خبراء يضعون «وصفة» الاستغلال الصحيح للإجازة الصيفية

alarab
محليات 25 يونيو 2021 , 12:35ص
حنان غربي

د. عيسى الحر: الانتقال إلى التدريب وصقل المهارات

جابر العرق المري: الإجازة نعمة إن أحسنت استثمارها

زينب خشان: مراعاة البُعد السيكولوجي للأبناء  برحلات ترفيهية

سميرة نعمان: التخلّص من القرطاسية التي لا يحتاجها الطالب

تتطلّع بعض الأسر إلى استغلال أيام الإجازة الصيفية لتهيئة أبنائها للعام الدراسي الجديد بمعنويات عالية، حيث تجد في هذا الوقت فرصة للتخفيف عنهم من ضغوط الدروس التي تلقوها خلال عامهم الدراسي، وفي ظل الظروف التي نعيشها للعام الثاني على التوالي، والتي قد تحرم العديد من الأسر من السفر والتنقل في إجازات عائلية خارج أراضي الوطن، فإنه من الضروري أن يتم التخطيط لهذه الإجازات التي لا يجب أن تكون مجرد وقت ضائع.
فهل يستفيد أولياء الأمور من هذه الفترة بشكل جيد وتكريس جهودهم في تنمية حب التعلم والمثابرة في نفوس أبنائهم؟ وكيف ينظمون ساعات الفراغ الطويلة مع الأبناء خلال العطلة الصيفية؟ والاستفادة من البرامج الصيفية التي تنفذها الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم في مختلف المناطق على مستوى الدولة، وكذلك البرامج التي تقدمها بعض دور الشباب، والتي تهدف إلى تنمية جيل شبابي قيادي ومتمكن لديه القدرة على التميز والإبداع في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والشخصية.

«العرب» بحثت وتابعت مع عدد من التربويين والمهتمين وأولياء الأمور، مدى الاستفادة من العطلة الصيفية، ورصدت البرامج والأنشطة التي خططت لها ونفذتها بعض الأسر.

الوقت.. والفراغ
الأستاذ جابر العرق المري مدرب تربوي و «كوتش مدرسي» قال إن هناك قاعدة مهمة جداً، وهي «التخطيط قبل كل شيء»، وأوضح أنه لا يمكن أن تحقق هدفاً ما أو تكون فعالاً في إطار ما وأنت لم تخطط له؛ الإجازة هي وقت في نهاية الأمر ويجب ألا يضيع هباء منثوراً.. يقول رسولنا الكريم: «نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الوقت والفراغ».
واعتبر المري أن الإجازة هي نعمة أن أحسنت استثمارها.. ولا يمكنك استثمارها بدون التخطيط المسبق لها. وأضاف: تعامل الإجازات معاملة أي وقت آخر يخطط له؛ من أجل هدف ما أو غاية معينة، إذا كان هدفك في الإجازة المتعة.. خطط لها. إذا كان هدفك التعلم.. خطط له. إذا كان هدفك بناء علاقات جديدة.. خطط لذلك.
وذكر المري أنه استحدث نموذجاً خاصاً به يستخدمه عادة مع طلابه لتوجيههم لاستثمار الإجازة الصيفية الخاصة بهم، وهو عبارة عن 5 أسئلة:
1. ما هدفي من هذه الإجازة؟
2. مَن سيرافقني لتحقيق هذا الهدف؟
3. كم من الوقت يومياً سأخصص لهذا الهدف؟
4. ما الأماكن التي يمكنها أن تخدم هدفي؟
5. ما النتائج التي أتطلع لها؟
وأضاف: لو أخذنا على سبيل المثال طالب في الصف الثامن الإعدادي.. فتكون إجاباته المفترضة:
1. الهدف الحصول على دورات تدريبية في مهارات إلقاء الشعر.
2. يرافقني صديقي محمد.
3. سأخصص يومياً 4 ساعات للتدرب من الساعة العاشرة وحتى الثانية ظهراً.
4. مركز تدريب في قطر. الدورات الأونلاين.
5. إلقاء القصائد باحترافية عالية والذكاء في استخدام لغة الجسد من الجيد التوازن.
وتابع المري: إضافة إلى هذا فالراحة مطلوبة وضرورية، لكن يجب أن تصل رسالة مهمة للطفل، وهي أن هناك من يتعب في هذا المنزل فكن مقدراً لذلك؛ لذا أنا أنصح باستثمار هذا الوقت الثمين وتخصيص وقت من اليوم في هذا الجانب.
وعن كيفية الاستفادة من الإجازة في تقوية علاقاتنا بأبنائنا، ذكر جابر المري أن الإجازة الصيفية فرصة عظيمة لتكتشف الكثير في أبنائك وتتعرف على اهتماماتهم، ومواهبهم، وأفكارهم، وتتواصل معهم بشكل أكثر فعالية.
ونوه بأنه كلما كان تواصل الأولياء مع أبنائهم فعالاً أكثر، كلما كان فهمهم لهم أكبر بالتالي تربية أفضل لأبنائهم.

