تب وإن عدت

alarab
باب الريان 27 يونيو 2015 , 06:45ص
عبد الله السادة
يحيط بابن آدم أعداء كثر، من شياطين الإنس والجن. يُحسِّنون القبيح ويقبِّحون الحسن، وينضم إليهم، النفس الأمارة بالسوء، والشيطان والهوى، يدعونه إلى الشهوات ويقودونه إلى مهاوي الردى، وينحدرون به في موبقات الذنوب صغائرها وكبائرها، فينساق المسكين في مغريات الحياة، وداعيات الهوى، وربما صَاحَب ذلك ضيق وحرج، وشعور بالذنب والخطيئة، حتى تكاد أن تنغلق أمامه أبواب الأمل، ويدخل في دائرة اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله. وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد... وهو أن يصل إلى هذه المرحلة من اليأس. فيترك التوبة والأعمال الصالحة، وينغمس في الذنوب والمعاصي لأنه يرى نفسه مجرما لا يصلح للخير، وليس من أهله.
يرى نفسه مخادعا لا يتوب توبة صادقة، فيفرح الشيطان بذلك ويشعر بلذة النصر. ولكن يا أخي المؤمن، اعلم وفقني الله وإياك لكل خير، أن الله العليم الحكيم الرؤوف الرحيم، (الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)(الشورى: من الآية25)، قد فتح لعباده أبواب التوبة، ودلهم على الاستغفار، وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات، وفي ابتلائهم مكفرات، بل إنه بفضله وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) (الفرقان:70) الله أكبر يقول سبحانه (وٱلله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما *يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) [النساء:27-28].
فلماذا نجعل للشيطان بعد ذلك علينا سبيلا؟ لقد جعل الله في التوبة ملاذا مكينا وملجأ حصينا يدخله المذنب معترفا بذنبه، مؤملا في ربه، نادما على فعله غير مصر على ذنبه. يحتمي بحمى الاستغفار، ويتبع السيئة الحسنة، فيكفر الله عنه سيئاته، ويرفع درجاته، فيا من وقعت في الذنوب، صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها، نداء الله لك: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر:53]. هل تأملت قوله تعالى: (يغفر الذنوب جميعا) إنه تعميم لجميع الذنوب بلا استثناء، ولو كانت تلك الذنوب كلها كبائر من حيث النوع، ولو ملأت عنان السماء، وبلغت عدد رمال الدنيا من حيث الكم، هذا معنى (جميعا) فكيف يتسلل اليأس بعد هذه الآية إلى نفس مؤمن قد أسرف على نفسه في المعاصي، يتلو هذه الآية، ويسمع أحاديث رسول الله في التوبة.
عباد الله: التوبة الصادقة تمحو الخطايا مهما كانت حتى الكفر والشرك يقول تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وتأمل إلى قتلة الأنبياء، ممن قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ناداهم الله جل وعلا بقوله: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وإلى أصحاب الأخدود، الذين قتلوا عباد الله المؤمنين بغير ذنب، إلا أنهم آمنوا بالله ربهم، ينبههم الله عز وجل إلى أنهم لو تابوا لتاب عليهم وقبلهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج:10].