إذا قضيت يومًا رمضانيًا في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تفتقد عض المظاهر والطقوس التي تجدها في الدول العربية والإسلامية، مثل الفوانيس والمسحراتي، لكنك في الوقت نفسه ستكتشف جمال التكيف والتنوع.
فرمضان في «بلد الحرية» تجربة شخصية وعائلية أكثر من كونها حدثًا مجتمعيًا عامًا، ويحمل نكهة خاصة تجمع بين الإسلام والثقافة الأمريكية، مع الحفاظ على جوهر الشهر الكريم.
والمسلمون في الولايات المتحدة، الذين يُقدر عددهم بحوالي 3.5 مليون نسمة، ويحرصون على أداء العبادات الأساسية لشهر رمضان بنفس الروحانية التي تُمارس في الدول الإسلامية، مع السعي لتحقيق توازن يتناسب مع طبيعة الحياة في مجتمع متعدد الثقافات.
ويتميز رمضان في الولايات المتحدة بتنوع ثقافي كبير بسبب أصول المسلمين المختلفة، وقد ساهم هذا التنوع في جعل الطقوس الرمضانية في أمريكا مزيجًا فريدًا، حيث تعود أصول المسلمين في هذا البلد العملاق إلى جنوب آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا نفسها.
الروابط الأسرية
مع حلول الشهر الكريم، تحرص العائلات على التجمع للإفطار، حتى لو تطلب ذلك السفر بين المدن، بهدف الحفاظ على الروابط الأسرية.
وتُنظم المساجد والمراكز الإسلامية وجبات إفطار يومية، حيث يتجمع المسلمون لتناول الطعام معًا، وتعزز هذه التجمعات التواصل بين أفراد الجالية وتوفر فرصة للتعارف والتضامن. كما يستغل المسلمون رمضان لتعريف جيرانهم وزملائهم من غير المسلمين بالإسلام من خلال دعوتهم للمشاركة في وجبات الإفطار أو زيارة المساجد، مما يعزز التفاهم بين الثقافات. ويزداد التركيز على التبرعات والصدقات، حيث تُطلق حملات لجمع المساعدات للفقراء داخل أمريكا وخارجها، مثل توزيع الطعام أو تقديم الدعم المالي.
وبسبب التنوع الثقافي، تختلف العادات حسب أصول المسلمين، لكن هناك تقاليد مشتركة، منها الزينة الرمضانية. فكثير من العائلات المسلمة تزين منازلها بالأضواء الملونة، مستلهمة تقاليد الدول العربية مثل مصر، ورغم أن ذلك أقل شيوعًا مقارنة بالدول الإسلامية، فإنه في الأحياء ذات الكثافة الإسلامية العالية، يتبادل الجيران الأطباق قبل الإفطار، مما يعكس روح التكافل. كما تُنظم بعض المجتمعات فعاليات رياضية أو ثقافية في عطلات نهاية الأسبوع بعد الإفطار، مثل مباريات ودية أو عروض فنية، لإشراك الشباب والأطفال.
ويحرص المسلمون على الموازنة بين الصيام والعمل أو الدراسة، خاصة أن الشهر الفضيل لا يُعد عطلة رسمية، إلا أن بعض المدارس والجامعات تمنح الطلاب المسلمين مرونة في الجداول خلال الشهر.
الإفطار والسحور
وجبات الإفطار والسحور تعكس التنوع الثقافي للمسلمين في الولايات المتحدة، وتتضمن مزيجًا من المأكولات العالمية مع لمسات محلية. يعتبر التمر عنصرًا أساسيًا لبدء الإفطار، تقليدًا للسنة النبوية الشريفة، أما باقي المائدة فتختلف باختلاف أصول الجالية. فالمسلمون من جنوب آسيا يفضلون أطباقًا مثل السمبوسة والبرياني والكاري، بينما يفضل المسلمون من الشرق الأوسط الحمص والفلافل والكبسة، أما الأفارقة فقد يقدمون أحيانًا الفول السوداني أو أطباقًا مثل الإنجيرا (من أثيوبيا).
ويُدمج الأمريكيون المسلمون أطباقًا محلية مثل الدجاج المقلي -وهو طبق أمريكي كلاسيكي يُعد بحلال- مع البطاطس أو المعكرونة، بالإضافة إلى البطاطس المهروسة.
وفي كاليفورنيا، على سبيل المثال، تبرز مبادرة مثل «شاحنة التاكو عند كل مسجد»، حيث تُقدم التاكو الحلال كجزء من الإفطار، مع الحفاظ على الهوية اللاتينية لبعض المسلمين. ويُضاف إلى ذلك التمر المحشو بالمكسرات، وهو حلوى خفيفة تُقدم مع القهوة العربية أو الشاي.
أما في السحور، فيميل المسلمون في الولايات المتحدة إلى أن يكون خفيفًا وعمليًا ليناسب جداول العمل.
وتتضمن المائدة أطباقًا مثل الزبادي مع الفواكه والمكسرات، والخبز مع الجبن أو زبدة الفول السوداني، بالإضافة إلى الحبوب (مثل الشوفان) مع الحليب، وأحيانًا بقايا الإفطار مثل الأرز أو الخضراوات.
ويوجد على مائدة السحور الأمريكية «الفول المدمس»، ذلك الطبق العربي التقليدي مع الخبز والطحينة، والبيض مع الجبن، وهي وجبة أمريكية بسيطة قد تُقدم مع خبز التوست الحلال. ويعتبر الماء والعصائر من المشروبات المفضلة على السحور بكثرة لضمان الترطيب، ومنها مشروب «السموثي»، وهو عصير فواكه مع الحليب أو الزبادي، شائع بين من يفضلون السحور السائل.
ختم القرآن
يحرص المسلمون في الولايات المتحدة على إقامة الصلاة في المساجد والمراكز الإسلامية، خاصة صلاة التراويح، وغالبًا تتبعها قراءة القرآن الكريم. وفي بعض المدن الكبرى مثل نيويورك أو شيكاغو، تُنظم المساجد فعاليات لاستكمال ختم القرآن خلال الشهر.
كما تُقام محاضرات ودروس دينية في المساجد أو عبر الإنترنت لتعليم المسلمين فضائل رمضان وأحكام الصيام، مما يعكس اهتمام الجالية بتعزيز الوعي الديني. وتشهد العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف في المساجد، حيث يفضل الكثيرون التفرغ للعبادة والدعاء، خاصة في ليلة القدر. وتواجه الجالية المسلمة العديد من التحديات، أبرزها ضيق الوقت بسبب العمل، أو اختلاف مواعيد الصلاة حسب المناطق الجغرافية، لكنهم يتكيفون باستخدام التطبيقات الإلكترونية لتحديد الأوقات.
وفي نهاية الشهر الفضيل، وقدوم عيد الفطر المبارك، تبدأ الاحتفالات بالصلاة الجماعية في المساجد أو الأماكن العامة الكبيرة، يتبعها تبادل الهدايا وتناول الحلويات مثل البقلاوة أو الكعك.
بلد الحرية
تشتهر الولايات المتحدة بلقب «بلد الحرية» (Land of the Free)، ويأتي هذا اللقب من كلمات النشيد الوطني الأمريكي «The Star-Spangled Banner»، حيث تُوصف البلاد بأنها «أرض الأحرار وموطن الشجعان». كما تُعرف أحيانًا بألقاب أخرى مثل بلاد «العم سام» كرمز شعبي، أو «القوة العظمى» لدورها السياسي والاقتصادي عالميًا، لكن «بلد الحرية» هو الأكثر شيوعًا وارتباطًا بالهوية الأمريكية.