%40 زيادة الإقبال على «السبحة».. والمواطنون يفضلون الكهرمان

alarab
تحقيقات 25 يوليو 2011 , 12:00ص
الدوحة - أيمن يوسف
أداة استخدمها الإنسان منذ القدم للتذكير بمعتقداته الدينية، فيما يطمئن نفسه ويشحذ إيمانه وروحه واليوم أصبحت رمزا دينيا يكثر استخدامه في شهر الصيام العظيم. وخلال الأعوام السابقة شهدت سوق السبحات في الخليج ككل وفي قطر على وجه الخصوص نمواً كبيراً، وتجاوزت مبيعاتها السنوية عشرات الملايين كما شهدت دخول فئات عمرية جديدة كمشترين للسبحات، بعد أن كان اقتناؤها حكراً على كبار السن وأصبحت الآن في أيدي الشباب والنساء وزاد الإقبال بنسبة %40، مقارنة مع العام الماضي حيث تنوعت مواد تشكيلها من زيتون وعظم وكهرمان. وأخرى معبقة بروائح العود والعنبر والورد والياسمين والصندل والفل والنعناع تحفظ روائحها مددا» طويلة ويبلغ حجم تجارة السبح مليارا دولار في الخليج ككل خلال موسم الشهر الفضيل. ورغم قلة عدد الأسواق المختصة ببيع نوع تقليدي من السبحات التي يزخر تصميمها بآلاف السنين من الخبرة في الصناعة اليدوية ويوغل في تراث وعراقة الحضارات ممثلة في عدد حبات تتراوح بين ثلاثة وثلاثين إلى ألف حبة. وتصنع من حجارة تنوعت بين فيروز ومرجان وعقيق وياقوت، ما زال روادها ومريدوها حاضرين بقوة. وعندما يدق رمضان الأبواب مهللا «مستبشرا» يكون لهذه السبحات النصيب الأوفر في مجالسة الذاكرين لرب الأكوان سبحانه. أحجارها متعددة المصادر ويرجع تاريخها في المنطقة العربية إلى العهد العثماني حسب التاجر في سوق واقف حسين عبدالرحيم، وقد أحضرها الأتراك معهم من النمسا -يتابع حسين- واكتشفوا فيما بعد أنه يصنع بالاعتماد على حجر الكهرمان المستخرج من شواطئ شمال البلطيق وتاريخيا «يرجع استخدام السبحات إلى البوذيين في آسيا. أما في قطر فاستخدامها يزامن فترة استخراج اللؤلؤ وأهميتها هو أنه أصبح بديلا «عمليا» لحجر كريم كانت تصنع منه السبح وهو العقيق ويستخرج من اليمن وكان يصنع في قطر والخليج عموما «وما زال واقف مكان تصنع السبحات من العقيق ومنذ ما يربو عن مئتي عام. واليوم يعتمد تشكيلها على حجر الكهرمان الذي يأتي بغالبيته من دول البلطيق إضافة إلى أوكرانيا وبولندا. وحول مواسم بيعها يقول عبدالرحيم لـ «العرب»: إن السنة كلها مجال لانتقاء أجود أنواع السبح من أحجار وألوان وتصاميم. لكن الشهر الفضيل الذي نستقبله بسرور غامر بعد أيام قليلة هو موسم حقيقي لاقتناء السبح فمظهرها وبريقها ودلالتها الدينية تجعل الجميع يرغبون بابتياعها. سوق دولية لتجارة حجارتها وتجري التحضيرات -كما يكشف حسين عبدالرحيم- على قدم وساق لشراء أحجار الكهرمان اللازمة للسبح قبل فترة تزيد عن تسعين يوما «من بداية رمضان. ويرجع ذلك إلى كثافة الطلب العالمي على هذه الحجارة قبيل الشهر الكريم. والحجر يستخدم لمرة واحدة فما إن يصبح حبات سبحة حتى يبقى للأبد على تلك الحال. فمن كتل بحرية تستخرج بأحجام مختلفة إلى آيات من الجمال والبهاء. ويفضل الصناع عادة «استخدام الشفاف منه لسهولة تفتيته». مخازن طبيعية جديدة لحجر الكهرمان واليوم يفتح أمام رواد هذه الصناعة باب جديد لاستخراج أحجار الكهرمان