يوم حافل في حياة الموناليزا وسط المعجبين بمتحف اللوفر
ثقافة وفنون
27 أكتوبر 2014 , 10:30ص
باريس - د ب ا
في الصباح الباكر من ذلك اليوم كان العالم لا يزال ملفوفا بالسكينة بالنسبة للسيدة ليزا ديل جيوكوندو، زوجة فرانشيسكو ديل جيوكوندو أحد تجار الحرير بإقليم فلورنسا الإيطالي في القرن السادس عشر، وذلك بينما كانت تنظر بصفاء وسكون من غرفتها الخالية بمتحف اللوفر.
وهذه السيدة كانت الموديل الذي قام برسمه فنان عصر النهضة الشهير ليوناردو دافنشي في لوحته الخالدة الموناليزا التي استقر بها الحال بمتحف اللوفر.
ومن بين مئات السياح الذين يقفون في طابور عند مدخل المتحف ليكونوا من بين أوائل الزوار الذين يستكشفون متاهات اللوفر، يركز الكثيرون منهم على شيء واحد فقط وهو الطريق المؤدي إلى الموناليزا أكثر اللوحات التي حظيت بالتقدير في العالم.
ويصل نحو 15 ألف شخص كل يوم إلى المتحف ليشاهدوا اللوحة التي يطلق عليها " صورة الصور "، والتي تبلغ أبعادها 77 سنتيمترا ارتفاعا و53 سنتيمترا عرضا فقط. وتقول سيلفيا التي جاءت من سلوفينيا لتزور اللوفر بحماس وهي تشتري تذكرة الدخول " إن رؤية لوحة الموناليزا ستكون بمثابة تتويج لزيارتنا لباريس ".
وتقود علامات إرشادية واضحة إلى الطريق المؤدي إلى الموناليزا، ومع ذلك يضل البعض طريقه، ويمكن أن ينتهي الحال بالزوار لأن يجدوا أنفسهم ينظرون إلى مجموعات فنية من المشغولات الذهبية والنسيج المطرز يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر، أو لوحات للرسام الفرنسي جان فوكيه الذي ولد بمدينة تورز بوسط فرنسا.
ولكن إذا تجنبت زيارة جناح سولي حيث تعرض كنوز فنية من مصر واليونان القديمتين ولوحات لرسامين فرنسيين، وجناح ريشيليو حيث تعرض أعمال فنية من الرسم والنحت من عصر النهضة، واتبعت مسيرة الزوار المتدفقين رأسا إلى الغرفة رقم 6 في جناح دينو حيث تعرض عدة لوحات فريدة لفنانين عظام، ستجد نفسك في حضرة الموناليزا، وستجدها رائعة الجمال بشكل لا يمكن إنكاره على الرغم من مرور 508 أعوام على إبداعها.
ثم يبدأ الصخب والهرج، ويتمكن السياح القادمين من آسيا وكل منهم مستعد بجهاز هاتف محمول ذكي أو حاسب إليكتروني لوحي من أن يكونوا أول من يصل إليها.
وتقول سيدة سؤولة عن الأمن " إن حجم إقبال الزوار اليوم ليس سيئا للغاية، وعادة ما يكون الإقبال في فترة الصباح أكثر عددا "، ويتضح شئ واحد بسرعة، وهو أنه لا يكاد يوجد أحد يستطيع لبضع دقائق أن يرفع عينيه بعيدا عن اللوحة الفريدة من نوعها التي أبدعها الفنان ليوناردو دافنشي بفعل ما يكمن فيها من سحر.
ويتم رفع الهواتف الذكية عاليا لالتقاط بضع صور لطيفة، وربما يلتقط زائر صورة لنفسه بجوار السيدة فرانشيسكو ديل جيوكوندو أي الموناليزا، وبعد ذلك يتجه معظم الزوار إلى خارج المتحف.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحويل ابتسامتها الشهيرة المبهمة إلى غضب، وهذا أيضا بسبب أن عددا ضئيلا من الزوار على الأقل أصبحوا أكثر اهتماما بالصورة الضخمة المعلقة في الناحية المقابلة، وهي لوحة " الزواج في كانا " للرسام الإيطالي باولو فيرونيسي.
