبنائهم وملء رفوف المكتبات بالكتب المتنوعة لا يكفي لإيجاد جيل مثقف وواع بأهمية القراءة باللغة العربية، ولكن هناك مهام ومسؤوليات عديدة تقع على عاتق المجتمع، من خلال توفير البيئة المشجعة والمحفزة على قراءة اللغة العربية.
وتعتبر أن ذلك يتم بتكامل الجهود المحلية للنهوض باللغة العربية والتشجيع على القراءة، بحيث يتم تسخير كافة المصادر والجهود للتخطيط والدراسة لوضع برنامج علاجي وتثقيفي هادف ومناسب للأطفال، كما يجب على جميع مؤسسات المجتمع المحلي الخاصة والعامة تقديم الدعم اللازم للمعنيين بثقافة الطفل لزيادة البرامج التوعوية للقراءة، ونشر الثقافة وخلق البيئة السليمة لأطفالنا، ونشر عادات القراءة السليمة والمفيدة باللغة العربية، وتأسيس المكتبات العامة التفاعلية في مختلف المناطق بالدولة، بحيث تتاح لكل الفئات المستهدفة.
وتتابع: كما يجب التركيز على مرحلة ما قبل المدرسة ورياض الأطفال وحتى عمر 8 سنوات، بقياس مستويات الأطفال في القراءة بالعربية وتقديم الحلول والبرامج العلاجية في ذلك، ويجب ألا نغفل في ذلك دور وسائل الإعلام المختلفة حول نشر البرامج التثقيفية وبناء الصورة الذهنية الإيجابية عند الأطفال تجاه اللغة العربية، وتشيد في هذا الصدد بالدور الذي تقدمه قنات الجزيرة للأطفال وبراعم الناطقتان باللغة العربية، في الوقت الذي يقدم فيه الكثير من برامج الأطفال وحتى مسلسلات الرسوم المتحركة باللغة الإنجليزية، وتعتبر أن هاتين القناتين نجحتا إلى حد بعيد في طرح البديل وعدم ترك الساحة مفتوحة للغة الأجنبية فقط، من خلال ترسيخها الهوية العربية والإسلامية بالتخاطب والتحاور ومعرفة الآخر والتعلم والاكتشاف والترفيه، وهي تهدف إلى تحفيز الأطفال على الإبداع والتحدث باللغة العربية الفصحى والتقريب بين الأطفال العرب في العالم أينما كانوا، كذلك تقوم قناة البراعم (للأطفال قبل سن المدرسة ودون السابعة) على الأهداف عينها، ألا وهي تحديد الهوية العربية.
الروضات لا تهتم بالعربية
من جانبها، تحصر الدكتورة هدى بشير المشرفة الأكاديمية بمركز الطفولة المبكرة والأستاذة في قسم العلوم النفسية بكلية التربية بجامعة قطر، سبب ضعف اللغة العربية عند الأطفال ببيئة المنزل من جهة والمؤسسات التعليمية من جهة أخرى. فبالنسبة للمنزل، ترى أن اختلاف اللغات المستخدمة في المنزل مع وجود عاملات المنازل يسبب تشتتا في اللغة الأم عند الأطفال، علاوة على ذلك تشير بشير إلى أن كثيرا من الأسر تعتبر أنه من الثقافة استخدام كلمات باللغة الإنجليزية في التحدث مع الطفل، الأمر الذي يسبب إشكالية في ثنائية اللغة في سن مبكرة، ويصبح الطفل مشتتا بين لغته الأم ولغته الثانية. وتوضح أن هناك مشكلة كبيرة أخرى تكمن في إعلام اليوم، لافتة إلى أن البرامج المقدمة للأطفال ومنها الأفلام الكرتونية معظمها بلغات أجنبية، وبالتالي فإنها تؤثر على اكتساب المفردات اللغوية عند الأطفال. وتضيف: كما أن ألعاب الأطفال في المحلات أغلبها تتكلم بلغات أجنبية، وبالتالي فإن ذلك يساهم في إضعاف اللغة العربية عند الطفل. أما على صعيد الروضات فتعتبر دكتورة هدى أنها تعاني من مشاكل كثيرة، منها عدم الاهتمام بالمهارات العربية بشكل كاف نظرا لوجود توجه للاهتمام باللغة الإنجليزية حتى بالمدارس المستقلة. وترى أن الإشكالية الأكبر تكمن في موافقة المسؤولين والقيمين على العملية التعليمية بذلك. وتقول إن الأبحاث أكدت أنه من المهم أن يتعلم الطفل أكثر من لغة في هذه السن، مشددين في الوقت عينه على طريقة ذلك.. وهنا تشرح قائلة: «أي من المهم جدا أن يجيد أولا لغته الأم ويفكر بها بشكل
جيد، بعد ذلك من الممكن أن يكتسب العديد من اللغات». وترى أن معظم الروضات والمدارس الآن تهتم باللغة الإنجليزية وتهمل اللغة
الأم.