سر كلمة «تخطيط»
من ناحية أخرى، اعتبر الدكتور عيسى الحر مدرب تنمية بشرية، أن كلمة تخطيط قد تعتبر كلمة كبيرة على بعض الأسر، وأوضح قائلاً: تعتقد بعض الأسر أن التخطيط يتعلق فقط بالقرارات الكبيرة أو المصيرية، ولكن في الواقع كلنا نخطط سواء بعلم أو بدون علم، فأنت عندما تقرر القيام برحلة ما، فكونك تحدد مكان الرحلة ووقت الرحلة ومستلزماتها، فأنت بدأت في خطوات التخطيط لهذه الرحلة. ولذلك فعندما نذكر مفهوم التخطيط للإجازة، فنحن نتحدث عن تنظيم وتفكير وترتيب لهذه الإجازة؛ كي نبتعد عن العشوائية والكسل وضياع الأيام دون الاستمتاع الكامل خلال هذه الإجازة، ومن خلال هذه الصورة نستطيع القول إن التخطيط للإجازة هو قرار خاص بالأسرة، فإن أرادت الأسرة الاستمتاع بأفضل صورة خلال الإجازة فعليها التخطيط لها، وإن أرادت أن تمر الإجازة بدون أي إنجاز أو استمتاع فلا يحتاجون للتخطيط.
وذكر الدكتور عيسى مجموعة من الخطوات التي يجب على الأسر اتباعها للاستفادة من الإجازات بشكل صحيح، وقال: إن أفراد الأسرة يختلفون في أفكارهم وميولهم واتجاهاتهم وهواياتهم؛ ولذلك من أهم خطوات الاستفادة من الإجازة أن تكون على النحو التالي:
• أن تكون الفعاليات متنوعة وليس لها نمط ثابت.
• أن تستهدف العمل والنشاط الجماعي لكل أفراد الأسرة.
• أن نراعي في الأنشطة فرق العمر بين أفراد الأسرة.
• أن نراعي في الخطة ميول واتجاهات أفراد الأسرة المختلفة.
• أن نراعي في الأنشطة هوايات أفراد الأسرة.
• أن يشارك أفراد الأسرة في وضع برنامج متكامل من الأنشطة والفعاليات.
وأضاف: بهذه الخطوات الرئيسية ستكون الإجازة متعة واستمتاع وتطوير مهارات عالية لكل أفراد الأسرة.

التعليم الممتع 
في السياق ذاته وحول تركيز بعض الأسر على تعليم الأبناء وتكثيف البرامج التدريبية، وما إذا كانت هذه الخطوة صحيحة أم لا ذكر. الحر أنه من الأفضل الابتعاد عن مفهوم التعليم النظامي والمحاضرات، والانتقال إلى مفهوم التدريب وصقل المهارات، ويتم ذلك من خلال اللعب أو الأنشطة والورش، وهي أنواع للتطوير غير المباشر للأبناء.
وأوضح: عندما يدخل الابن في ورشة أو برنامج للإنشاد وتكرار أبيات الشعر مع أقرانه سوف يتدرب تلقائياً، وبصورة غير مباشرة على مهارة الإلقاء، ونبرة الصوت، ومهارة الحفظ، والتعاون وغيرها من المهارات الكثيرة بصورة غير مباشرة، وينطبق ذلك على كل المهارات الأخرى التي تحب أن يتعلمها أبناؤك.

تقوية العلاقات مع الأبناء
إلى ذلك أضاف د. الحر أن الإجازة فرصة لتقوية العلاقات الأسرية، «هناك الكثير من الأفكار لتطوير العلاقة بين الأبناء من أجملها، أن يتشارك الأبناء في وضع الجدول والأفكار، وبالتالي يتعلمون كيف يتفاوضون مع بعض، وكيف يوزعون المهام والصلاحيات فيما بينهم، وفي المقابل يتعلمون كيف يتم اتخاذ القرارات، وإن رأي كل فرد منهم مهم، وكل فرد له صوت ومن حقه أن يقول رأيه ويطرح هوايته وتسليته، كما يتعلمون كيف يتنازل البعض من أجل رأي الأغلبية، وكيف يكون مرناً في رأيه، من أجل الوصول إلى نقاط مشتركة ونقاط توافق بينهم، وهذه المهارات من أقوى وسائل توطيد العلاقة بين الأبناء، وتعزيز مكانة كل منهم داخل البيت، وطبعاً لا يتم ذلك إلا بحكمة وهدوء ومتابعة من الوالدين».

