الجفاف والنزاعات في منطقة القرن الإفريقي يهددان حياة الملايين 

alarab
الجفاف والنزاعات في منطقة القرن الإفريقي يهددان حياة الملايين 
تقارير 25 مايو 2023 , 05:35م
قنا

تشهد منطقة القرن الإفريقي جفافا هو الأشد من نوعه منذ عام 1981، هدد حياة الكثير وتسبب في أزمة إنسانية لنحو 13 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال في الربع الأول من هذا العام، مخلفا واقعا مأساويا بين دول القرن الإفريقي التي تضم 7 دول وهي: إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا والسودان وجنوب السودان.
وحذرت الأمم المتحدة من كارثة محتملة، بينما وصفت منظمات إنسانية منطقة القرن الإفريقي بأنها مركز لواحدة من أسوأ حالات الطوارئ المناخية في العالم.
وتقول الأمم المتحدة إنها تلقت تعهدات دعم بقيمة 2.4 مليار دولار أمس "الأربعاء" خلال مؤتمر دولي، للمساعدة في تمويل عمليات إغاثة تستهدف نحو 32 مليون شخص في أنحاء إثيوبيا وكينيا والصومال، لكن التبرعات لم تصل إلى القدر الذي سعت إليه الأمم المتحدة وهو تقديم أكثر من سبعة مليارات دولار.
وقال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مؤتمر إعلان التعهدات في نيويورك أمس /الأربعاء/، إن السكان في القرن الإفريقي يدفعون ثمنا لا يقبله الضمير لأزمة مناخ لم يفعلوا شيئا للتسبب فيها، مضيفا أن الملايين من سكان دول القرن الإفريقي تهددهم أزمة وراء أزمة، جراء أطول موجة جفاف مسجلة، ونزوح جماعي بعد صراعات وانعدام للأمن على مدى سنوات، علاوة على ارتفاع حاد في أسعار الغذاء.
وجاء التعهد الأكبر من الولايات المتحدة، إذ بلغ 524 مليون دولار إضافية، بينما تعهدت المفوضية الأوروبية بتقديم 185 مليون دولار، وألمانيا 163 مليون دولار، وبريطانيا 120 مليونا، وهولندا 92 مليون دولار.
وبحسب منظمة الصحة العالمية واليونيسف، توفي نحو 40 ألف شخص خلال جفاف ضرب الصومال العام الماضي، نصفهم أطفال دون سن الخامسة، فيما يواجه ما يناهز 36.4 مليون شخص خطر المجاعة، وأشارتا إلى أن الاحتياجات هائلة وعاجلة، وتتجاوز حجم الأموال المتاحة للاستجابة لها، داعين إلى ضرورة التحرك الآن لمنع تجدد المأساة.
وعلى صعيد ذي صلة، وصفت منظمة اليونيسف وضع الأطفال والأسر في القرن الإفريقي بأنه مرعب ومخيف، مشيرة إلى أن ملايين الأرواح على حافة الهاوية، وتتوقع اليونيسف أن عدد المحتاجين في القرن الإفريقي يساوي تقريبا مجموع سكان اليونان والسويد، وهو ما يتطلب عملا إنسانيا فوريا ودعما ثابتا لبناء قدرة المجتمعات على الصمود في المستقبل.
وقد تسببت قلة الأمطار لمدة ثلاث سنوات متتالية في تدمير المحاصيل ونفوق أعداد كبيرة من الماشية بشكل غير طبيعي، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، إذ يؤدي نقص المياه والمراعي إلى إجبار العائلات على ترك منازلها، وإلى تغذية الصراع بين المجتمعات، وسط توقعات تشير إلى احتمال سقوط أمطار أقل من المتوسط جراء الظروف القاسية وتفاقمها خلال الأشهر المقبلة.
تحت هذه الأوضاع المريرة، ثمة تحذيرات أطلقها المجتمع الدولي عام 2022 من أن 5.5 مليون طفل في المنطقة مهددون بسوء التغذية الحاد، لا بد من استجابة جماعية عاجلة تجاهها، لضمان الوصول إلى المياه النظيفة والتغذية والأماكن الآمنة للأطفال، وإلا سيموتون أو يواجهون معاناة جسدية، ناهيك عن مصاعب نفسية ومعرفية قد تستمر على مدى الحياة، وعليه وجهت المنظمات الدولية نداء إنسانيا عاجلا لمنع وقوع كارثة للأطفال وعائلاتهم.
وتساعد المنح النقدية وخطط التأمين التي يقدمها البرنامج الدولي، على إنقاذ العائلات ومساعدتها على شراء الأعلاف لإبقاء مواشيهم على قيد الحياة أو تعويضهم عن الخسائر، وعلى التكيف مع تأثيرات تغير المناخ وبناء أنظمة غذائية أكثر استدامة وإنصافا وقوة، بجانب دعم الموظفين في المنظمات غير الحكومية العاملين في المجال الإنساني الذين يكرسون حياتهم لإنقاذ الأرواح.

