مطالب بزيادة مراكز تعليم القرآن لطلاب «المستقلة»

alarab
تحقيقات 24 نوفمبر 2015 , 03:11ص
حامد سليمان
أكد دعاة ومختصون بعلوم القرآن على أهمية التوسع في مراكز تحفيظ القرآن الكريم، خاصةً مع تزايد المقبلين عليها، وحرص أولياء الأمور على تحفيظ كتاب الله لصغارهم، لما فيه من ثواب، وتحسين نطق اللغة العربية لديهم، وغيرها من الأمور التي تدفع الآلاف من أولياء الأمور للتقديم لأبنائهم في مختلف مراكز التحفيظ، سواء التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو المؤسسات الخيرية المعتمدة في الدولة.

ونوهوا بأهمية التعريف بفضل حفظ ودراسة القرآن الكريم، وأن تعمل وزارة الأوقاف والمؤسسات الخيرية على احتواء كافة الراغبين في دراسة كتاب الله، حتى وإن تم إلغاء المكافأة المقررة من الوزارة لهم، فالأهم هو حفظ الصغار للقرآن الكريم وتعلم أحكامه وغاياته، لافتين إلى أن التحفيظ سيكون بركة في أموال المحسنين بالجمعيات الخيرية، لما لدراسته من فضل، إضافة إلى غيره من العلوم الشرعية.

التوسع في دراسة القرآن

في البداية قال الداعية الدكتور محمد حسن المريخي، إمام وخطيب مسجد عثمان بن عفان بالخور: لا بد أن نعمل جاهدين على تحفيظ كتاب الله لأبنائنا، أو على أقل تقدير تعليمهم وتعويدهم على قراءته، فهي عبادة لله سبحانه وتعالى، ولها ثواب عظيم، وكذلك تعليم الناشئة والأجيال للغة العربية من المتغيرات التي تجري في حياتنا.

وأضاف: تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة إنفاق الآلاف من أجل تعلم اللغات الأجنبية، في حين أن البعض لا يفكر في إعطاء جزء من ماله ووقته لحفظ كتاب الله، فقد صرنا في أمسّ الحاجة لأن يقرأ أبناؤنا القرآن وإن استطعنا أن نحفظهم فيكون أفضل بكثير، أو ما تيسر منه على أقل تقدير، ولكن لا نحرم نفسنا فضل كتاب الله.

وتابع المريخي: يصف نبينا صلى الله عليه وسلم الصدر الذي لا شيء فيه من القرآن بالبيت الخرب، فعلى الأقل أن يكون لأبنائنا نصيب من القرآن، في مواجهة الموجة العارمة من الثقافات الغربية، فالكل بات يبحث جدياً عن تعلم اللغات الأجنبية، ولكن اللغة العربية باتت غائبة حتى في بعض المؤتمرات التي نجد العرب فيها يحرصون على قول كلمتهم بلغات أخرى، فحفظاً للغة بتنا في أمسّ الحاجة لقراءة القرآن وتعليم أبنائنا كتاب الله.

وأوضح إمام وخطيب مسجد عثمان بن عفان بالخور أن الأماكن المحدودة في الأوقاف ترجع إلى أن الموازنة لا تكفي مكافأة عدد كبير من الأطفال المتقدمين للحفظ، فعلى ولي الأمر أن يتقبل غياب المكافأة، وأن يعلم ابنه أن المكسب الحقيقي من تعلم القرآن هو الثواب الذي وعده الله سبحانه وتعالى من قرأ ومن حفظ كتابه.

وشدد على أن الجمعيات الخيرية تقع عليها مسؤولية كبيرة أيضاً في فتح آفاق تعلم كتاب الله مع الجميع، مشيراً إلى أن تحفيظ كتاب الله هو بركة في أموال المحسنين، وعلى مسؤولي الجمعيات الخيرية أن يعوا هذا الأمر، وأن يخصصوا نصيبا من التبرعات لهذا المشروع الهام.

وأكد المريخي على أهمية التوسع في برامج تحفيظ كتاب الله، وأن يجتهدوا قدر المستطاع في قبول المزيد من الطلاب، وأن يضعوا الخطط التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم وزيادة عدد المقبولين في هذا العمل العظيم، بما يمكنهم من استقبال كافة الطلاب الراغبين في حفظ القرآن، فهو عمل خيري عظيم.

