أجدادنا كانوا أكثر انسجاما مع محيطهم وأكثر تقديرا وإرشادا للموارد الطبيعية
يجب النظر إلى الاستدامة بطريقة شمولية تحاكي التطلعات وتحافظ على «الإرث»
الدولة تطبق عددا من الممارسات التقليدية المستدامة مثل الزراعة الموسمية
تركيز على تطوير نموذج اقتصادي وإنتاجي يحترم طبيعة وتاريخ الشعوب
أكدت الدكتورة نوال السليطي - مديرة الاستدامة بمؤسسة قطر، أن الممارسات المحلية التقليدية تسهم بشكل كبير في تحقيق الاستدامة بمعاييرنا المعاصرة، لافتة إلى أن الاجداد كانوا اكثر انسجاما مع محيطهم واكثر تقديرا وارشادا للموارد الطبيعية، كما طبقوا معظم المبادئ المستدامة العصرية من ترشيد للمياه الجوفية واستخدام للأسمدة العضوية والبناء بمواد متجدده ومحلية، مشددة على ضرورة النظر الى الاستدامة بطريقة شمولية تحاكي تطلعاتنا الاقتصادية وتحافظ على ارثنا الاجتماعي التاريخي.
وقالت في حوار مع «العرب» أن هناك جهود مركزة لإدخال مفاهيم الاستدامة بالمناهج التعليمية منذ المراحل الأولي، وأن الدولة تطبق عددا من الممارسات التقليدية المستدامة كالزراعة الموسمية، وتركز على تطوير نموذج اقتصادي وانتاجي يحترم طبيعة وتاريخ الشعوب، إضافة إلى الاهتمام بالممارسات الزراعية المستدامة والعمل على دمجها مع التقنيات الحديثة، مشيرة إلى أن العودة الى عدد من الممارسات التقليدية خطوة في قمة الاهمية تسهم في تطوير نموذج اقتصادي اقرب لاحتياجاتنا وهويتنا.
وأكدت مجددا أن قطر تولي اهتماماً بدعم الاستدامة وادماج تطبيقاتها المختلفة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وأن العقد الماضي شهد قفزة نوعية في تطوير وتطبيق رؤية رشيدة لمستقبل مستدام، من خلال مشاريع واقعية ذات اثر ملموس وبصمة مميزة شملت مشاريع الطاقة المتجددة.
وأشارت إلى رغبة حقيقية في ادراج قطر ضمن الدول الأكثر اهتماما واجتهادا في محاربة التغير المناخي والمساهمة الفعالة في التقليل من الاحتباس الحراري. كما نوهت إلى تفاعل واهتمام متزايد من الاجيال الجديدة بكل ما يخص الحفاظ على البيئة.. وإلى نص الحوار..
◆ هل يمكن للممارسات المحلية التقليدية المتعارف عليها منذ القدم أن تسهم في تحقيق الاستدامة؟
¶ ان ابسط تعريف للاستدامة هو القدرة والاستمرار في العيش والنمو مهما قست العوامل الخارجية وهذا تماما ما تمكن من فعله اجدادنا ومن قبلهم اذ تأقلموا مع بيئتهم وأحسنوا استغلالها لتمكن لهم العيش الهنيء وهذا نهج يقتدى به وأسلوب حياة جدير ان يلهمنا اليوم اذ ان الممارسات المحلية التقليدية تسهم بشكل كبير في تحقيق الاستدامة بمعاييرنا المعاصرة، فقد كانت العديد من المجتمعات الخليجية تعتمد حصريا على الموارد المتاحة وتحسن إدارة المياه للعيش والزراعة والرعي. كما ان البيوت والفرجان كانت تراعي الصعوبات المناخية وشح الموارد وتعتمد على مواد بناء محلية صديقة للبيئة مثل الطين والحجر والخشب. فمع اننا كثيرا ما ننظر الى ماضينا على انه بدائي الا ان اجدادنا كانوا أكثر انسجاما مع محيطهم وأكثر تقديرا وارشادا للموارد الطبيعية اذ كانوا يطبقون معظم المبادئ المستدامة العصرية من ترشيد للمياه الجوفية واستخدام للأسمدة العضوية والبناء بمواد متجدده ومحلية..