تنفيس.. وراحة
لم تذهب المعلمة سميرة نعمان بعيداً برأيها عن الآراء السابقة، حيث اعتبرت أن الإجازة فرصة للتنفيس والراحة بعد تسعة أشهر من العمل والكد والجد، وقالت نعمان: إن الإجازة ليست فرصة لتعلّم العادات السيئة، والتخلص من العادات الصحية، وذكرت من أمثلة ذلك السهر المبالغ فيه، وأشارت إلى أن بعض الطلبة يعمدون إلى وصل الليل بالنهار والسهر حتى ساعات الصباح الأولى، والنوم طول النهار، وذلك يؤثر على الصحة العقلية والجسدية للطفل وناشدت أوليا الأمور من الانتباه إلى هذه النقطة.
ووجهت المعلمة سميرة أولياء الأمور، خصوصاً في ظل جائحة كورونا، وعدم تمكن السواد الأعظم من الناس من السفر أن يقوموا بوضع جدول زمني يقسمون فيه الإجازة إلى نشاطات مفيدة علمية أو ترفيهية أو تثقيفية يقومون بها برفقة أبنائهم. وذكرت نعمان أن من بين هذه النشاطات زيارة المتاحف افتراضياً والخروج إلى بعض الساحات الرياضية المفتوحة وغير الممنوعة بالنسبة للأطفال، وكذلك قضاء وقت ممتع في الاستراحات والشاليهات العائلية والشواطئ.

نشاطات.. وفعاليات
في سياق متصل وحول ما يمكن للأسر أن تقوم به خلال فترة الإجازة، ذكرت المعلمة سميرة بعض نقاط الضعف التي يمكن العمل على تقويتها خلال الإجازة، وقالت: نواجه خلال العام الدراسي الكثير من الطلبة الذين يواجهون صعوبة في مهارات القراءة، سواء باللغة العربية أو اللغات الأجنبية، ومهارات الحساب ولاستدراك هذا التأخر عند بعض الطلبة أو ضعف المستوى، مقارنة بأقرانهم، من المفيد توجيه الطلبة إلى مراكز مختصة للاستفادة من مهارات تعزز مستواهم العلمي، تحضيراً للعام الدراسي، ويمكن كذلك أن نخصص جزءاً أو صوراً من القرآن الكريم للحفظ، بما يتوافق مع عمر الطفل وقدراته، خصوصاً أن التعود على الحفظ يوسّع المدارك ويرفع القدرة على الاستيعاب أيام الدراسة، ويمكن الاستعانة بالألعاب التعليمية والكتيبات المصورة التي تجذب الطالب خصوصاً في الأعمار الصغيرة، إضافة إلى تحفيزهم على المطالعة والقراءة، وذلك من خلال تجهيز ركن للقراءة في البيت كذلك الذي جهزته العائلات للعبادة في شهر رمضان.

استثمار الوقت
قسمت المعلمة سميرة النشاطات بين الأم والأب، حيث يمكن للأمهات تعليم بناتهن الطبخ، أو تحضير بعض الوجبات الخفيفة، والتي يمكن أن تعلمها من خلال ذلك، وكذلك تحمل مسؤولية إعداد مجلتها المدرسية وتحضير علبة طعامها خلال أيام الدراسة وفق ما تحبه هي، ونصحت بتعويد الأطفال على التواصل مع أهاليهم وعائلاتهم الممتدة، سواء من خلال الهاتف أو من خلال مواقع المحادثات بالفيديو، في حال عدم التمكن من الزيارات وجهاً لوجه، وأن نعلمهم مدى أهمية صلة الرحم في الدنيا والآخرة.
ومن الجوانب التي رأت المعلمة سميرة أنها مهمة، خصوصاً في إجازات طويلة قد تقل فيها الحركة والتنقلات والسفر، أو تنعدم في ظل الظروف الراهنة، جانب كسر الروتين والتغيير، حيث طلبت أن تقوم الأسرة بتغيير غرفة الطالب وتجديدها، والتخلص من القرطاسية التي لا يحتاجها الطالب، وكذلك الملابس، وفي حال كانت بعض الأغراض غير المرغوب فيها صالحة للاستعمال يمكن أن نعلم الطالب التبرع بها إلى الجمعيات الخيرية أو المحتاجين.

