مناطق الجزائر العتيقة تحافظ على تقاليدها وطقوسها الساحرة في شهر رمضان

alarab
مناطق الجزائر العتيقة تحافظ على تقاليدها وطقوسها الساحرة في شهر رمضان
عربي 24 مارس 2024 , 04:42م
قنا

 تستقطب المناطق التاريخية القديمة في الجزائر، الزائرين وخاصة في شهر رمضان الذي ينجذب فيه كثير من الناس للمناطق التاريخية العتيقة التي يحلو فيها السهر في ليالي شهر رمضان المميزة، وتتجسد تلك الصورة في مناطق عدة في الجزائر أبرزها أحياء القصبة التاريخية وسط الجزائر العاصمة، التي تلفت الأنظار إليها في شهر رمضان خاصة من خلال الأجواء الساحرة التي تعم الشوارع والأزقة خلال الشهر الكريم، بحيث تكتسي المنطقة ثوبا بهيا يربط الماضي بالحاضر، ويعود بالزائر إلى ذكريات الزمن الجميل.
ولعل أهم ما يميز القصبة التاريخية في رمضان هو تراثها العاصمي القادم من مئات السنين، فتتزين شوارعها بالأضواء الملونة واللاصقات المكتوبة يدويا بأدعية وذكر كثير لله.
وقال المؤرخ محمد بن مدور رئيس جمعية عقال بالقصبة في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "إنها "لؤلؤة الجزائر"، أو "عروس البحر الأبيض المتوسط"، للقصبة الأثرية ألقاب شهيرة، فقد بناها العثمانيون في القرن السادس عشر الميلادي، لتتحول في العصر الحالي إلى أحد أهم وأجمل معالم التراث الإنساني العالمي، وأحن فعلا إلى أيام رمضان التي قضيتها في القصبة وأنا طفل صغير، لكن الشيء الجميل هو التمسك بعادات رمضان ذاتها".
وأضاف بن مدور قائلا: "عندما تدخل حي القصبة تتغير نظرتك للحياة، هنا مازالت المبادئ والقيم راسخة، التكافل والتعاون، تشارك موائد رمضان..إلخ".
وتعج مساجد القصبة الضيقة بالمصلين مباشرة بعد الإفطار، إذ يتسابقون للظفر بمكان في الصفوف الأولى وهو ما يعتبر فوزا كبيرا بعد يوم صيام شاق كما لسهرات رمضان رائحة مميزة في القصبة، تتعالى أصوات الأطفال الذين يتسابقون إلى بيوت الجيران فالعادة هنا هي تنظيم مائدة السحور كل يوم عند عائلة مع تحضير "بوقالات" وهي عبارة عن أمثال شعبية وحكم يتفاءلون بها، ناهيك عن إبريق الشاي بالنعناع والقرنفل وحلوى الطابع الشهيرة جدا في هذه المنطقة".
وصادفتنا الحاجة فتيحة المولودة بهذا الحي الشعبي العتيق، وقالت لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "أعتبر نفسي جزا من الذاكرة الجماعية لمدينة القصبة، فمازلت أحمل تقاليد طفولتي والعادات التي تربيت عليها".
ويبدأ اليوم الرمضاني في أزقة هذه المدينة المصنفة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو باكرا، فترى النساء سواسية مع الرجال حاملين قففا مصنوعة يدويا من الخشب تسمى محليا "قفة زمان"، وهذا قصد التسوق واقتناء اللحوم والخضراوات الطازجة لإعداد طاولة إفطار تختلف عن مثيلاتها بأشياء عدة أبرزها عروس المائدة "الشوربة البيضاء" وهي حساء معروف فقط في القصبة وضواحيها مكون من دجاج وشعرية وبيض وحامض، تتم مرافقته بـ "خبز الدار" المخبوز في البيت إضافة إلى الطبق الرئيسي الذي عادة ما يكون "شطيطحة" إما باللحم أو الدجاج مع بعض السلطات ومشروب الشاربات، وعادة ما يفضل سكان القصبة الإفطار فوق أسطح "الدويرات" أو المنازل.
وفي غرب الجزائر، إلى مدينة وهران التي ما إن تذكر حتى يخطر على بال السامع شارع "سيدي الهواري" العتيق، الذي يعتبر من بين أقدم أحياء البحر الأبيض المتوسط، عاصر عدة حقب تاريخية كل منها تركت بصمة في هذا المكان الذي يزداد تميزا بقدوم شهر رمضان، حيث يرتدي حي "سيدي الهواري" حلة جديدة كل سنة مع حلول الشهر الكريم، فبمجرد اقترابك من المكان تعود بالزمن إلى سنين خلت كان كل شيء فيها بمقدار، ويختلف طعم شهر رمضان الكريم في حي "سيدي الهواري" عن أي منطقة أخرى، إذ ينفرد الحي خلال هذا الشهر بنكهة مميزة هي انعكاس لروح أهل هذا الحي، المعروفين بالطيبة والحيوية والمرح ولهجتهم المميزة كذلك.
وكشف البروفيسور، محمد بن جبور، رئيس مخبر البحث التاريخي بجامعة وهران لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، عن أن حي "سيدي الهواري" يشكل موقع بحث متجدد كل سنة، "فطقوس قاطنيه وتقاليده مغايرة، فيها روح مميزة لا يمكن أن نصادفها في أي شارع آخر، ولرمضان بصفة خاصة نفحة فريدة في سيدي الهواري، مبانيه التاريخية وشرفات المنازل القديمة المزينة، الأزقة الضيقة والمتاجر المتزاحمة هي من تعطي شهر الصيام سمة خاصة".
ويضيف بن جبور: "ناهيك عن طبيعة سكان هذا الحي العتيق، إنهم يقدسون شهر رمضان يتفرغون له ويعدون له العدة المادية والمعنوية، نحن نحرص على القيام بأبحاث هذا الحي التاريخي كل سنة".
فبمجرد دخولك هذا الحي يشد انتباهك الزينة الرمضانية في شرفات المباني العتيقة، وتحية (مرحبا بيك خويا، رمضانك مبروك) تسمعها من الصغير والكبير بلهجة وهرانية مميزة.
ومع اقتراب موعد آذان المغرب، تتزين طاولات الإفطار بعديد الأطباق الشهية، تعرف بها مطابخ الغرب الجزائري، والمستوحاة من ترسبات ثقافات كثيرة خلفها وجود الأندلسيين والأتراك والفرنسيين في حقب مضت، أهمها طبق الحريرة التقليدية الذي لا يفارق موائد سكان سيدي الهواري، إضافة إلى "المعقودة، وسمك السردين المقلي".