وأشار المريخي إلى أن أساس العلم هو العلوم الشرعية، وعلى المدارس المستقلة أن تزيد من نصيب تعلم الطلاب من القرآن الكريم بكل السبل، فمن الأولوية أن يتعلم أبناء المسلمين العلم النافع وعلى رأسه كتاب الله، ومن الممكن أن يزيد المقرر الشرعي لطلاب المدارس، وأن يزيد مقررهم من كتاب الله، فوجود الطالب في المدرسة فرصة عظيمة لإيصال هذا العلم له، وإذا خرج الطالب من المدرسة انشغل باللعب واللهو واستذكار دروسه؛ لذا فالمدرسة تمثل فرصة جيدة لجمع التلاميذ حول عمل عظيم كقراءة وحفظ القرآن، خاصة أن المدارس المستقلة تجمع عددا كبيرا من أطفال قطر، وأن العلم الشرعي بات مطلوب بصورة ملحة للجميع، فمن تعلموا القرآن الكريم في صغرهم تعلموا فيما بعد اللغات وغيرها من الأمور، فلم يعطلهم الأمر عن استكمال حياتهم على الوجه الذي يرغبونه، وما زاد القرآن في حياتهم إلا البركة.

توسع في التحفيظ


ومن جانبه قال علي إبراهيم الغريب، نائب مدير إدارة شؤون مراكز تنمية المجتمع: يأتي اهتمام قطر الخيرية متمثلة في مراكز تنمية المجتمع والبالغ عددها 9 مراكز منتشرة في الدولة، ومتخصصة في تقديم خدمات تنمية المجتمع وتحفيظ القرآن الكريم وتدريس تعاليمه، من منطلق أنه كتاب الله ودستور الأمة، وبهدف ربط المنتسبين بالقرآن علماً وعملا ولمساعدة الأجيال القادمة بالتخلق بأخلاقه وتطبيقه في جميع شؤونهم، والعمل على تخريج جيل حافظ ومجود للقرآن يقوم بدوره بإمامة المساجد مستقبلاً وتعليم كتاب الله، كما أن قطر الخيرية تقدم الدعم المادي والمعنوي لمراكز أخرى لتحفيظ القرآن الكريم بالدولة.

وأضاف: مراكزنا بها 25 محفظا ومحفظة، أما عدد المنتسبين لها من الراغبين في حفظ كتاب الله فقد تجاوز 600 منتسب ومنتسبة من جميع فئات المجتمع والأعمار تقريباً، حيث تحرص قطر الخيرية على فتح باب القبول لأكبر عدد من ممكن، حرصاً منها على القيام بهذه الرسالة السامية.

وتابع الغريب: يعتبر التعامل من الأطفال ما دون سن الدراسة أكثر صعوبة تواجه المحفظين؛ حيث يحتاجون إلى أوقات أطول للتعليم والمتابعة ويحتاجون لتخصيص معلمين ومعلمات مختصين في التعامل معهم، ونحن في مراكز تنمية المجتمع نستقبل الأطفال من سن 6 سنوات؛ حيث يتم تعليمهم أساسيات اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات وتحفيظ القرآن الكريم وأيضاً القاعدة النورانية.

وأشار إلى أن قطر الخيرية لديها خطط للتوسع في مراكز تنمية المجتمع بحسب متطلبات واحتياجات المناطق الجغرافية في الدولة وبحسب عدد المستهدفين، وبما يتناسب مع رؤية قطر الخيرية في جانب التوسع والانتشار حسب توجيهات مجلس إدارة الجمعية ورئيسها التنفيذي، بعمل دراسة عامة لاحتياجات فتح مراكز تنمية مجتمع في مناطق جديدة بالدولة؛ حيث نهدف إلى زيادة الأنشطة والفعاليات والبرامج المقدمة لتنمية المجتمع، أفراد ومؤسسات عن طريق تفعيل الشراكات المجتمعية مع مختلف مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية وأيضاً نتطلع للانتشار خارج الدولة؛ حيث نقوم باستضافة وتنظيم دورات تدريبية وفعاليات وبرامج مع مختصين ومدربين وعلماء دين من خارج الدولة.
وأكد الغريب على عمل مراكز تنمية المجتمع على الإسهام في تنمية المنتسبين والمقبلين على حفظ كتاب الله، من خلال مشاركتهم في الدورات التدريبية والبرامج والفعاليات والأنشطة، التي تقام في مراكز تنمية المجتمع على مدار العام والاستفادة من علماء الدين والمشايخ والتربويين في التنمية، إضافة إلى زيادة الوعي لدى السكان بأهمية عمل مراكز تنمية المجتمع والتي تقوم بتعليم كتاب الله.