وكانت دراسة نشرها المركز المناخي التابع لمنظمتي "الصليب الأحمر" و"الهلال الأحمر"، نهاية شهر إبريل الماضي، قد كشفت أن احتمال حدوث جفاف في منطقة القرن الإفريقي بات أكثر بنحو 100 مرة، بسبب أزمة المناخ الأقسى منذ نحو أربعة عقود من الزمن، فموسم الأمطار سجل شحا كبيرا طيلة الأعوام الخمسة الأخيرة، ما شكل -إلى حد كبير- أهمية قصوى لاستمرارية المجتمعات الزراعية التي تعتمد على رعي المواشي إلى حد كبير.
وفي دراسة عن التأثير المحتمل لتغير المناخ على الظواهر الجوية المتطرفة، أجرتها مجموعة أبحاث المناخ الدولية "World Weather Attribution"، أشارت الدراسة إلى أن تغير المناخ في منطقة القرن الإفريقي قد زاد من معدل تبخر الرطوبة من التربة وجعل تصحرها أكثر احتمالا، ما أدى إلى الجفاف، مؤكدة أنه لم يكن ليشتد إلى هذا الحد، لولا تأثير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فبدونها ما كانت الظروف في المنطقة لتنتج جفافا بشكل غير طبيعي، وهذا أسهم بتدمير المحاصيل والمراعي في منطقة يعتمد فيها أكثر من نصف عدد سكانها بشكل مباشر أو غير مباشر على الزراعة والثروة الحيوانية لكسب لقمة عيشهم.
ويرى فريق الباحثين في مجموعة أبحاث المناخ الدولية، أنه يتعين على منطقة القرن الإفريقي أن تكون أكثر قدرة على التكيف مع موجات الجفاف الحادة في المستقبل، وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الجديدة والمعرفة التقليدية على حد سواء، فالجفاف يتعدى كونه مجرد شح في الأمطار، وأن آثار تغير المناخ تعتمد بشدة على مدى ضعف استجابة الناس المتضررين للطرق الجيدة في التعامل معها.
ومع تزايد الاحتياجات في جميع أنحاء القرن الإفريقي، أصبحت المساعدة الفورية ضرورية لبناء القدرة على الصمود ولتجنب أزمة إنسانية كبرى، مثل تلك التي شهدها العالم في عام 2011 عندما مات 250 ألف شخص من الجوع في الصومال.. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 70% من الصوماليين البالغ عددهم نحو 14 مليونا يعيشون حاليا تحت خط الفقر.
وتقول المنظمات الدولية إن دول القرن الإفريقي وموقعها الجغرافي المتميز جعلها تواجه مخاطر الصراعات بين بعض دوله والحروب والنزاعات المسلحة وضعف الاستقرار السياسي، وكلها عوامل تؤدي للنزوح والتهجير والفقر والموت، فليست أزمة المناخ والجفاف وحدهما ما تتسبب بالفقر والمجاعة والوفيات، فالصومال يعيش على وقع أزمات سياسية مستمرة طيلة ثلاثة عقود من الزمن، تسببت مرات عدة في تعليق المجتمع الدولي لمساعداته المالية، حتى إن الخلافات السياسية باتت صفة ملازمة للحكومات الصومالية المتعاقبة، ناهيك عن هجمات حركة "الشباب"، مما يعوق وصول المساعدات الإنسانية، ويصعب مهمة المنظمات الأممية مثل برنامج الأغذية العالمي.
وفي إثيوبيا، تتجدد الصراعات المسلحة بين الحكومة وجبهة تحرير "التيغراي"، وهو ما أثر على حياة نصف عدد سكان إقليم تيغراي الذي يقطنه حوالي 5.5 مليون نسمة، وتسبب بتهجير الآلاف من السكان.
وهناك خلاف حدودي بين إريتريا وجيبوتي ألقى بظلاله على سكان المناطق الحدودية التي تعاني أصلا من الجفاف، ووقعت بسبب النزاع بعض المعارك المسلحة، كانت آخر محاولة لوقفها عبر توقيع اتفاق تاريخي عام 2018 ، تم على إثره تطبيع العلاقات بينهما بعد عشر سنوات من النزاعات.
كل هذه النزاعات بحسب الخبراء تقلل من فرص التنمية في هذه المنطقة الحيوية التي تتنافس القوى الكبرى للاستثمار فيها ونسج علاقات اقتصادية واستثمارية مع دولها، بما يعين دول القرن الإفريقي على تجاوز أزماتها المناخية، ويعود بالنفع على الملايين من شعوبها، وينتشلهم من كوارث الفقر والجوع والجفاف التي تفتك بهم.