

حثّ المسلمين على اغتنام شهر رمضان الفضيل لتبنّي ممارسات مسؤولة ومستدامة
حمّل الله تعالى آدم وذريته الأرض كأمانة لإعمارها وعدم إفسادها
كلّ فرد يجب أن يكون خليفة في الأرض.. ويلعب دوره في ضمان حمايتها
الفساد ليس سياسيا فقط.. بل هناك فساد بيئي
قال الدكتور عبدالعظيم أبو زيد، الأستاذ في كلية الدراسات الإسلامية، بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر: «لقد عزز الإسلام دائمًا موضوع الاستدامة؛ ونرى هذا بوضوح من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فقبل 1500 عام، وقبل ولادة مفهوم الاستدامة بوقت طويل، شجع الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم – كفاءة استخدام المياه، ونهى عن تدمير الأشجار، حتى أثناء الحروب».
وعن حديث آخر لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحسب الدكتور أبو زيد يقول: «لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ». قال الدكتور أبو زيد: «هذا الحديث كافٍ لتسليط الضوء على أهمية الاستدامة في الإسلام، ولكن نادرًا ما تنعكس تعاليم الإسلام عن الاستدامة في غالبية أمور حياتنا في وقتنا الحالي».
وأضاف الدكتور أبو زيد في تصريحات لـ «العرب»: «إن الإفراط في استخدام الماء عند الوضوء ليس فقط تجاهلًا صارخًا لما قاله نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولكنه أيضًا يحوّل الوضوء من أمر قد نؤجر عليه إلى أمر قد نحمل وزرًا عليه».
كفاءة استخدام الموارد الطبيعية
وأكد الدكتور أبو زيد أن الإسلام يدعو إلى كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، كما ذكر في الآية الكريمة، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ سورة الأعراف الآية 31، وأضاف الدكتور أبو زيد: «أمر الله بعدم الإسراف وهذا ينطبق على كل شيء في الحياة، سواء كان هدرًا في الطعام أو الماء أو الكهرباء أو حتى إضاعة الوقت، لكن غالبًا ما تُقابل وفرة النعمة بسلوكيات مفرطة ومُهدرة».
وتابع الدكتور أبو زيد: «نحن بحاجة إلى التغيير كمجتمع، ونحتاج إلى إعادة تصحيح بعض ممارساتنا الحياتية وإعادة تعلّم كيفية تطبيقها بصورة صحيحة، وأن نتحمل المسؤولية وبالتالي نصبح مسلمين أفضل، وليس هناك وقت أفضل لبدء ذلك من شهر رمضان الفضيل».
كذلك دعا الدكتور أبو زيد أولياء الأمور إلى غرس قيم الاستهلاك المسؤول والاستدامة في نفوس الأبناء، قائلًا: «البيت هو المدرسة الأولى والوالدان هما المعّلم الأول لأطفالهما. قد تقع مسؤولية التثقيف والإعلام بشكل أساسي على عاتق المدارس، لكن مسؤولية غرس القيم تقع على عاتق الآباء».
وأضاف: «يجب تذكير الأطفال والبالغين على حدّ سواء بأن الأمر لا يتعلق فقط بدفع فواتير المياه والكهرباء. كمسلمين، نؤمن بيوم القيامة، اليوم الذي سيُحاسب فيه البشر على أفعالهم في هذه الحياة، وفي ذلك اليوم، سيتم استجوابنا بشأن جميع أفعالنا المتعمدة التي تتضمن كيف أنفقنا ثرواتنا وكيف استخدمنا موارد ثمينة مثل المياه».
وأردف بالقول: «تعاني دولة قطر من ندرة المياه، ولكنّ ذلك لا يعني أنه يمكن إهدار المياه في أي مكان آخر بالعالم يمتلك ثورة مائية، إلا أنّ للأمر أهمية خاصة في بلد تندر فيه المياه بالفعل. فنحن ندرك جميعًا اليوم، أنه لا توجد فرصة لأن نتمكن من تبرير استهلاكنا عند الحساب، وإذا أدركنا لذلك، يمكننا اغتنام تلك الفرصة لتغيير سلوكياتنا».
رسالة إلى الشباب
كما دعا الدكتور أبو زيد الشباب إلى الانتباه لأفعالهم ووضع حد للعادات الضارة، ومن الأمثلة على ذلك، تجول الشباب في سياراتهم بلا هدف ذهابًا وإيابًا في الشوارع قبل وقت قصير من غروب الشمس.
وقال: «لنفكر بالأمر قليلًا، ما الفائدة التي يجلبها هذا الفعل؟ فهو ليس مضيعة للوقت الثمين في أكثر الشهور المقدسة فحسب، بل يُعد كذلك هدرًا للوقود وهو ما يضر حتمًا بيئتنا. هناك طرق أفضل للاستمتاع، طرق لا تأتي على حساب بيئتنا».
وأردف بالقول: «هدر الطعام هو بلا شك التحدي الأكبر في رمضان، فبدلاً من تنويع مائدتنا بأصناف الطعام، الذي قد ينتهي بإهدار نصفه، فلنشاركه مع من حولنا، سواء مع جيراننا أو العمالة أو سائقي التوصيل».
وكما ذُكر في الآية الكريمة: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ سورة القصص الآية 77.
الفساد البيئي
وأوضح الدكتور أبو زيد، قائلًا: «من المهم أن نفهم أن الفساد هنا لا يقتصر على الفساد السياسي بل يشمل الفساد البيئي، مثل التلوث الصناعي والضرر البيئي واستغلال الموارد الطبيعية. من خلال هذه الآية، يأمرنا الله بوضوح أن نتجنب إهدار الموارد والتسبب في تدهور البيئة».
وتابع: «لا يتطلب الأمر أكثر من التدبر في القرآن وحياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لإدراك مدى تركيز الإسلام على الاستدامة من خلال كفاءة استهلاكنا للموارد، فبدلاً من إساءة استخدامها، لنشجع بعضنا البعض على تبني سلوكيات مستدامة، بدءًا من شهر رمضان المبارك هذا العام».