وأردف: ونعمل على مساهمة الشركات والمؤسسات المختلفة في تنظيم مسابقات تنافسية في حفظ القرآن الكريم، على مستوى الدولة ووضع جوائز مالية قيّمة للمشتركين وأيضاً منح الفائزين في حفظ كتاب الله امتيازات توظيف، والاهتمام باختيار المعلمين اختياراً دقيقاً بحيث يكون المعلم متصفاً بقوة الشخصية وذَا خلق رفيع وديانة قوية، ناهيك عن الاستفادة من التقنية الحديثة في التعلم.

وأشار نائب مدير إدارة شؤون مراكز تنمية المجتمع بقطر الخيرية إلى أن قلة مكافآت المحفظين في مراكز تعليم القرآن ترجع إلى أن أغلبهم لا يعملون بنظام الدوام الكامل، بل يعملون بنظام جزئي ورغم ذلك قامت قطر الخيرية بزيادة رواتب المحفظين والمحفظات، بما يتناسب مع مؤهلاتهم وساعات العمل المطالبين بها.

ونوه بأنّ مراكز تنمية المجتمع التابعة لقطر الخيرية هي: 1- مركز تنمية المجتمع فرع الخور رجال، 2- مركز تنمية المجتمع فرع الخور نساء، 3- مركز تنمية المجتمع فرع الذخيرة نساء، 4- مركز تنمية المجتمع فرع غرافة الريان رجال، 5- مركز تنمية المجتمع فرع الريان نساء، 6- مركز تنمية المجتمع فرع الرويس نساء، 7- مركز تنمية المجتمع فرع الوكرة نساء، 8- مركز تنمية المجتمع- قمم، 9- مركز تنمية المجتمع- الأصدقاء الثقافي.

العلم بالقرآن للعلامة القرضاوي

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي على موقعه الإلكتروني في العلم بالقرآن الكريم: القرآن هو كتاب الإسلام، والمصدر الأول لتشريعه وتوجيهه، وهو -كما قال الشاطبي- كلية الشريعة وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر المسلمة، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل:89]. فلا بد من معرفته لأن من لم يعرف القرآن لم يعرف شريعة الإسلام.

وقد ذكر الغزالي هنا تخفيفين: أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب، بل ما يتعلق بالأحكام منه، قال: وهو مقدار خمسمائة آية. ووافق الغزالي على هذا التقدير القاضي ابن العربي، والرازي وابن قدامة والقرافي وغيرهم. واعترض على الغزالي ومن وافقه هنا من عدة أوجه: أولا: أن آيات الأحكام أكثر من ذلك، فقد نقل عن الإمام عبدالله بن المبارك تقديرها بتسعمائة آية. وقيل أكثر من ذلك. وعلق الشوكاني على تقدير الغزالي بقوله: «ودعوى الانحصار في هذا المقدار إنما هي باعتبار الظاهر، للقطع بأن في الكتاب العزيز من الآيات التي تستخرج منها الأحكام الشرعية أضعاف أضعاف ذلك بل من له فهم صحيح، وتقدير كامل يستخرج الأحكام من الآيات الواردة لمجرد القصص والأمثال». قيل: «ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات لا بطريق التضمن والالتزام». «وقد حكى الماوردي عن بعض أهل العلم: أن اقتصار المقتصرين على العدد المذكور إنما هو لأنهم رأوا مقاتل بن سليمان، أفرد آيات الأحكام في تصنيف وجعلها خمسمائة آية».

ثانيا: ما ذكره العلامة القرافي من أن استنباط الأحكام إذا حقق لا تكاد تعرى عنه آية. فإن القصص أبعد شيء عن ذلك، والمقصود منها الاتعاظ.. وكل آية وقع فيها ذكر عذاب أو ذم على فعل كان ذلك دليل تحريم ذلك الفعل، وكل ما تضمن مدحا أو ثوابا على فعل، فذلك دليل طلب ذلك الفعل وجوبا أو ندبا. وقال الطوفي الحنبلي: «قَلّ أن يوجد في القرآن آية لا يستنبط منها شيء من الأحكام».

ثالثا: ما قاله العلامة الحنفي ابن أمير الحاج: «إن تمييز آيات الأحكام من غيرها متوقف على معرفة الجميع بالضرورة. فهناك كثير من الموضوعات تثار في جوانب شتى من الحياة، يستدل على جوازها أو منعها من القرآن الكريم».

ومنذ سنوات حينما ثار الجدل بين بعض العلماء وبعض حول صعود الإنسان إلى القمر، كان منهم من يمنع ذلك مستندا -في زعمه- إلى الآيات التي تشير إلى حفظ السماء: {وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا} [فصلت:12]. وكان آخرون يستدلون على إمكان ذلك وجوازه شرعا بمثل قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} [سورة الرحمن:33]. قالوا: والسلطان هنا هو سلطان العلم!