◆ هل تحقق هذه الممارسات الأهداف المرجوة، كزيادة الإنتاج، في قطاعات مثل الزراعة، خاصةً مع ندرة المياه في قطر؟
¶ من اهم المواضيع التي يتطرق اليها العلماء والمفكرون اليوم في العالم ان يميزوا بين الإنتاجية وجودة الحياة، فقد ركزت العديد من الاقتصادات في القرن الماضي على الجانب الإنتاجي في جميع المجالات، بما في ذلك الزراعة، ولم تطور بنفس الوتيرة منظومتها الصحية والتنموية فكانت النتيجة ما نشاهده من امراض مزمنة نعلم اليوم انها نتيجة للزراعة الصناعية وتحسين النسل واستعمال مفرط للمواد الكيمائية والادوية وانتشار واسع للمواد الغذائية التي بها نسب عالية من المواد الحافظة والزيوت المهدرجة.
في زمن ساد فيه الوعي الاجتماعي وتحسنت فيه ظروف المجتمع ينبغي علينا ان ننظر الى الاستدامة بطريقة شمولية تحاكي تطلعاتنا الاقتصادية وتحافظ على ارثنا الاجتماعي التاريخي. ففي قطاع الزراعة مثلا، دولة قطر تطبق حاليا عددا من الممارسات التقليدية المستدامة كالزراعة الموسمية، والتشجيع على استعمال المواد العضوية والترشيد العام في شبكات الري. ولعل من أبرز واهم التطورات الحديثة في مجال الاستدامة هو التركيز على تطوير نموذج اقتصادي وانتاجي يحترم طبيعة وتاريخ الشعوب وانه لفخر لنا ان نرى قطر تقصد هذا النهج.
◆ ماذا عن توجه الدولة لهذه الممارسات، وهل ترون عودة لها خلال السنوات الأخيرة؟
¶ تهتم دولة قطر بالممارسات الزراعية المستدامة وتعمل على دمجها مع التقنيات الحديثة خصوصا في استراتيجيتها لمواجهة شح المياه وتعزيز الامن الغذائي. فقد أطلقت قطر في ديسمبر 2024 «الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2030» والتي تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي عبر دعم المزارعين المحليين وتشجيع حفر الابار واستخدام المياه المعالجة في ري الأعلاف والحدائق. كما تعمل الدولة على مكافحة التصحر وتطوير الطاقات المتجددة.
تعتبر العودة الى عدد من الممارسات التقليدية خطوة في قمة الاهمية اذ انها ستسهم في تطوير نموذج اقتصادي أقرب لاحتياجاتنا وهويتنا وهذا لا يقتصر على الزراعة فحسب، فمفهوم الاستدامة هو مفهوم شمولي يحقق عدة غايات أبرزها الصحة والترشيد والاكتفاء الذاتي.
◆ هل من توسع في المشروعات البيئية المستدامة بالدولة، وهل ترتبط فقط بقطاع الزراعة؟
¶ تأخذ دولة قطر على عاتقها مهمة دعم الاستدامة وادماج تطبيقاتها المختلفة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ما يعزز دورنا في مؤسسة قطر كرافد للتعليم والبحث العلمي والتنمية المجتمعية، تزامننا مع الذكرى الثلاثين لانطلاق مسيرتها الممتدة على مدار 3 عقود، والتي حفلت بإسهامات وإنجازات جوهرية في مجالات التعليم والعلوم والبحوث وتنمية المجتمع.
فمن خلال شراكاتنا المختلفة مع القطاع الحكومي وخصوصا قطاع التعليم، لامسنا اهتماما متناميا بكل ما تطرحه مؤسسة قطر من برامج تعليمية واستكشافية وبحثية ولا سيما الموارد التي تعنى بالممارسات الزراعية المستدامة وكيفية دمجها مع التقنيات الحديثة.
لقد شهدت قطر في عقدها الماضي قفزة نوعية في تطوير وتطبيق رؤية رشيدة لمستقبل مستدام من خلال مشاريع واقعية ذات اثر ملموس وبصمة مميزة شملت مشاريع الطاقة المتجددة عبر انشاء عدة محطات للطاقة الشمسية في كل من الخرسعه -دخان-راس لفان -ام سعيد كما أنشأت الدولة محطات ومراكز عدة لإعادة تدوير النفايات، طورت أنظمة النقل المستدام من خلال تطوير خطوط المترو وتوسيع شبكة المواصلات الصديقة للبيئة ما يظهر اهتماما متزايدا ورغبة حقيقية في ادراج قطر ضمن الدول الأكثر اهتماما واجتهادا في محاربة التغير المناخي والمساهمة الفعالة في التقليل من الاحتباس الحراري.
