الكاتبة التونسية سمر المزغني في حوار لـ «العرب»: الأدب الناجح يخاطب قضايا الإنسان العربي المعاصر بصدق وابتكار

alarab
المزيد 27 أبريل 2025 , 01:24ص
محمد عابد

تعرفت على الأدب القطري وأحرص على متابعة المشهد الثقافي العربي
الأدب التونسي جريء في طرح المواضيع الاجتماعية والسياسية منذ 2011
القصة القصيرة تصطاد اللحظات الفارقة وترسخها في خيال القارئ

 

تواصل دولة قطر تعزيز مكانتها كمنصة ثقافية تجمع المبدعين من مختلف أنحاء العالم العربي، عبر مبادراتها المتنوعة، ومن ضمنها أنشطة الملتقى القطري للمؤلفين، الذي يحرص على استضافة المبدعين العرب من مختلف التجارب الثقافية. «العرب» التقت أحد ضيوف الملتقى من المبدعين العرب وهي الكاتبة الأديبة الدكتورة سمر سمير المزغني والتي أكدت أن الأدب العربي الذي سينجح في ظل التحولات الرقمية هو ذلك القادر على مخاطبة قضايا الإنسان العربي المعاصر بصدق وابتكار.  كما تناولت تجربتها الإبداعية التي انتقلت فيها من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية، مشيرة إلى علاقتها بالأدب والتكنولوجيا الحديثة، ومسؤولية الكاتب في العصر الرقمي.   واستعرضت المزغني روايتيها «أشياء» و»عشاء لثمانية أشخاص»، اللتين تتناولان قضايا اجتماعية معاصرة بأسلوب يمزج بين الرمزية والنقد الساخر... وإلى التفاصيل:

◆ دكتورة سمر تمت استضافتك في فعاليات الملتقى القطري للمؤلفين.. كيف ترين أهمية مثل هذه المنتديات الأدبية في التعريف بالإبداع العربي؟
كانت مشاركتي الثانية هذا العام في الملتقى القطري للمؤلفين، بعد الجلسة التي خُصصت سابقًا لتقديم روايتي الأولى “أشياء”. استمتعت كثيرًا بالنقاش والأسئلة التي أثارها القرّاء. هذه مناسبات مهمة للتعريف بالمبدعين وخلق فرص التواصل والتفاعل بينهم.

◆ وهل تتابعين المشهد الثقافي في قطر، خاصة مع اهتمام قطر بتقديم جوائز مختلفة في عناصر الإبداع الثقافي من رواية وشعر وترجمة وغيرها؟ وهل تقدمتِ لإحدى هذه الجوائز؟
أتابع النشاط الثقافي في البلدان العربية، خاصة معارض الكتب، وقد تعرّفت أكثر على الأدب القطري من خلال قراءتي لروايات قطرية منذ زيارتي الأخيرة للدوحة.

◆ كان جلّ اهتمامك بالقصة القصيرة، وهناك رأي لبعض النقاد أن القصة القصيرة لها تميز في المغرب العربي.. فماذا تبقى من القصة القصيرة هناك عندما نجد تحول كثير من الكُتاب نحو الرواية؟ وكيف كانت تجربتك في الانتقال من القصة إلى الرواية، وهو ما ظهر في أعمالك الأخيرة روايتي “أشياء” و”عشاء لثمانية أشخاص”؟
الانتقال من جنس أدبي إلى آخر اقترن في حالتي بانتقال في الجمهور المتلقي. فكتابة القصة القصيرة رحلة امتدت منذ طفولتي وتحددت بقرّاء أطفال. ورغم رغبتي في كتابة الرواية منذ سن صغيرة، إلا أن محاولاتي الأولى شُيّعت إلى مثواها الأخير في سلّة القمامة. لكني وجدت في هذا الجنس الأدبي ملاذًا وسط هواجس انتابتني في السنوات الأخيرة. ومع ذلك لا أرى أن الرواية، رغم تربّعها على عرش الأدب حاليًا، قادرة على تعويض القراء عن خصوصية المتعة التي تقدمها القصة القصيرة، خاصة في زمن العجلة والانتباه المشتت، فالقصة القصيرة قادرة على اصطياد اللحظات الفارقة وترسيخها في خيال القارئ بشكل أكثر نجاعة.

◆ كيف ترين تطور أسلوبك الأدبي منذ بداياتك حتى الآن؟ هل تشعرين أنك تكتبين اليوم بأسلوب يختلف كثيرًا عن السابق؟
قصصي الأولى تتلوّن بأسلوب رمزي يعتمد الجماد والحيوان كشخصيات رئيسية. وفي روايتي “أشياء” اعتمدت الرمزية في جعل أبطال الرواية أشياء ندمنها في هذا العصر (هاتف ذكي، حبوب منومة…). أما روايتي الجديدة “عشاء لثمانية أشخاص”، فهي تمزج الرمزية بالواقعية وتغلفهما في حس نقدي ساخر يقدم كوميديا سوداء تفضح المجتمع وتناقضاته وزيفه.