ففي مناطق بعيدة جدا «عن الأماكن القديمة لاستخراجه اكتشف الحجر المتحول باستخدام المهارة البشرية. ففي جزر الدومنيكان بات اللون القرمزي والأزرق للحجر متوافرا» بكثرة. وفي كولومبيا بأميركا اللاتينية تفرد الكهرمان هناك بلون أخضر فاتح. مغنيا المجموعة الأصلية لدول شمال البلطيق الصفراء. فيما يبدو إشارة طبيعية إلى اجتماع ألوان الطيف الأساسية الأحمر والأزرق والأصفر إضافة إلى الأخضر في حجر الكهرمان. وتتعدد ألوانه بكثرة وتتماوج في الحجر الواحد وقد يتفرد بلون واحد فتكون السبحة بيضاء أو سوداء خالصة. الصينيون يبتلعون أحجار السبحات للعلاج! وفي جدل حول السعر بين حسين وأحد زبائن السبحات اعترض الزبون مبررا «بأن السعر ارتفع كثيرا» عن العام الماضي. فأجابه حسين بأن الصينيين هم السبب! وحول الموضوع يقول حسين إن الصينيين لديهم طريقة جديدة في علاج الأمراض المزمنة، وأهمها الكآبة والأرق عبر تفتيت حجارة الكهرمان ووضعها في كأس ماء وشربها! ويقول إن هذا الطب الشعبي لاقى رواجا كبيرا لدى الشعب الصيني في الفترة الأخيرة. ما أدى إلى زيادة الطلب الهائل على الحجر، بل نفاد كمياته نسبة إلى العدد الضخم للراغبين بالشفاء من الأرق والكآبة من شعب كبير التعداد كشعب الصين. ولاختلاف الألوان انعكاس على الأذواق ويوافق حسين على أن الألوان البراقة والشكل الناعم يجذب الأجانب، بينما يجذب القطريين سبح حجر الكهرمان كبيرة الحب. الأنواع الأقدم أغلى سعرا وللصناع قصص مع التحف المسماة بالسبحات أو المسابح. (روغلامن) صانع من بغلادش احترف هذه الصنعة منذ سبع سنوات ويعمل في أحد محلات عملها بسوق واقف منذ عامين -تاريخ انتقاله من العاصمة الكويتية- وهو يعرف بأن رمضان هو الموسم الأهم لبيعها وعلى وجه الخصوص في المحلات التراثية التي تقع بجانب مساجد الدوحة الكبرى. وحول الأنواع المفضلة للقطريين يجيب بأن حجر الكهرمان هو ما يطلب بالاسم بنوعيه البولندي والألماني وتتراوح أسعاره بين 35 ريالا للغرام من حجر الكهرمان البولندي من النوع الجديد. لكن النوع القديم هو المفضل ويصل الغرام منه إلى 65 ريالا وينحت ويشذب يدويا، ويمتاز بلونه الأصفر الشفاف ويضيف أن هناك أنواعا قديمة مرغوبة جدا «كالكهرمان العراقي الذي يصل سعر غرامه إلى مئة وخمسين ريالا». صناعة يدوية لأحجار كريمة ويلحظ (روغلامن) أن السوق في بقية دول الخليج خصوصا «في الكويت والسعودية -التي عمل بهما سابقا»- متنوعة أكثر في أنواع أحجار السبح. وأن الزبائن في هذين البلدين أكثر شغفا باقتناء السبح ولا يتوقف الأمر لديهم على شهر رمضان الفضيل. ويقتنون أنواعا غالية الثمن، مثل السبح المصنوعة من النمش الألماني، الذي يصل سعر الغرام منه إلى تسعين دولارا أميركيا!! وعن الاستعدادات لاستقبال الشهر الفضيل يجيب بأن التجار في سوق واقف يعملون بشكل مكثف قبل رمضان عبر سفرهم خارج البلاد لإحضار الأحجار المطلوبة لعمل السبحات يدويا، والتي يشير الصانع إلى طرفها باسم (كركوش) وتشكل باستخدام اليد الماهرة وبالاعتماد على أدوات بسيطة. أذواق الناس أذواق الناس وشخصياتهم تتحكم في لون وقياس وشكل حبات السبحات. وهي بحسب التاجر محيي