حظي خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، أمام الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، باهتمام وسائل الإعلام والمحللين والخبراء بدول العالم، حيث لم يكن مجرد خطاب سياسي تقليدي، بل وثيقة سياسية متكاملة، أعادت تصويب مسار الخطاب الدولي تجاه القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية.
ومن الدول التي لقي فيها خطاب حضرة صاحب السمو أصداء واسعة المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، حيث قال عدد من الخبراء والمحللين السياسيين الأردنيين، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن خطاب سمو الأمير اتسم بالوضوح، والجرأة، والاتزان، وعبّر عن رؤية استراتيجية متكاملة تقوم على احترام القانون الدولي، ونبذ الازدواجية، ورفض التدخلات الخارجية، وتعزيز الحوار كطريق وحيد لحل النزاعات. كما أكدوا أن الخطاب وجّه رسائل حازمة إلى القوى الفاعلة في النظام الدولي، بضرورة إعادة الاعتبار للعدالة الدولية، بعيدا عن المصالح الضيقة والمعايير الانتقائية.
فمن جانبه، قال الدكتور ساهر العدوس، أستاذ المالية في جامعة البلقاء الأردنية، إن خطاب سمو الأمير تميز بالشجاعة الفكرية والسياسية وأضاف: "حين يتعرض بلد مثل قطر، المعروف بدوره الإنساني والوسيط النزيه في النزاعات، لعدوان مباشر من دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويقابل ذلك بصمت دولي، فإن هذا يثير تساؤلات كبرى حول مصداقية النظام الدولي".
وأكد العدوس أن الخطاب كان حاسما في التأكيد على ثبات الموقف من القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر العدالة الدولية في المنطقة، وقال: "خطاب سمو الأمير حمل النظام الدولي مسؤولية التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط عبر الصمت، بل أيضا عبر توفير الغطاء السياسي والعسكري، وترك الفلسطينيين فريسة لآلة القمع والحصار".
ولفت إلى أن استمرار قطر في لعب دور الوسيط، رغم تعرضها للعدوان، يعكس نضجا سياسيا واستراتيجيا كبيرا، ويؤكد أن الدبلوماسية القطرية لا تُدار برد الفعل، بل برؤية متماسكة تستند إلى المبادئ.
وبدوره، اعتبر الدكتور خلدون نصير، رئيس المنتدى الاقتصادي والديمقراطي الأردني، في تصريحات لـ"قنا"، أن الخطاب أعاد تعريف الدور المطلوب من الدول في مواجهة الأزمات العالمية، لافتا إلى أن قطر أصبحت اليوم دولة مؤثرة تمتلك أدوات القوة الناعمة، وقادرة على التأثير الإيجابي في الملفات الإقليمية والدولية المعقدة.
وقال الدكتور نصير: "دولة قطر تتعامل مع النظام الدولي بمنطق الشريك الفاعل، وليس التابع أو المفعول به، وهذا ما عكسه خطاب سمو الأمير؛ حيث تحدث بلغة المسؤولية، لا لغة الاتهامات الفارغة. وشدد على القيم، لكنه لم يتجاهل الوقائع، ووضع خريطة طريق سياسية وأخلاقية للخروج من الأزمات".
وأشار إلى أن دولة قطر تنتهج سياسة خارجية مبنية على احترام سيادة الدول، وتعزيز الاستقرار، وتقديم المساعدات الإنسانية دون شروط سياسية، وهو ما يجعلها محل ثقة وموضع تقدير عالمي.
ونبّه الدكتور خلدون نصير، رئيس المنتدى الاقتصادي والديمقراطي الأردني، إلى أن الوساطة القطرية في أكثر من ملف، من أفغانستان إلى غزة، لم تأتِ من فراغ، بل من تاريخ طويل من المصداقية والاحترام، وهذا ما أكده الخطاب عندما شدد سمو الأمير على أن قطر لا تمارس ضغوطا، ولا تصطنع وساطات شكلية، بل تلتزم بمواقفها الإنسانية والسياسية حتى النهاية"، حسب تعبيره.
ومن جهتها، أكدت رهام جرادات، خبيرة العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، أن خطاب سمو الأمير لم يكن موجها فقط للجمعية العامة، بل كان خطابا استراتيجيا إلى القوى الكبرى الفاعلة في العالم، دعاها فيه إلى مراجعة سياساتها، والتوقف عن دعم أنظمة القمع، أو غض الطرف عن انتهاكات صارخة ضد القانون الدولي.
وقالت جرادات: "رسالة سمو الأمير كانت واضحة: لا سلام دون عدالة، ولا وساطة ناجحة دون احترام متبادل. وقد وضع العالم أمام معادلة بسيطة: إما أن تكون الأمم المتحدة منصة لصيانة السلم والأمن الدوليين، أو تصبح مجرد مسرح للخطابات في ظل غياب الأفعال".
ورأت جرادات أن الدبلوماسية القطرية قدّمت نفسها، عبر هذا الخطاب، بوصفها طرفا عاقلا في نظام دولي مأزوم، مؤكدة أن إصرار سمو الأمير على استمرار الوساطات، رغم الاعتداء الإسرائيلي، يعكس شجاعة سياسية وثباتا في الموقف.
وأضافت: "لقد جسد سموه خطاب الدولة القائدة لا التابعة، الدولة التي لا تقبل المساس بسيادتها، لكنها في الوقت نفسه لا تستخدم الانتقام وسيلة للرد، بل تعمل بمنهجية هادئة تقوم على التأثير لا الانفعال".
وأجمع المحللون على أن خطاب صاحب السمو -حفظه الله- جاء في توقيت حرج تمر به المنطقة والعالم، حيث تتزايد النزاعات وتنهار أدوات الردع الأخلاقية والقانونية، مشيرين إلى أن قطر تقدم نفسها كصوت عقل واتزان في زمن يغلب عليه الصخب والضجيج السياسي.