◆ كيف يواكب الكاتب تحديات التقنيات الحديثة؟ هل يخضع لتقلبات القراءة أم يبقى بعيدًا ومتفردًا بأسلوبه ويأتيه المهتمون بالقراءة فقط؟
لكل كاتب طريقته الخاصة. ولكننا في عصر يصعب فيه على الكتّاب أن يقتصروا على الكتابة فحسب، فقد صار من الضروري أن يبذل الكاتب جهدًا في الترويج والتواصل مع القرّاء وتسخير مهارات تسويقية في التعريف بالأعمال الأدبية. وهذا لا يعني بالضرورة الانحياز في الكتابة ذاتها لما قد تحاول فرضه تقلبات القراءة.

◆ لكِ تجارب مهمة مع قصص الأطفال وبعضها تحول إلى أعمال درامية.. حدثينا عن هذا الجانب وكيف أثرت تجربتك الأدبية؟
كنت لا أزال في سن الخامسة عشرة حين شاهدت المسلسل التلفزيوني الذي أنتجته شركة صوت القاهرة للمرئيات والسمعيات بعد تحويل 17 من قصصي إلى سيناريو المسلسل. كانت تجربة ثرية ومشجعة لي، إذ تمثلت أمامي أحلام لم أكن أجرؤ على تخيّلها قبل ذلك، مما دفعني للمزيد من الكتابة.

◆ ومن وجهة نظرك.. كيف يمكن أن نجتذب القراء الصغار وننمي لديهم حب القراءة من خلال الأدب في عصر الآيباد والهواتف الذكية؟ وماذا على الكاتب أن يفعل؟
أطفالنا بحاجة إلى قصص مختلفة تثير فضولهم ورغبتهم في القراءة. عادة ما يبحث الكبار عن كتب للأطفال يرونها صالحة وجيدة من منظورهم، ولكن الأجدى أن نكتب - ونبحث عن - القصص التي يراها الأطفال أنفسهم جذّابة ومشوّقة وممتعة. وفي رأيي، هم أولى بكتابتها.
◆ في ظل العولمة وتغير الهويات.. كيف تتعاملين مع مسألة الهوية في كتاباتك خاصة أنك تحملين خلفيتين ثقافيتين تونسية وعراقية؟
الهوية بالنسبة لي ليست صندوقًا مغلقًا، بل هي في حركة دائمة. أحمل في داخلي الهوية التونسية والعراقية، وأجد أن هذا الثراء الثقافي قد منحني مساحة أوسع لفهم العالم ورؤية التنوع الإنساني. في كتاباتي، أستوحي من تجاربي وملاحظاتي لهذا التداخل بين الهويات، وأحاول أن أعبر عنه بصدق دون الانحياز لقالب محدد.

◆ برأيكِ.. إلى أي مدى تسهم الأدوات الرقمية والتواصل الاجتماعي في انتشار الأدب؟ وهل يمكن أن تشكل تهديدًا للجودة الأدبية؟
لا شك أن الأدوات الرقمية فتحت مجالات واسعة أمام الأدب للوصول إلى جمهور أكبر. لم يعد الكاتب ينتظر دور النشر التقليدية ليصل إلى قرّائه. ولكن في المقابل، هذا الانتشار السريع قد يُغرق القرّاء بأعمال غير ناضجة أحيانًا، مما يتطلب من القارئ وعيًا نقديًا وانتقاءً واعيًا. الجودة الأدبية ستظل المعيار في بقاء العمل أو اندثاره، بغض النظر عن وسيلة انتشاره.

◆ كيف ترين مستقبل الأدب العربي مع التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة؟
الأدب العربي يعيش تحديات كبيرة، لكنه في المقابل يمتلك فرصًا واسعة. التغيرات الاجتماعية والثقافية تفرض على الأدب أن يكون مرآة لهذه التحولات وأن يتطور معها. أعتقد أن الأدب الذي سينجح هو ذلك القادر على مخاطبة قضايا الإنسان العربي المعاصر بصدق وابتكار، مع الحفاظ على خصوصيته الثقافية.

◆ أخيرًا.. ما هي مشاريعك القادمة على صعيد الكتابة؟
أعمل حاليًا على مجموعة قصصية جديدة، وأخطط لبدء كتابة رواية ثالثة تتناول موضوعات ترتبط بالهوية والمنفى الداخلي، كما أنني أفكر جديًا في تجربة كتابة أدب اليافعين، لما لهذا النوع من الأدب من أهمية وتأثير في تشكيل أجيال جديدة من القرّاء.