الدين التاجي تختلف بين وزن اثنين وعشرين غراما، إلى مئتين وتسعين غراما، وحيث إن تنوعها جاء لتلبية أذواق الزبائن فالنساء يملن لاقتناء السبحات الرفيعة الحب. وإن الألوان المفضلة لديهن الأحمر القاني والأزرق والأبيض وبوزن لا يزيد غالبا عن خمسة وخمسين غراما، بينما يميل الذكور إلى اقتناء السبحات المدببة الحبات ذات الألوان البنية والخضراء والصفراء. بينما تتوحد الأذواق تقريبا عند كبار السن من الجنسين ليصبح اللون الأسود والبني والأبيض هو المرغوب. النساء ينافسن الرجال في السوق يتنوع الرواد ويلاحظ اليوم بأن السبحة باتت من مكملات الأناقة للرجال والسيدات، فقد بدأت القطريات ينافسن الرجال على تكميل زينتهن باقتناء أنواع نسائية من السبحات المصنوعة من الأحجار الكريمة. ويقبل الشباب القطري من كلا الجنسين على اقتناء المسابح وحملها ليس بغرض التسبيح فقط بل كزينة تضاف إلى مجموعة الأزياء والإكسسوارات التي تزين الرجل والمرأة، حيث إن الثوب القطري والملابس النسائية لا تكتمل أناقتها إلا بوجود سبحات ذات مستوى من ناحية الماركة وجودة النوعية وجمال المنظر. وتؤكد سارة الجمعاني أن القطريات -لاسيَّما الشابات- بتن ينافسن الرجال على تكميل زينتهن باقتناء أنواع نسائية من السبحات خاصة المصنوعة من الأحجار الكريمة، وأمست الموضة في قطر تقتضي وجود هذه النوعية من أدوات الزينة، وبالتالي لم تعد حكراً على الرجال وأن السيدات يحرصن على اقتناء سبحات ذات ألوان زاهية وفاتحة تصلح لأن تحملها الفتاة. وأنها شخصيا لا تجد غضاضة في إبرازها في المحلات العامة فهي تراث ومن حق الجميع اقتنائه. عبيد الدلة تاجر سبحات يشير إلى أنه بمرور الأيام زاد الطلب على نوع معين من السبحات له زينة معينة تقربه من الذوق الأنثوي. وأن الموضة الآن تكمن في اقتناء الفتيات للسبحات، ولكن هذه المقتنيات مختلفة عن سبحات الرجال من حيث الأشكال والأحجام، وتكون مصنوعة من الكهرمان واللؤلؤ والفيروز والمرجان والعقيق والياقوت والزمرد والأحجار الكريمة الأخرى، كما أنها مصنوعة بطريقة مختلفة، وأغلى ثمنا، لأن عليها زينة ونقوشا، وفيها حرفية أكثر من السبحات التي تكون عادية. هل اقتناء السبحات تقليد من نوع ما؟ سعود الواكد الموظف في شركة عقار محب للسبح واقتنائها وهو صاحب مجموعة تربو عن مئتي سبحة. يقول إنه لاحظ ظاهرة اقتناء السيدات المتزايد للسبح وإنه شخصيا يدرجها في خانة التقليد الأعمى. وطرحت «العرب» على الاختصاصية الاجتماعية بثينة الهتمي بعض التساؤلات عن ظاهرة انجراف الفتيات إلى تقليد الشباب؟ فأجابت: إن الأمر لا يتعدى كونه بحثا عن الزينة، وضربا من ضروب الأناقة، مشيرة إلى أن النساء اللاتي يبحثن عن الزينة غير متشبهات بالرجال، والدليل أنهن يطلبن ألواناً وأشكالاً قريبة للزينة النسائية، والحلي والمجوهرات، وليست السبحات التقليدية. وأشارت الهتمي إلى أن من حق المرأة أن تحمل الزينة التي تريد، منوهة إلى أن النساء كبيرات السن يحملنها للتسبيح بينما الشباب من ذكور وإناث يتزينون بها، وأن هذه موضة ربما تستمر أو تنحسر، وليس لرواجها أي دخل بوجود خلل اجتماعي أو تشبه أو أي انجراف وراء ظاهرة ما.