مطالب بإعادة الواجهات التراثية للمحلات التجارية ووقف الفوضى الإعلانية

alarab
تحقيقات 27 يناير 2016 , 01:54ص
حامد سليمان
لا تواجد لها إلا في صور قديمة متداولة إلكترونياً، ولكنها تجد آلاف المعجبين من أبناء قطر، ممن يرون في بساطتها جمالا يفوق أفضل نظيراتها في الوقت الحالي، إنها المحال التجارية قديماً، والتي اعتبرها مختصون ومواطنون في حديثهم لـ «العرب» جزءا من التراث القطري، مؤكدين على ضرورة أن تهتم الجهات المعنية بعملية إعادة المحال التجارية لسابق وجهها التراثي من خلال التأكد مما هو مكتوب على لوحاتها، والتركيز على أمور تراثية تلبي عشق القطريين لتراث أجدادهم.

وأشاروا إلى أن الكثير من المحال التجارية طمست الإعلانات الكثير من المعالم المميزة لها، فلا يجد البعض فرقاً بين البقالة والخياط والمطعم، على عكس ما كانت المحال عليه قديماً، مشددين على أن الأمر تطور وبلغ حد الخطأ في بعض كلمات اللغة العربية، وتمسك البعض بتسمية المحل التجاري باسم أجنبي، ما يشير إلى غياب الاعتزاز بلغتنا الأم.

جزء من التراث
في البداية قال الباحث الشعبي علي عبدالله الفياض: لا شك أن المحال التجارية هي جزء من التراث القطري، فكافة الصور التي تنقل الحياة "زمان أول"، توضح كيف كانت شوارع قطر، وشكل المحال التجارية بها، فهي من التراث الذي ينبغي أن نحافظ عليه قدر الإمكان، فلا تؤثر عليه موجة التقاليع الأجنبية.

وأضاف: الأمر لا يقتصر على اللوحات الإعلانية التي تغرق المحال التجارية فحسب، بل وصل إلى درجة تسمية المحال بأسماء أجنبية، وكأن اللغة العربية تعجز عن أن تجد اسماً مناسباً للمحل أو المطعم، ولا شك أن هذه الأسماء لها تأثير سلبي على المجتمع ككل، خاصةً مع زيادتها بصورة كبيرة، حتى وصلت بعض كبرى الشركات.

وتابع الفياض: أنصح جميع رجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية بأن تكون أسماء منشآتهم وشركاتهم تراثية، ففيه الكثير من أوجه الجمال، وأبناء قطر يحنون بصورة كبيرة لماضيهم ويكنون كل الاحترام لحياة الأجداد، فالأسماء التراثية سيكون لها حضور قوي في السوق القطرية، إضافة إلى ارتباطها الوثيق باللغة العربية، الميرة وكروة على سبيل المثال.

وأوضح الباحث الشعبي أن أبرز المحال التجارية قديماً كانت بسوق واقف، التي كانت تنقسم لعدة أقسام، ففيها قسم يبيع الخضراوات وآخر للأسماك، وثالث للبهارات، وغيرها من الأقسام التي كانت محط حضور واسع من المواطنين والمقيمين آنذاك، أما المحال التجارية داخل الفرجان، فعبارة عن متاجر صغيرة تبيع المواد الاستهلاكية، والمطاعم لم يكن لها الحضور الطاغي كما هو الحال في الوقت الحالي، والهندية كانت أبرزها، فكانت تقدم الأطعمة للمقيمين من الهند.

وأشار إلى أن أسماء المحال التجارية قديماً، كانت ذات ارتباط وثيق بالعمل المنوط بها، فنجد المحل يكتب عليه على سبيل المثال "خياط الأمانة" أو "بقالة الإخلاص"، وكلها أسماء عربية خالصة، وكان شكلها بسيطا لا تغطيه الإعلانات التجارية، ومع بداية السبعينيات من القرن الماضي، بدأت تتفشى الأسماء الأجنبية، التي طمست اللغة العربية على لوحات المحال، إضافة إلى شكلها الذي لا تفرقه عن المحال التجارية في الدول الأجنبية، بل إن بعض نظيراتها في دول أجنبية تتمسك بشكلها التراثي المتميز.

