اللغة ركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية، واللغة العربية ترتبط بالقرآن الكريم، الركيزة الأساسية في الإسلام، ولهذا يجب الحفاظ على قواعدها النحوية، وعدم مخالفتها، لأنها الإرث الوطني والقومي والديني، الذي ورثه الأجداد للآباء، وسيورثه الآباء للأبناء. وتصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة دور مهم؛ يجب أن يضطلع به المتخصصون، خاصة إذا ما كانت أخطاء متداولة بين الإعلاميين والإعلاميات، وذلك لأجل إعداد إعلامي لغوي، ولغوي إعلامي في آن واحد، ويؤكد ذلك على المنهجية الحديثة في دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتي ترى ضرورة التداخل بين التخصصات، لأنها يكمل بعضها الآخر، وخاصة في مجال الإعلام، لأن اللغة والإعلام لا ينفصلان؛ إذ يجب أن ينطق الإعلامي الحروف بشكلٍ صحيحٍ، ويعطي كل حرف حقه الصوتي ومستحقه الأدائي، وألا تأخذه العزة بالنفس، ويرفض الملاحظات، ولا يرضى بالتعديلات.
مادة لغوية في أربعة فصول
يؤكد على ذلك كتاب «لغويات للإعلاميين والإعلاميات»، للخبير اللغوي الدكتور أحمد كسار الجنابي، والإعلامي والكاتب الدكتور عبد الله فرج المرزوقي، الصادر عن مؤسسة البصائر للدراسات والنشر بإسطنبول (2024)، ويقع في 107 صفحات من القطع المتوسط. ويقدم الكتاب مادة لغوية للإعلاميين والإعلاميات، وذلك في أربعة فصول، تسبقها مقدمة، وتلحقها فهارس. ويمثل كل فصل في الكتاب موضوعًا قائمًا برأسه، ولكن رغم ذلك يُكمل بعضها الآخر، ويخدم الباحثين عن الكتابة والقراءة باللغة العربية الفصحى الصحيحة، فيقدم المؤلفان في الفصل الأول «الحروف والأصوات»، مستويان، الأول تأسيسي لحروف المباني، والثاني متقدم لحروف المعاني. وحروف المباني هي الحروف التي تبنى منها الكلمات، وهي الحروف الهجائية الألفبائية الأبجدية، والتي يهم الإعلامي منها التفريق بين الحروف الشمسية والقمرية، بالإضافة لضبط مخارج الحروف، وصفات أصواتها بشكل دقيق، وذلك حتى يتمكن الإعلامي من أن يخرجها من مخرجها الصوتي الصحيح: الجوف، الحلق، اللسان، الشفتان. أما حروف المعاني، كحروف الجر، وتوظيفها في الكلام، والعناية بمعانيها وفق السياق، ومن ثم حرص المؤلفان على توضيح كل حرف من حروف الجر، وتبيان معانيه، وقدموا الكثير من الأمثلة للأفعال التي تتعدى بحروف جر، وتوضيح الخطأ الشائع فيها، وتصحيحه بالصواب، وتناولا أشهر الأخطاء اللغوية في الخلط والتخبيط بين حروف الجر ذوات المعاني، مقدمين مثالا مغلوطًا من الإعلام المعاصر، ثم أردفاه بالصواب مع الاستشهاد بدليل إما من القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو من أشعار العرب.
ملاحظات وتصويبات
وخصص المؤلفان الفصل الثاني لطائفة من الألفاظ والكلمات الشائعة في الوسط الإعلامي، وتجري على ألسنة الإعلاميين والإعلاميات، والتي عليها ملاحظات، وفيها تصويبات وتصحيحات، انطلاقًا من أن لكل كلمة بناء صرفي محدد، وتركيبا حرفيا معينا ينبغي التقيد به.
واختص الفصل الثالث بالفروق اللغوية بين الكثير من المفردات المتشابهة في البناء الحرفي، والمختلفة في المعنى، وتلك الكلمات التي يغير التشكيل الحرفي في معناها.
ويختتم الكتاب بالفصل الرابع المعنون «بالقطري الفصيح»، والذي يتناول كلمات من اللهجة العامية القطرية الأصيلة، والتي لها صلة لا تنفك عن اللغة العربية الفصحى، وتصيحها لغويًا، وتأصيلها عربيًا، والاستشهاد عليها من الأمثال الشعبية. ويؤكد هذا الفصل على حضور الكلمات العربية الفصيحة في اللهجة القطرية، في ألفاظ وعبارات قد يظن الظان أنها لهجية بحتة، أو ذات صلة باللهجة الخليجية، وإنما هي فصيحة وبلسان عربي مبين، ولم يكتف المؤلفان بالأمثلة من دون التأصيل اللغوي من المعاجم العربية، والأمثال العامية من اللهجة القطرية المرتبطة باللغة العربية الفصحى ارتباطًا وثيقًا، وذلك انطلاقًا من أن هذا إرث الأجداد، الذي يجب المحافظة عليه، فهو من التراث غير المادي، الذي تعتني به الدول والمؤسسات الثقافية والفكرية والتراثية والأثرية، كما أن اللغة مكون وركيزة أساسية من مكونات وركائز الهوية الوطنية، ومن ثم فإن الحفاظ عليها ضرورة وطنية.