برامج أسرية تتخلها أوقات مسلية
من جانب آخر، اعتبرت زينب خشان مدربة تربوية وكوتش علاقات أسرية، أن الإجازة الصيفية تعتبر فرصة للأبناء لقضاء وقت ممتع، بعيداً عن الواجبات اليومية، وعن ضغط الدراسة، ولكن الأجمل إذا تم استغلال هذه الأوقات بوعي أكبر من قبل الأبناء أو المربين، فجميل لو تم عمل برامج أسرية تتخلها أوقات ممتعة ومسلية ومفيدة في الوقت تفسه بهذه الحالة سيتعلم الأبناء تقدير قيمة الوقت ووضع أهداف لتحقيقها والاستمتاع بالإنجاز.
 وأضافت زينب: «إن الكثير من الأسر لا تعطي أهمية للبُعد النفسي السيكولوجي للأبناء من حيث استغلال هذا الجانب في أخذهم في رحلات مفيدة وترويحية في الوقت نفسه، من خلال زيارة الأماكن الأثرية وإشراكهم في المسابقات الثقافية التي تنظمها بعض المؤسسات والجمعيات خلال الإجازة الصيفية، مثل: مسابقات الشعر والنثر والرسم والقصة والتصوير لكسر الملل، والاستفادة من وقت الفراغ الطويل». 
وأشارت إلى أهمية اهتمام أولياء الأمور بوقت الفراغ الذي توفره الإجازات، وأن تكون لهم جهود مكملة لجهود المدرسة، سواء في متابعة مستوى التحصيل الدراسي لأبنائهم، أو في تواصل عملية تعلمهم، والأهم من ذلك كله كيف تحافظ الأسرة على أبنائها من أصدقاء السوء، وتحكم حلقات عملية تربيتهم التربية الصالحة، وأن تعلم أن الإفادة من أوقات الفراغ في العطل تعمل على تنشيط الفكر والنفس والاستعداد لاستقبال عام دراسي جديد بنشاط وحيوية.
وأكدت أن عدداً من الجهات التربوية بما فيها قطاع المرأة، تهتم بتنظيم الفعاليات الصيفية الهادفة للأبناء وأولياء أمورهم، والتي تخاطب العقول وتظهر قدرات الأطفال.

الأم أقرب لأولادها
من جانبها قالت وئام مسعودي، استشارية نفسية: إن الأم هي أقرب أفراد الأسرة للأبناء في ظل انشغال آبائهم خارج البيت، ويمكن أن يكون لها دور فعال في مساعدتهم على التفوق، فهي تستطيع التعرف إلى مميزاتهم وقدراتهم وتشجيعهم على استغلال تلك الطاقات إن أجادت توجيههم، مشيرة إلى أن إهمال بعض أولياء الأمور يؤدي إلى إضاعة استفادة أبنائهم من العطل بشكل جيد، فهم لا يبذلون جهداً جاداً في توجيه أبنائهم التوجيه الصحيح، ولا يراقبون تحركاتهم وتصرفاتهم، فبدلاً من إشغالهم بأشياء مفيدة يتركون لهم الحبل على الغارب، ولا يعلمونهم كيف يديرون الوقت، فتضيع الساعات والأيام في لهو ولعب، لافتة إلى أن لدى الأبناء وقتاً كبيراً من الفراغ سواء في أيام الدراسة أو العطل، والبعض منهم يضيعونه في غير ما ينفعهم بسبب انشغال أولياء أمورهم عنهم، وقالت إن السلبية في الأمر تكمن في عدم توجيه البعض للأبناء نحو قضاء أوقاتهم في أشياء تنفعهم وتعود بالفائدة على مجتمعهم.
إلى ذلك أضافت وئام أن نسبة كبيرة من الأسر لا تهتم بتربية أبنائها على حسن استغلال إجازاتهم في المفيد، مشيراً إلى أن تعويدهم على استغلال أوقات الفراغ على مدار السنة وإدارة أوقاتهم ينعكس على سلوكهم بشكل دائم، وأضافت: إن هناك أسراً أخرى لا تحرك ساكناً تجاه نوم الأبناء نهاراً وسهرهم ليلاً في غير المفيد بحجة أنهم في إجازة، ويجب تركهم يستمتعون بها، وقالت وئام: إن كسب فترات الإجازات والعطل والاستفادة منها مرهونان بجدية أولياء الأمور، وينبغي أن تراعى البرامج التي توضع لتوفير عوامل جذب الأبناء إليها، وأكثر الجداول نجاحاً تلك التي تأخذ في الاعتبار الجوانب الترفيهية إلى جانب تنمية حب التعليم لديهم، مشيراً إلى أن الكثير من الأسر تستغل أيام الإجازة الصيفية في تنمية مدارك أبنائها، حيث وجهتهم إلى أنشطة مفيدة فيما لم يستغل البعض تلك الفترة الاستغلال.