وشدد على أهمية أن تعمل وزارتا البلدية والتخطيط العمراني والاقتصاد والتجارة، على إعادة تسمية المحال التجارية بأسماء عربية، إضافة إلى العمل على حفظ شكلها التراثي، مشيراً إلى أن مناطق قطر بها الكثير من الأسماء التراثية الجاذبة والمتميزة، حتى الروض التي يرتادها الجميع لها أسماء مميزة ذات صلة وثيقة بالتراث، وهو ما يمكن الاستعانة به في تسمية المحال التجارية، من أجل المحافظة على إرث ثقافي وتراثي تمتد جذوره لمئات السنين.

ونوه الفياض على أن اللهجة القطرية القديمة بها الكثير من الكلمات المتميزة، التي يمكن الاستعانة بها في تسمية المحال التجارية والشركات، حتى إن بعض القرى التي هجرت لأسباب كثيرة، ظلت أسماؤها حاضرة في التراث القطري.

محال بلا هوية
ومن جانبه قال عبدالله السادة: السواد الأعظم من المحال التجارية داخل الأحياء السكنية بدأت تغطيها الإعلانات التجارية بصورة كبيرة، فتبدو وكأنها موحدة في الشكل، فالإعلانات المتشابهة قربت شكل المحال التجارية لبعضها بصورة واضحة، والكثير من الشركات تتسابق في وضع إعلاناتها على واجهاتها، فتجد بقالة يغطيها إعلان، وبجوارها محل خياطة يغطيه آخر مشابه، فلا تكاد تميزها عن بعضها.

وأضاف: اسم المحل لا بد أن يكون متضمناً لنشاطه، فبقالة أو محل خياطة أو مطعم، ولا يزاحم اسم النشاط إعلان يخفي تفاصيله عن المارة أو الباحثين عن هذا المحل، وبعض المناطق تفشت فيها ظاهرة الإعلانات على محال تجارية، حتى إن لوحاتها باتت متقاربة إلى حد بعيد، ومنها ما لا يتضمن النشاط، فلا هوية خاصة لهذا المحال.

وتابع: محلات "زمان أول" حتى وإن كان عليها بعض إعلانات المشروبات الغازية على سبيل المثال، كانت لها هوية خاصة، ويمكن لأي شخص أن يميز المحال من بعضها بعضاً على عكس الوضع الذي نعيشه الآن، من غياب واضح للشكل التراثي، فكان المتجول يعرف المحل من لوحته الخارجية، أما الآن، فلا فروق كبيرة في اللوحة بين البقالة والكهربائي والخياط.

وشدد السادة على أن يكون لوزارة الاقتصاد والتجارة دور في التأكيد على أهمية حفظ الشكل التراثي للمحال التجارية، وأن تكون اللوحة معتمدة من قبل قسم الرخص التجارية، ولا تعطى الموافقة، إلا إذا كانت واجهة المحل متماشية مع نشاطه، وألا يكون الإعلان التجاري هو هدفها الأبرز، ويفضل لو أُعيدت واجهة المحال لوجهها التراثي.

ولفت إلى أن المحل التجاري هو جزء من هوية الشارع، والبعض يعتمد عليه في التعريف بموقع منزله، وبناءً عليه يجب الاهتمام بالأمر، وألا يظل ثانوياً بالنسبة لإعطاء الرخص التجارية.

ونوه السادة إلى أن هناك إشكالية واضحة بالنسبة للغات المكتوب بها على واجهة المحال التجارية، فتجد أن الاسم بالإنجليزية مختلف عما هو مكتوب بالعربية، أو أن الكلمات العربية بها الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية، فالأمر متروك لمالك المحل يكتب ما يحلو له، وهذا يقتضي أن يحدد اسم المحل في الرخصة، وأن يراجع إملائياً، حتى لا تتكرر هذه الأخطاء اللغوية الكبيرة، فاللغة العربية جزء من ثقافة القطريين، ولا بد من المحافظة عليها في كل مظاهر حياتهم.

وشدد على أن الشكل التراثي للمحلات التجارية هو جزء من حياة المواطن القطري، ولا بد من وضع آليات للمحافظة عليها بكل السبل، سواء من خلال مؤسسات الدولة المعنية كالبلدية والاقتصاد والتجارة، أو بتوعية الأبناء بها، حتى لا تنطمس في عقولهم، كونهم اعتادوا على الشكل الجديد للمحال التجارية.

