النعمة: لا أمان في الدنيا بدون إيمان

alarab
محليات 26 ديسمبر 2015 , 01:35ص
الدوحة - العرب
أكد الشيخ عبدالله النعمة أنه لا قيمة في الحياة مهما تيسرت فيها سبل الرخاء، وتنوعت فيها وسائل المتع والملذات دون أن يشعر الإنسان فيها بالأمان من البوائق والسلامة من الشرور، وينعم بظل الأمن الوارف وحتى تستقر القلوب في حنايا الصدور. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، إن الأمان من الشرور لا يتحقق لك إلا بالإيمان الصادق بالله، والقيام بالأمانات الموكولة إلى الناس، موضحا أن الأمانة أم الفضائل ومنبع الطمأنينة، وهي أبرز أمارات الإيمان ودلائل التقوى، والإيمان نفسه أمانة في عنق العبد فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له.
واعتبر الأمانة أجلّ صفات المسلم التي تظهر بها ديانته ويتأكد بها إيمانه، ولقد أمر الله عباده المؤمنين بالمحافظة على الأمانة وأدائها إلى أهلها، وأن يحكموا بين الناس بالعدل، وهذان أمران عظيمان لا تقوم الأمانة إلا بهما، واستشهد بالآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
وبما صح عند أحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ما خطبنا نبي الله إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).
وأشار إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة).
وذكر أن الأمانة كانت من أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ ولقد قص الله علينا في القرآن قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وغيرهم من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وأضاف أنه كان لنبينا محمد القدح المعلّى في ذلك؛ فقد كان معروفاً في قومه بالصادق الأمين، يستودعونه على ودائعهم مع كفرهم بما جاء به، وعدوانهم له ولدينه ولأتباعه، إلا أنهم أيقنوا في قرارة نفوسهم أنه الصادق الأمين.

شعور بالمسؤولية
وقال النعمة: لئن كانت الأمانة عظيمة القدر حميدة الذكر فإنها واسعة الدلالة ترمز إلى معانٍ شتى، من أهمها الشعور بالمسؤولية أمام الله سبحانه على النحو الذي فصله قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء في الحديث المتفق عليه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وشدد النعمة على أن الأمانة في الإسلام تعني قيام بالمسؤولية في جميع الوجوه، وكل المستويات، في علاقة العبد بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالناس أجمعين.
وأضاف أنها تمتد مع شمولية الإسلام إلى كل مرافق الحياة، في الراعي والرعية، والإدارة والسياسة، في التعليم والتربية، في الصناعة والتجارة.
وأشر خطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى أن من أهم أوجه الأمانة حفظ العبد جوارحه وحواسه عن الحرام، ومعرفته نعم الله عليه في أهله ونفسه وماله، والقيام بشكرها. ومن الأمانة حفظ حقوق الجلساء والأصدقاء؛ فإن المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حقه. فكم من حبال تقطعت، ومصالح تعطلت بسبب إفشاء الأسرار، والغيبة والنميمة والتجسس على المسلمين.
ونبه على أن من أوجب الأمانات: حفظ الودائع التي يودعها الناس عند بعضهم ليحفظوها ويردوها عند طلبها وسداد الديون لأهلها، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله» رواه البخاري.

أمانة الكلمة
وذكر النعمة أن من أعظم مجالات الأمانة: أمانة الكلمة، إذ بها تهدم أمم وتبنى دول وتنهار شعوب، فكم من كلمة خائنة لا يلقي لها قائلها بالا يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، تكون سببا في هدم كيان مستقيم وتخريب بناء منتظم.
وقال: كم من كلمة موبوءة لم تلق للمسؤولية بالا فرقت أمماً، وحطمت أسراً، وصدعت مجتمعات عامةً، فرقت بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه، والزوج وزوجه، والجار وجاره، حتى صار حبل المودة مقطوعاً، وصلة القرابة منبوذة. وكم من كلمة كاذبة تجردت من الأمانة أُكِلت بها حقوق، واقتطعت مها ممالك، وانتهبت بها أموال، تحريفاً وتزويراً وتدليساً وغشاً، وإذا اختلت أمانة الرجال -عباد الله- سقط البناء، وسلب الأمن، وضاعت الحقوق، وتفتحت أبواب الفقر والفاقة.

عبء ثقيل
وأشار خطيب جامع الإمام إلى أن الأمانة عبء ثقيل، ومسؤولية كبرى عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان لجهله وظلمه.
وأورد قول ابن عباس رضي الله عنهما: الأمانة الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيماً لدين الله تعالى ألا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها جهلا منه وظلماً لنفسه، فما كان إلا مقدار ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب آدم الخطيئة.
وجدد التأكيد على أن الأمانة دعامة بناء الأمم، ومستقر أساس الدول، وباسط ظلال الأمن والعدل، متى ما فقدت من أمة من الأمم اجتاحتها الآفات المهلكة، والرزايا القاتلة، وأصابها الفقر والذل. روى أهل السير أنه لما فتح المسلمون مدائن العراق في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دخل القائد المسلم سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قصر كسرى، فأخذ جند المسلمين الغنائم العظيمة من الذهب والفضة، ثم أرسل بها سعد إلى عمر خليفة المسلمين، وحمل المسلمون هذه الكنوز بكل أمانة وصدق، فلما دخلوا على عمر قال: إن قوماً حملوا هذا لأمناء، فقال له علي رضي الله عنه: لقد عففت يا أمير المؤمنين فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعت.
وخاطب كل صاحب منصب أو ولاية أو وزارة أو إدارة، مذكرا إياه أنه في مقام القدوة لمن تحت يده من أبناء وزوجات وموظفين، فليتق الله فيما حمل من الأمانة قياماً بالمسؤولية ورعاية للواجب.

فقدان الأمانة في حياتنا
وختم النعمة بالإشارة إلى أن الناظر في أحوال كثير من الناس إلا من عصم الله لا يكاد يرى للأمانة أثراً في تعاملهم مع الآخرين، بيعاً وشراء وقرضاً ووديعة، وفي القيام بما كلفوا به من الفرائض، صلاة وزكاة وصياماً وتقوى، وفي حفظ من ولاهم الله أمره من أهل وأبناء وزوجة وقرابة وأرحام وأجراء، وما أنصفوا أناس حملهم الله أمانة المسلمين فغشوا ودلسوا وخدعوا وكذبوا وفرطوا، أضاعوا الحقوق وأكلوا الأموال، ودنسوا الأعراض، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو منذر بخطر عظيم وشر جسيم، إذ هو علامة من علامات القيامة، جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث إذ جاء أعرابي فقال: متى الساعة؟ قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله، قال: «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».