والسبب في هذا الاهتمام أن هذه اللوحة الزيتية الرائعة التي تنتمي لعصر النهضة ليست مختفية وراء زجاج مضاد لطلقات الرصاص، وبالتالي يمكن تصويرها دون حدوث انعكاس يجعل الصورة قبيحة الشكل، وذلك بعكس الموناليزا التي تعرضت لأوقات عصيبة خلال الأعوام المئة الماضية.
ففي عام 1911 تم سرقة اللوحة التي عرفت باسم الجيوكنده بالإيطالية ولا جوكوند بالفرنسية، واعتقد الناس وقتذاك أنها فقدت إلى الأبد، إلى أن تم العثور عليها بعد ذلك بعامين في إيطاليا.
وتم وضعها خلف حاجز من الزجاج المضاد للرصاص عام 1956، بعد أن تعرضت الموناليزا لهجوم بمادة حمضية ثم لإلقاء الحصي عليها في حادثين منفصلين.
ولم يتم إعارتها سوى للولايات المتحدة واليابان وروسيا في ظل أشد الإجراءات الأمنية صرامة، حيث تقدر قيمتها السوقية بنحو مليار دولار.
وعند منتصف الظهيرة يزداد زحام الزوار حول لوحة الموناليزا ليصبح هائلا، مما يجعل رؤيتها بشكل واضح متعذرا.
ومن بعيد تبدو ملامح الموناليزا التي أجرى عليها مئات الخبراء دراسات دقيقة عن كثب غير واضحة، وتقول مجموعة من تلميذات المدارس جئن من مدينة ميونيخ الألمانية في رحلة تخرج " إننا التقطنا صورا لأنفسنا مع الموناليزا، ونحن الآن ننظر إلى صورة التقطناها لصورة ".
وثمة إلزام على كل تلميذة منهن بأن تلتقط صورة للموناليزا، وبالنسبة للزوار الذين لا يتحملون الزحام والإفراط في الإعجاب يمكنهم العودة إلى " قاعة العرض الكبرى " للرسامين الإيطاليين، والتي تتضمن لوحتين من إبداع الفنان كارافاجيو أستاذ الضوء والظلال.
وعندما يحل المساء ينحسر عدد الزوار، ولولا أنه تم فتح المجال أمام الزوار في وقت متأخر في ذلك اليوم الخاص لكان قد حان الوقت أمام السيدة ديل جيوكوندو لأن تأوي إلى فراشها مبكرا.
غير أن ذلك يوفر لها سببا واحدا للشعور بالرضا، فهؤلاء الزوار الذين يريدون حقيقة أن يظهروا علامات التقدير لجمالها ويبقون أمامها أكثر من الثواني العشر وهي متوسط فترة المشاهدة، بدأوا في الوصول الآن.
وفي متاجر بيع الهدايا التذكارية بمتحف اللوفر تمتلأ المساحات بسلع مرتبطة بالموناليزا، مثل الكتب والمفكرات والحقائب والأدوات المغناطيسية والتي شيرتات والأكواب والشرائط اتي توضع بين صفحات الكتب كمؤشر على تقدم القراءة، فهل كانت ابتسامة الموناليزا الشهيرة ستتسع إذا كانت قادرة على رؤية كل هذه التذكارات ؟.
والآن يمكن أن نطرح سؤالا آخر وهو هل يتغير التعبير المرسوم على وجهها إذا استطاعت أن ترى الملصق الذي ابتكره الفنان الفرنسي السيريالي مارسيل دوتشامب ووضعه في مترو أنفاق باريس، والذي يظهرها بلحية وشارب ؟.