وأردف السادة: من الوقائع التي أظهرت لي مدى طمس هوية المحال التجارية في مختلف شوارعنا، أن صديقا أتي لزيارتي، فقلت له إن بيتي بجوار محل عليه أحد الإعلانات، ووصفت له الإعلان، ففوجئت أنه ضل الطريق، وظل يبحث عن منزلي في الشارع، ولما تعجبت من عدم قدرته على الوصول، قال لي إن كافة المحال تقريباً تحمل إعلانات مشابهة، فانتبهت إلى أن شارعي الذي به عدة محال لا يمكن تفريقها عن بعضها، على عكس ما كان عليه الحال قديماً في شوارع قطر.

الأسماء العربية
وقال عيسى السليطي: بات جليا انتشار الإعلانات التجارية على واجهة المحال بمختلف شوارع قطر، وهذا الأمر طمس الشكل التراثي للمحل التجاري الذي اعتاد عليه القطريون، والذي يعد جزءا من تراثنا، إضافة إلى أن أغلب المحلات باتت أسماؤها أجنبية، فحتى التمسك باللغة العربية كجزء من ثقافتنا وتراثنا لم يعد على سابق عهده.

وأضاف: التمسك بالتراث أو باللغة العربية أو غيرها من الأمور لا يتجلى على حقيقته إلا من خلال الأمور الحياتية، فكنا نرى قديماً "بقالة السعادة" أو "خياط الأمانة" أو غيرها من اللوحات على المحال التجارية، التي تشير للنشاط من ناحية، وفي الوقت نفسه تتضمن كلمات عربية، أما الآن فأغلب الأسماء أجنبية، وكأنها موضة تفشت في المجتمع.

وتابع: لا بد أن يكون لوزارتي البلدية والتخطيط العمراني والاقتصاد والتجارة دور في حفاظ المحال التجارية على الشكل التراثي وهوية البلاد، وتمسك هذه المنشآت باللغة العربية، فتقوم بمراجعة أسماء المحال من الناحية اللغوية، ولا تسمح بهذه الأسماء الغريبة في الانتشار في المجتمع، فالكل يبحث عن المحافظة على التراث القطري، ولكن على كل شخص أن يبذل قصارى جهده.

وأشار السليطي إلى أن هذه الأمور وإن كانت بسيطة، إلا أن لها تأثيرا على ترسيخ اللغة والتراث في ذهن الأطفال، فحينما يرى أسماء الشركات والمحال التجارية باللغة العربية، يستشعر اعتزاز وفخر هذا الشعب بلغته وتراثه، ويترسخ لديه وبصورة عملية أهمية المحافظة على هذا الإرث الثقافي، وأن ينقله إلى أبنائه، فهذا من جوانب تنمية اللغة في نفوس الصغار.

ولفت إلى أن عدم اكتراث الأجيال الجديدة بتعلم اللغة العربية يتجلى من خلال عدة أوجه تفشت في المجتمع، فمنهم من يحرص على تعلم اللغات الأجنبية أكثر من لغته الأم، نظراً لحاجة سوق العمل للغات أجنبية، وهو أمر لا بد أن يكون لمختلف المؤسسات دور فيه، من خلال تمسكها بالعربية كشرط في التعيين، ومنهم من يتعلم اللغات الأجنبية كنوع من الوجاهة والتباهي بها، وهذا ما يتجلى من خلال مختلف الإعلانات التي يحرص أصحابها على كتابتها بالإنجليزية قبل العربية، ويعتبر كتابتها باللغة الأم أمر ثانوي، وهذا أمر لا بد من التغلب عليه من خلال ممارسات عملية وتمسك المؤسسات بالتعامل بالعربية، حتى في أبسط الأمور ومنها لوحات المحال التجارية.

وشدد السليطي على أن المحال التجارية قديماً كان لها الكثير من الأوجه الجمالية، سواء من خلال المسمى الذي يحوي الكثير من الكلمات المتعلقة بالتراث، أو حتى الشكل الذي تعطيه البساطة جمالا، بعيداً عن البهرجة والألوان الغريبة التي تكتسي بها بعض المحال في الوقت الحالي.