أوضح فضيلة الشيخ الدكتور محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في جامع الشيوخ أن أخلاق الإسلام وآدابه ظلال يستظل بها من حر هذه الدنيا وزمهرير هذه الأزمان وفيح هذه الأوقات والمتغيرات، وأن أخلاق الإسلام وآدابه حصن حصين وسور عظيم صعب اقتحامه وعسير تعديه، ومن هذه الأخلاق والآداب أدب الحياء، فإن من يطالع الظروف والأحوال ومجريات الأحداث فإنه يتطلع إلى الحفظ والحماية من التطورات والمتغيرات خاصة فيما يخص الأخلاق ولن يجد المسلم خيرا ولا أفضل وأضمن من أن يتحلى بخلق الحياء حصنا يتحصن به وملجأ يلجأ إليه ومأوى ومأمنا يأمن به على نفسه ودينه وخلقه.
وقال المريخي إن الحياء في حقيقته شعور نبيل وخلق كريم يتولد من الإيمان بالله ورسوله ومصدره دين الله الحنيف، هذا الشعور يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح وهو من صفات النفس المحمودة ومن صفات الشرفاء وأهل السمو والرفعة، الحياء قيمة من قيم الإسلام وخلق عريق من أخلاق أهل الإيمان، بلغ الحياء عباد الله مبلغا رفيعا ونال قدرا كبيرا فقد أثنى الله تعالى عليه كخلق بعدما حث عليه وأثنى على أهله بل وشرف به أكرم خلقه من النبيين والمرسلين والأولياء والصالحين، وكفى بالحياء شرفا أن يثني رب العزة سبحانه وتعالى عليه ويذكر أهله بكل خير.
وأضاف: لقد تشرف بهذا الخلق النبيل حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، كما تشرف به موسى صلى الله عليه وسلم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلا حييا ستيرا ووصف الله تعالى ابنَتَي شعيب عليه السلام بهذا الخلق فقال سبحانه «فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا»، وكان الحياء قد سيطر عليها وشمل كيانها كله وكان صفة لها حتى قبل لقاء موسى ولذلك قال الله تعالى (تمشي على استحياء) ولم يقل تمشي على حياء لتأكيد الحياء فيها، وتشرفت بالحياء أمنا عائشة الصديقة رضي الله عنها تقول رضي الله عنها: كنت أدخل بيتي بعد وفاة رسول الله وبعد وفاة أبيها وكان قد دفن بالبيت رسول الله وأبو بكر فكنت أقول لنفسي إنما أبي وزوجي فأخلع وأضع ثيابي، فلما مات عمر ودفن بجوار رسول الله وأبي استحييت أن أخلع ثيابي فكنت أشد ثيابي على نفسي حياء من عمر، رضي الله عنها تستحي من ميت، واستحييت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ماتت أن يصلي عليها الرجال وهي في النعش بلا غطاء، فصنع لها ما يغطي النعش كاملا فارتضته رضي الله عنها وأوصت به أن تغطى به إذا ماتت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن عثمان ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، هؤلاء هم أصحاب رسول الله بلغوا في الحياء أن الملائكة تستحي منهم.
فالحياء يا عباد الله خير كله، ولا يأتي الحياء إلا بخير، وهو من الإيمان وما تدرع أحد عباد الله بالحياء إلا عز وسما وارتفع واعتلى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحياء كله خير» وقال «الحياء لا يأتي إلا بخير» وقال «الحياء من الإيمان» حتى قال الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان.
وأكد الشيخ محمد المريخي أن الحياء شرف رفيع ومقام جليل يشرف الله تعالى به من يشاء ويتفضل به على من وفقه وسدده وارتضاه، الحياء منة ودرجة لا ينالها ولا يبلغها إلا ذو حظ عظيم، وهو في حد ذاته قِيمة قَيّمة ودرجة رفيعة تظهر قيمتها في ثناء الله ورسوله على الحياء وعلى أهله ومن تحلى به، وهو قيمة أيضا لمن تحلى به وما يعود عليه من رضا الله وتوفيقه له وما يحصله المستحي من المنازل الدنيوية من دعاء الناس وحب الناس له وقبول الناس له والبركات والخيرات التي تأتي على يديه فضلا عن المنازل التي عند الله تعالى له يوم الدين.
وأردف: الحياء عباد الله يكون من الله ومن رسول الله، يكون من الله تعالى بمطالعة نعمه وشكره عليها وتسخيرها في طاعته ومحبته ابتغاء مرضاته فلا يليق عباد الله أن ينعم الله على عبده ويشكر العبد غير الله أو أن يسخر نعمة الله فيما لا يرتضيه الله ويكون الحياء من رسول الله بمتابعته والاقتداء به ومعرفة مقامه ومنزلته عليه الصلاة والسلام، وأنه سبب هدايتنا ونجاتنا من النار بإذن الله والفخر والاعتزاز بهديه وسنته صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنها.
ونوه الخطيب إلى أن الحياء مطلوب في كل زمان ومكان خاصة في هذا الزمان الذي نعيشه ومطلوب عباد الله في كل شيء حتى في الفرح بضبطه والوقوف عند حده فلا يطغى الذي يفرح ولا يؤذي الناس ولا يزعج ولا يحرج باسم الفرح، ولكنه يستحي من الله ثم من الناس.