الدين والفكرة الدينية عند مالك بن نبي

alarab
الصفحات المتخصصة 27 نوفمبر 2015 , 07:10ص
ولاء أحمد يوسف
بما أن الأمة الإسلامية تشهد تحديات كبيرة في العصر الحديث، فقد انشغل علماؤها ومصلحوها ودعاتها بقضية التجديد الحضاري في العالم الإسلامي، وذلك في سياق العودة الصحيحة إلى حضارة غابرة، كانت منارة للعالم يوماً ما، لعل المفكر الجزائري «مالك بن نبي» (1905-1973م) من أعلام الفكر الإسلامي العربي في القرن العشرين، من أبرز الذين أعطوا أهمية لأثر الدين في تحقيق نهضة المجتمعات وتحضرها، رأى فيه ظاهرة كونية تحكم فكر الإنسان وحضارته، لأنه هو الذي يكون الأنا الواعية، وهو الذي ينظم الطاقة الحيوية التي تصنعها الغرائز في خدمة تلك الأنا.

وقد قدم ابن نبي مشروعه الفكري القائم على إعادة بعث الحضارة الإسلامية من خلال عدة محاور، كان على رأسها معالجة مشكلات الحضارة الإسلامية، وسبل إعادة بنائها وإحيائها، مركزا على ما سماه «الفكرة الدينية» التي تعني أن الدين والأفكار المستمدة منه هو الذي يحرك الحضارة، وهو مطلق شرارتها كي تدخل التاريخ، وتأخذ مساحة في عالم الإنجاز.

وقد ركز ابن نبي على مراحل الفكرة الدينية، فهي غيرت حال شبة الجزيرة من صحراء قاحلة منتشرة فيها الوثنية والجهل والفساد إلى أرض خضراء زراعية مليئة بالتوحيد والعلم والرقي، وعبر عنه بثلاث مراحل.

أولاً: مرحلة الروح وهي بداية الصعود وتعمل على تهذيب الغرائز وتنظيم فطرة الإنسان، واستدل على هذا بقصة بلال رضي الله عنه، الذي كان قانون الروح يحكمه، حين كان وهو تحت سوط عذاب، يرفع سبابته، ولا يكف عن ترديد: «أحد أحد»، فقد تغلبت صيحة الروح المتحررة من أسر الغرائز بسيطرة العقيدة عليها، هذه المرحلة يحتاجها المسلمون الآن وسط هذه الظروف المحيطة.

وثانيها مرحلة العقل التي تشكل هذه المرحلة نقطة القمة التي يسجل فيها المجتمع توسعه ونموه وتطوره الحضاري والفكري، حيث ازدهر المسلمون في أغلب المجالات منها: العلوم، والفنون، والصناعات، وتكتمل شبكة الروابط الداخلية، وخاصة في العصر الأموي على الحكم منعطفاً ممثلاً لبداية هذه المرحلة، وفي هذه المرحلة تتحرر الغرائز من قيودها تدريجياً -كما يرى ابن نبي- وتبدأ سلطة المجتمع على أفراده بالضعف.

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الغريزة وهي مرحلة الضعف وسقوط الحضارة وانهيارها، حيث تنكمش تأثيرات الروح، وتفقد الفكرة الدينية سلطانها على النفوس، فتندفع الغرائز المكبوتة من قيودها، وتعود بالإنسان إلى مستوى حياة ما قبل الحضارة، ويختل نظام الطاقة الحيوية، ويفقد الإنسان قيمته الاجتماعية، حيث تخمد، وهذا ما نراه الآن في الأمة الإسلامية، فهي عادت كما كانت قبل الإسلام أمة تهتم بالحياة وملذاتها، أمة فقدت كل هوية إسلامية للآسف وذلك منذ أن حدث الشرخ فيها في معركة «صفين»، وانقسم المسلمون قسمين «الانقسام الثنائي»، فأصبحت الفكرة الدينية تتمثل دينا بأتباع علي رضي الله عنه وسياسة بأتباع معاوية رضي الله عنه، فالذي يخون الفكرة الدينية ينزل عليه انتقامها.

فالإسلام عند ابن نبي ليس هو الذي فقد قوته، بل المسلمون هم الذين حرفوا فكرة الإسلام فاستحقوا العقاب، والعقاب في واقعنا الآن هو التفكك، والجهل، والتخلف.

الإسلام مجرد قرآن لا يطبق، وما يحصل في سوريا والعراق هو نتيجة هذا الشرخ ونتيجة بعد المسلمين عن الدين، فالدين موجود لكن من يطبق قوانين الدين؟

ولكي نحل أزمة الأمة العربية والإسلامية لا بد من رجوع المسلم إلى مرحلة الروح، فيدافع عن دينه ووطنه بالروح الدينية والإسلامية، وليس بدافع المصالح السياسة.

 walaa.qfis@hotmail.com