والذين توسعوا في التفسير (العلمي) للقرآن، ومحاولة استخراج القوانين والحقائق العلمية من بين آياته، كانوا يستدلون بمثل قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام:38].

والإمام الغزالي حاول أن يستدل على شرعية تعلم المنطق وصحته بآيات استنبطها من القرآن العزيز. وهذه الآيات قد لا يسلم لمن استدلوا بها على الجواز أو المنع، ولكن المجتهد عليه أن يحيط بها، ويكون له في فهمها رأي مستقل، موافق أو مخالف. ومثل ذلك ما ثار من نحو نصف قرن حول ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى وما استشهد به المؤيدون والمعارضون من آيات تشهد لهم، وتسندهم في دعواهم، وجلها أو كلها من القرآن المكي، وهي بمعزل عن آيات الأحكام المعهودة. والذي أرجحه: أن يكون للمجتهد اطلاع عام على معاني القرآن كله هذا مع توجيه عناية خاصة إلى الآيات التي لها صلة وثيقة بالأحكام. وهذه يلحظها المجتهد وإن كانت بين ثنايا القصص والمواعظ، ولهذا رأيناهم ذكروا في آيات الأحكام ما يؤخذ من قصة الخضر مع موسى عليه السلام، مثل جواز ارتكابه أخف الضررين تفاديا لأشدهما، ومنه خرق السفينة حتى يجدها الملك الظالم معيبة فلا يأخذها غصبا. وما ذكره في قصة يوسف من الجعالة والكفالة: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} [يوسف:72]. ومشروعية بعض صور الحيلة لتحقيق أغراض مشروعة، كما صنع يوسف مع أخيه.

ونحن في عصرنا نجد في قصة يوسف من الدلالة على مشروعية التخطيط الاقتصادي لمواجهة الأزمات من العمل الدائم على زيادة الإنتاج: {تزرعون سبع سنين دأبا} [يوسف:47]، وتنظيم الادخار {فما حصدتم فذروه في سنبله} [يوسف:47]، وتقليل الاستهلاك {إلا قليلا مما تأكلون} [يوسف:47]، والإشراف عليه {يأكلن ما قدمتم لهن} [يوسف:48] وهكذا.

ومثل ذلك ما نجده في قصة ذي القرنين.

والتخفيف الثاني: الذي ذكره الغزالي هنا: أنه لا يشترط فيما يطلب معرفته من الآيات حفظها عن ظهر قلب، بل يكفي أن يكون عالماً بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج إليها في وقت الحاجة.
ولا ريب أن حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب أولى، ويجعل صاحبه أقدر على استحضار الآيات المطلوبة في موضوعه من دون معاناة تذكر، ولكن قد وجدت اليوم فهارس تعين غير الحافظ على استحضار ما يريد في موضوعه بسهولة، وحسبنا هنا «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» والفهارس الموضوعة للقرآن مثل كتاب «تفصيل آيات القرآن الكريم» وإن كان لا يشبع النهم.

معرفة أسباب النزول

ومما يدخل في العلم بالقرآن الكريم: العلم بأسباب نزوله، فإن العلم بها يلقي ضوءا على المقصود بالنص القرآني، وإن كان الراجح عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

يقول الإمام الشاطبي في «موافقاته»:

«معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:

أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطب أو المخاطب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام، لفظه واحد، ويدخله معان آخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال: وليس كل حال ينقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة كل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد، ومعنى معرفة السبب هو معرفة مقتضى الحال، وينشأ عن هذا الوجه.
الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع.

ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي، قال: «خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا، قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال، فعرفه، فأرسل إليه، فقال أعد علي ما قلت، فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه».. قال الشاطبي: وما قاله صحيح في الاعتبار، ويتبين بما هو أقرب.

فقد روى ابن وهب عن بكير: «أنه سأل نافعا: كيف كان رأي ابن عمر في الحروية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين» فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن.

وروى «أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس، وقال قل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرأ: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} إلى قوله: {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} [آل عمران:187،188]» فهذا السبب بين أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان.

وقد عُني المفسرون بأسباب النزول ودونوها في كتبهم، كما أفردها بعضهم بكتب خاصة مثل كتاب الواحدي، وكتاب «لباب النقول بأسباب النزول» للسيوطي.

ولكن مما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن كثيرا من أسباب النزول لم تثبت صحتها وجملة الصحيح منها قليل جدا.