لولوة الخاطر في ختام موسم الندوات: العالم العربي بحاجة لإعادة صياغة العلاقة بين الفكر والسياسة

alarab
محليات 26 فبراير 2025 , 01:21ص
محمد عابد

أكدت سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، أن العالم العربي بحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة بين الفكر والسياسة. وأوضحت في ختام «موسم الندوات»، ان دور المثقف يجب إلا يقتصر على النقد والتنظير، بل يمتد إلى المشاركة الفاعلة في رسم السياسات وصناعة القرار مع القدرة على التعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية
واختتمت، مساء أمس، النسخة الرابعة من «موسم الندوات» الذي نظمته وزارة الثقافة خلال الفترة من 10 إلى 25 فبراير الجاري، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن جهودها المتواصلة ونهجها الراسخ في تأسيس منصة بارزة للحوار الثقافي والفكري الجاد والمعمق حول أبرز القضايا الثقافية والمجتمعية.
وجاء اختتام موسم الندوات بحضور سعادة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة، وسعادة السيد إبراهيم بن علي المهندي وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء.
وشهد ختام الموسم ندوة بعنوان «هل للفكر مكان في زمن الشركات الاستشارية « قدمتها سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر، وذلك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وأدارتها السيدة إيمان الكعبي مدير المركز الإعلامي القطري وحضرها نخبة من المفكرين والأكاديميين والمثقفين.

كيانات ربحية
 وأوضحت سعادة وزيرة التربية والتعليم، في مستهل الندوة أن الشركات الاستشارية هي كيانات ربحية في الأساس تقدم خدماتها لجميع القطاعات، سواء كانت حكومية أو خاصة، دون أن تحصر نفسها في نطاق معين وذلك على الرغم من تقديمها أحيانا، مشيرة إلى أنها تحاول أن تتلبس أحيانا دثارا يتجاوز الجانب الربحي، لكنها في جوهرها مؤسسات بالمقابل.
وقالت سعادتها: «توجد مراكز ربحية تبحث عن الاستدامة المالية من خلال تمويل مشروط، لكنها تخضع لضوابط أكثر مقارنة بالشركات التجارية، حيث تركز بحوثها على التأثير في صنع السياسات في حين تكون مراكز البحوث الأكاديمية، بطبيعتها غير ربحية، وغالبًا ما تكون مرتبطة بمؤسسات التعليم العالي، لكنها لا تنشغل دائمًا بالجوانب التطبيقية، بل قد تكون مغرقة في البحوث النظرية.»
وتطرقت الخاطر إلى جذور الشركات الاستشارية موضحة ان فكرتها نشأت في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت في البداية مرتبطة بالجانب المالي، ثم ازدهرت بعد الكساد الكبير عام 1929، عندما اهتزت الثقة في القطاع المصرفي، مما دفع الحكومات للبحث عن خبراء محايدين لتقييم المؤسسات وتقديم التوجيه الاستراتيجي.
وتابعت: «خلال فترة الستينيات وحتى الثمانينيات، ظلت الشركات ذات الطابع المالي هي المهيمنة، لكن مع طفرة التكنولوجيا في الثمانينيات وصعود النيوليبرالية، وتوسع دور الشركات الاستشارية ليشمل المجالات التكنولوجية وإعادة هيكلة القطاع العام وفق نماذج مستمدة من القطاع الخاص.»
وأوضحت أن إحدى الإحصائيات أشارت إلى أن 35% من العاملين في كبرى الشركات الاستشارية هم من الخريجين الجدد، ما يثير تساؤلات حول مستوى الخبرة الفعلية التي تقدمها هذه الشركات.

التقلبات السياسية
وقالت سعادة وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي: «غالبًا ما يحضر في الاجتماعات التمهيدية والختامية كبار المستشارين، بينما يتولى العمل الفعلي شباب حديثو التخرج من جامعات النخبة، مثل Harvard Business School، مما يطرح إشكالية حول مدى عمق التحليل الذي تقدمه هذه الشركات، ومدى اعتمادها على أساليب جاهزة بدلاً من حلول مخصصة»
وتابعت سعادة السيدة لولوة الخاطر: «تاريخيًا، كانت البيروقراطية اختراعًا هامًا، إذ ساهمت في تأسيس مؤسسات مستقرة محصنة ضد التقلبات السياسية والمزاج الشخصي، كما نظّر لها أحد علماء الاجتماع عالم الاجتماع الألماني لكن منذ الثمانينيات، عززت الشركات الاستشارية سردية مفادها أن القطاع العام غير منتج، مما أدى إلى انتشار نماذج مستوحاة من القطاع الخاص في إدارة الحكومات، حيث أصبحت مؤشرات الأداء وأدوات التقييم الاستشاري جزءًا لا يتجزأ من الإدارة الحكومية، رغم أن هذه الأدوات نفسها قد تكون محملة بانحيازات فكرية غير محايدة.»
وتساءلت الخاطر هل تقدم الشركات الاستشارية خدمات خالية من التحيزات القيمية؟ مؤكدة أن التجربة أثبتت أن معظم أدواتها تدفع في اتجاه معين، غالبًا باتجاه رؤى اقتصادية رأسمالية، وهو ما يثير قلقًا بشأن تأثير هذه الشركات على القرارات السيادية للدول، خاصة في مجالات مثل التعليم.
وأكدت سعادتها أن الشركات الاستشارية ليست مجرد مقدمي خدمات، بل هي فاعلة وتؤثر في مسارات الدول والقطاعات والوعي بأدوارها، وتمييز أدواتها، والتساؤل عن خلفياتها الفكرية، أمر ضروري للحفاظ على استقلالية القرار الوطني، وضمان أن تكون الاستشارات وسيلة لتطوير السياسات، لا لتوجيهها في مسارات غير مدروسة.
وانتقلت سعادة وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي إلى علاقة المثقف والواقع العربي معتبرة أن العديد من المثقفين والمفكرين في العالم العربي يعانون من انفصال عن الواقع، ويفتقرون إلى الحس العملي في تقديم أفكارهم، وأن بعض الباحثين والمفكرين يطرحون أفكاراً وكأنها جديدة تماماً، في حين أنها ليست سوى إعادة إنتاج لأطروحات قديمة لم يتم تكييفها مع السياقات الراهنة.
وأكدت أن صانع القرار لا يحتاج إلى أفكار نظرية مجردة، بل إلى رؤى قابلة للتنفيذ تستند إلى تحليل دقيق للمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

حلول للمشكلة
وأشارت إلى أن المشكلة ليست فقط في عدم قدرة بعض المثقفين على تقديم أفكار عملية، بل أيضاً في غياب الوعي بأهمية فهم السياقات المختلفة قبل تقديم أي مقترحات.
وقالت: «هناك من يطرح حلولاً للمشكلات دون دراستها بعمق، مما يؤدي إلى تقديم رؤى غير واقعية أو غير قابلة للتطبيق.»
وشددت على ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين المثقف وصانع القرار، والعمل على سد الفجوة بين التفكير النظري والتطبيق العملي.
وأكدت أن الحل يكمن في تبني مقاربة أكثر واقعية، تعتمد على فهم دقيق للواقع المحلي والدولي، مع التركيز على طرح أسئلة جوهرية تتجاوز البحث عن «كيف» البحث إلى «لماذا»، وذلك لفهم الأسباب العميقة للمشكلات بدلاً من الاكتفاء بمعالجة مظاهرها..