◆ ماذا نحتاج لترسيخ مفاهيم الاستدامة لدى الأجيال الجديدة؟ وماذا تحقق في هذا الجانب؟
¶ نلمس من خلال تفاعلنا في مؤسسة قطر مع الاجيال الجديدة تفاعلا واهتماما متزايدا بكل ما يخص الحفاظ على البيئة اذ ان الشباب دائم الاطلاع على المستجدات والابتكارات من خلال سهولة الوصول الى مواقع التواصل الاجتماعي. كنا في الماضي نحتاج ساعات طويلة للبحث في المواضيع العلمية اما اليوم فقد صارت المعلومة متوفرة والوعي منتشرا مما يشجعنا على تركيز جهودنا في تعليم الطلاب والزوار كيف يكونون فعالين ومؤثرين في عملهم البيئي. نركز حاليا كل جهودنا في إدخال مفاهيم الاستدامة في المناهج التعليمية منذ المراحل الأولى، إلى جانب تنفيذ برامج توعوية في المدارس والجامعات، وتشجيع المبادرات البيئية الشبابية. كما اننا نطور باستمرار من اساليب تواصلنا وتفاعلنا مع جميع فئات المجتمع من أطفال وكبار القدر وذوي الاحتياجات الخاصة، فالاستدامة مسؤولية الجميع وفرصة لإدماج المجتمع والتعبير عن التعاون والتكاتف الاجتماعي لبلوغ اهداف مجتمعية مشتركة. وقد تحقق الكثير بالفعل في هذا الجانب، حيث نجحنا في تحفيز المؤسسات التعليمية في تنظيم أنشطة بيئية، وأطلقت مبادرات مجتمعية، وتم تمكين الشباب من خلال مسابقات ومشاريع تركز على الابتكار البيئي.
◆ جزيرة الاستدامة شكلت تجربة ناجحة في هذا المجال.. هل من خطط لمشروعات أخرى مستقبلاً؟
¶ بفضل من الله حققت جزيرة الاستدامة نجاحا كبيرا كمركز مجتمعي لاعادة التدوير يمكن الزوار من خلال التجربة العملية لمفاهيم الاستدامة ويعزز المعرفة من خلال الورش التطبيقية في مجال الزراعة المائية والطاقة الشمسية واعادة التدوير. مؤسسة قطر دائمة العطاء والابداع، حيث دأبت على مدار الثلاثين عامًا الماضية، يومًا تلو الآخر على الإسهام في مساعي التطوير في دولة قطر والمنطقة والعالم برّمته، من خلال جهودها في مجالات التعليم والعلوم والبحوث، والمبادرات التي استهدفت تقوية المجتمع وتمكينه.
ولا شك ان الأشهر القادمة ستشهد الإعلان عن مستجدات أخرى سيتم الكشف عنها لاحقا.
◆ حدثينا عن تعاونكم مع مؤسسات الدولة في مجالات الاستدامة
¶ الشراكة والتعاون بين المؤسسات يضمن النمو المتوازي لجميع قطاعات الدولة، بما في ذلك القطاع الخاص وقد كرسنا جهدا كبيرا في تطوير مبادرات مؤسسة قطر لندعو الجميع للانخراط فيها، فقد كنا على سبيل المثال اول من اطلق مبادرة حديقة ونبات التي تمكن الشركات الخاصة من الانضمام الى مبادرتنا الاجتماعية التي تهدف الى زراعة الشجر وتخضير المدينة التعليمية، ولا زالت تحظى هذه المبادرة بأوفر الحظ والاهتمام اذ بلغ مجموع الشجر المزروع 25000 شجرة في اقل من 5 سنوات من اطلاقها وقد تمت معظم الزراعة من قبل تلاميذ وطلاب وموظفين من القطاعين الخاص و العام.
تهدف مشاريعنا الى تحفيز الجميع ليكون لهم دور في احداث التغيير وهذا نهج يمكننا من الوصول الى جمهور أوسع. جزيرة الاستدامة في المدينة التعليمية تجسد هذا المفهوم فهي مبنية على شراكات عدة بين مؤسسة قطر والقطاعين العام والخاص منذ مرحلة التصميم ووصولا الى مرحلة التنفيذ والتشغيل اذ ان المصمم القطري ابراهيم الجيده قام بتصميمها ثم ساهمت شركة ملاحة بتزويدنا بالحاويات اللازمة لبنائها، ثم استعنا بشركة شاطئ البحر في انشاء جزء منها، فبادرت قطر للطاقة بإنشاء اول مركز تعليمي للطاقة الشمسية، وساهمت الشركة الاولية بإنشاء مركز تعليمي لتدريس وتدريب المشاركين في مجال اعادة التدوير، وابدعت شركة أغريكو للزراعة بتوفير مركز تكويني للزراعة المائية.. ما جعل من جزيرة الاستدامة اول صرح تعليمي يجسد جهود دولة قطر البيئية الاستثنائية ويقرب بعضا من مشاريعها وخططها لكافة الجمهور.