وتوضح أن استراتيجيات التعليم عليها عبء كبير جدا، مشيرة إلى أنه في برامج اللغة الإنجليزية فإن الاستراتيجيات والأنشطة مشوقة جدا وجاذبة للأطفال، لأنها تجمع بين التعليم والمرح، أما أنشطة اللغة العربية في بعض الأحيان تكون جامدة جدا وبطريقة تقليدية غير مستحدثة ولا ترغّب الأطفال.
تشتيت اللغة الأم
وتشدد دكتورة هدى على دور الإعلام، مشيرة إلى أنه رغم إنشاء قنوات تلفزيونية متخصصة للأطفال بالعربية، فإنها لم تتمكن من إلزام الناس بعدم مشاهدة غيرها، حيث بإمكان الطفل أن يختار القناة التي يريدها، وبالتالي فإنه يتعرض لكل المفردات الثقافية الموجودة من حوله من مختلف الوسائط الإعلامية، لأن فيها كثيرا من أساليب الجذب.. ويجب ألا نغفل أنهم (الأطفال) يتعلمون الكثير من الإيجابيات أيضاً منها، لكنها مع الأسف الشديد تشتت كثيرا من لغتهم الأم.
وعن استخدام الكثير من الأطفال والمراهقين أحرفا أو كلمات أجنبية للتعبير عن اللغة
العربية تعلق قائلة: «للأسف الشديد كثير من الأسر تعتبر أن ذلك نوعا من الثقافة». وتشير إلى أن الأطفال والمراهقين اليوم أصبحوا يستخدمون جملا وليس كلمات فقط للتعبير باللغة الإنجليزية، وذلك أيضاً نتيجة التدريس باللغة الإنجليزية في المدارس كلغة أساسية، إضافة إلى الواقع المحيط بهم.
الحل بالتعليم
وتعتقد د.هدى أن الحد من هذه الظاهرة يكمن بالتعليم، مشددة على ضرورة قيام التعليم بإلقاء الضوء بشكل كبير على اللغة العربية حتى تكون اللغة الأساسية، كما يجب أن تكون طرق استراتيجيات التعليم مشوقة ومحببة للأطفال.
وتشدد على ضرورة أن تكون العربية هي لغة التعامل والتفكير، لأن الأطفال والمراهقين عندما يستخدمون اللغة الأجنبية كلغة أساسية يضطرون للرجوع إلى
هذه المصادر والوثائق المكتوبة بالإنجليزية، وبالتالي فإن أساليب تفكيرهم تعود إلى الجذور الأساسية للغة.
وتوضح د.هدى أنه لا بد أن يكون هناك اهتمام باللغتين في وقت واحد لا أن يتم الاهتمام بلغة على حساب الأخرى، كما أنه لا بد من تعليم الأطفال لغتهم الأم إضافة إلى اللغة الأجنبية، خصوصا أن الدراسات أثبتت أن الطفل يستطيع أن يجيد أكثر من لغة، مشيرة إلى أن العربية بحاجة لمزيد من الاهتمام لتكون لغة التفكير والتعامل، وفي الوقت
عينه لا بد من تدعيم اللغة الإنجليزية وبرامجها، وبالتالي يجيد الطفل اللغتين.
وتقول دكتورة هدى إنهم في مركز الطفولة المبكرة في جامعة قطر يقدمون برامج لتنمية اللغة العربية وورشا متعددة لدعم مهارات القراءة عند الطفل، وورشا لأولياء الأمور لتنمية القراءة عند أطفالهم.
يستقبل المركز الأطفال من سن 3 إلى 6 سنوات من أبناء أعضاء هيئة التدريس والعاملين والطلاب بالجامعة ونسبة من المجتمع الخارجي، وهو مصدر من مصادر التعلم لبرامج الطفولة المبكرة والتعليم الابتدائي.
وتشير د.هدى إلى أنها قامت بدراسة عن استخدام الألعاب والتراث الشعبي في تنمية المهارات اللغوية العربية، مضيفة أنهم في مركز الطفولة المبكرة في جامعة قطر يحاولون استخدام استراتيجيات وأساليب مشوقة لتعليم الطفل اللغة العربية، مشيرة إلى أن الأطفال استطاعوا أن يحققوا المعايير لا بل تعدوها في بعض الأحيان، حيث وصلنا إلى نتيجة أن ما يزيد عن %60 من الأطفال بعمر 6 سنوات يستطيعون قراءة فقرة كاملة بالعربية.