

شهدت هولندا أزمة سياسية غير مسبوقة بعد أن قدّم وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب استقالته من منصبه، تبعته سلسلة استقالات شملت ثمانية وزراء ووزراء دولة منتمين إلى حزب «العقد الاجتماعي الجديد»، وذلك احتجاجاً على ما وصفوه بعجز الحكومة عن اتخاذ موقف حازم تجاه الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وما خلّفته من مجاعة غير مسبوقة.
فيلدكامب، هو دبلوماسي مخضرم وسفير سابق لبلاده لدى الكيان الإسرائيلي، برر قراره بالقول إنه لم يعد قادراً على الاستمرار في موقعه في ظل غياب إرادة سياسية لتنفيذ عقوبات واضحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد أن مقترحاته، التي شملت حظر الواردات القادمة من المستوطنات، وتجميد اتفاقية الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تقييد تصدير المعدات العسكرية، لم تلقَ الدعم الكافي داخل الحكومة.
وجاءت هذه التطورات في وقت حذّرت فيه مؤسسات أممية من أن أجزاء واسعة من قطاع غزة، لا سيما مدينة غزة، دخلت مرحلة المجاعة الفعلية، مع توقعات بأن تتفاقم الأزمة لتطال أكثر من 640 ألف شخص خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما اعتبره فيلدكامب «نتيجة مباشرة لاستمرار العدوان ومنع المساعدات الإنسانية».
تصدعات داخلية
لم تقتصر الأزمة على استقالة وزير الخارجية، إذ سرعان ما لحق به زملاؤه في الحزب ذاته، وفي مقدمتهم نائب رئيس الوزراء بالإنابة ووزراء الداخلية والتعليم والصحة، إلى جانب أربعة وزراء دولة. وبذلك فقدت حكومة تصريف الأعمال برئاسة ديك شوف توازنها، في وقت كانت فيه البلاد تستعد لانتخابات تشريعية مبكرة مقررة في أكتوبر المقبل.
رئيس الوزراء أعرب عن أسفه العميق لهذه الاستقالات، مؤكداً في مؤتمر صحفي أن حكومته «تتفهم حجم المعاناة الإنسانية في غزة»، غير أنه شدد على أن الائتلاف الحاكم لم يتمكن من التوصل إلى توافق حول الخطوات الإضافية الواجب اتخاذها.
أصداء مختلفة
وقوبلت الاستقالات بترحيب من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي وصفت الخطوة بأنها «موقف شجاع وأخلاقي يعكس القيم الإنسانية ويدعو إلى فرض عقوبات رادعة على الاحتلال».
وفي الداخل الهولندي، جاءت الاستقالات امتداداً لضغوط شعبية متزايدة تمثلت في مظاهرات حاشدة شهدتها أمستردام خلال الأشهر الماضية، ضمن ما عُرف بحملة «الخط الأحمر»، حيث شارك مئات الآلاف مطالبين بوقف التعامل الاقتصادي مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي واتخاذ إجراءات عقابية فاعلة.
والمشهد السياسي في هولندا يبدو اليوم أكثر هشاشة من أي وقت مضى، إذ تُدير البلاد حكومة انتقالية تعاني من انقسامات عميقة منذ انهيار الائتلاف السابق في يونيو الماضي. ويرى مراقبون أن التطورات الأخيرة قد تدفع نحو تسريع وتيرة تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، تحت ضغط الرأي العام وتنامي الدعوات الدولية لاتخاذ موقف أكثر صرامة إزاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
بهذا، تدخل هولندا مرحلة سياسية دقيقة قد تعيد رسم معادلات الحكم والتحالفات داخلها، فيما يظل الموقف من حرب غزة هو البوصلة التي تحدد اتجاه هذه التحولات.