د. أمينة الجابر أستاذة الشريعة والفقه المقارن وفقه الأسرة تكتب: مجلس الشورى القطري المنتخب.. والضوابط الشرعية

alarab
محليات 23 أغسطس 2021 , 12:20ص
د. أمينة الجابر

الشورى مشروعة ومقننة قبل 14 قرنا في كتاب الله وسنة نبيه (وشاورهم في الأمر)

صفات وخصائص لأهل الشورى يتميزون بها عن غيرهم:
 العقل والتجربة وأن يكون محباً لمجتمعه ومواطنيه 
 الاستقلال في الرأي خالياً من المزاجية 
 الشجاعة الأدبية في إبداء الرأي وقول الحق ولو كان مُراً 
 الدين والاستقامة.. فالمستشار مؤتمن

 

الحمد لله رب العالمين الذي أنزل سورة الشورى في كتابه العزيز والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبدالله قائد الأمة الذي التزم بالشورى وعلى آله وصحبه الغر الميامين الذين ساروا على نهجه في الشورى وساروا على هديه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين... وبعد 
فإن المجتمعات الإنسانية تسعى إلى التمدن والتحضر بسَن قوانين تساعدها على تحقيق أهدافها العليا من الأمن والأمان في النفس والمال والدين والنسل والعقل وهي نفسها ما يطلق عليها في الشريعة الإسلامية المقاصد الكلية العليا.. وللوصول إلى الكمال الإنساني لابد من تكوين مجلس للشورى يجمع أهل العلم والخبرة والحنكة في شتى مجالات الحياة للوصول إلى الحياة الفضلى للمجتمع.

واليوم نجد دولة قطر تسعى لتكوين مجلس شورى منتخب ونرجو أن يكون لهم في مؤسس أول دولة مدنية فاضلة قائمة على دستور الأمة (القرآن الكريم) وتطبيقه من خلال السنة النبوية الشريفة - محمد رسول الله - أعظم البشر على الإطلاق القدوة الحسنة وقد وصى أمته وأرشدها إلى طريق الخلاص بقوله «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ».
ولكن.. كيف نستطيع الاستفادة من الشورى الشرعية لتكوين برلمان (مجلس شورى) جديد يتناسب ورؤية قطر لمصلحة المجتمع والأجيال القادمة بإذن الله بعد أن فشلت الأيدلوجيات الغربية والشرقية في المجتمعات العربية المسلمة؟ ذلك أن خصائصنا الحضارية لم تولد من فراغ وإنما تنتمي جذورنا إلى حضارة إنسانية إسلامية خالدة قائمة على شهادة (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) كيف ذلك؟
  في مكة كانت بيعة العقبة الأولى ولدت أول مؤسسة دستورية بالاختيار وهي مؤسسة النقباء الاثنى عشر (مجلس شورى) من الأنصار.
بعد الهجرة تكونت الدولة المدنية ووجدنا المصطلحات السياسية (علم السياسة) في القرآن والسنة (دولة – أمة – شعب – حكومة – ولاية – طائفة – شورى – عدل – مساواة – قضاء – تشريع.. إلخ) ولكل مصطلح أصول ومعانٍ مفسرة في القرآن ولذا يمكننا القول إن الفكر السياسي قائم على الشريعة الإسلامية تنظيرا وتطبيقا وبهذا فالإسلام سبق كل الأنظمة الحديثة التي تتغنى بالديمقراطية (العرجاء والعمياء) وحرية الإنسان في اختيار من يسوسه ويعد نموذجاً فريداً متكاملاً للحياة الإنسانية متفرداً بقيمه ومبادئه مقدماً علاجاً كاملاً شافياً لمشكلات الإنسان على الأرض فالسياسة هي رابطة العقد القوية للمجتمع المسلم حين يطبعه العدل والمساواة والإخاء والتوازن «يقول العقاد.. ك-الديمقراطية في الإسلام..»
  وتقوم الديمقراطية في المنظور الإسلامي على أربعة أسس:
1. المسؤولية الفردية.
2. عموم الحقوق وتأويلها بين الناس.
3. وجوب الشورى على ولاة الأمور.
4. التضامن بين الرعية مع اختلاف الطوائف والطبقات.

  والحذر كل الحذر من الديمقراطية الفردية التي تتمثل في تصدر الأحزاب ومجلس التشريع والفصل بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، فهي لا تعرف التقيد بالقيم الأخلاقية في كثير من الأمور ولذا تقرر من التشريعات ما يناقض الفطرية السوية والتي بعث الله النبيين والمرسلين لهداية البشر إلى جادة الصواب وتحاول إحياء طغيان البشرية القديم في المجتمعات الحديثة وخاصة العربية المسلمة فتعمل على:
- إحياء الطغيان القائم على الجشع والربا والابتزاز والاستغلال (قوم شعيب).
- الطغيان والتسلط السياسي متعدد الأشكال والأنواع (الاستعمار القديم والحديث للدول العربية والمسلمة (فرعون وقوم موسى))
- الطغيان الأخلاقي والفساد الأخلاقي الاجتماعي (قوم لوط).
- الطغيان العقائدي (البيت الإبراهيمي) النمرود وقوم إبراهيم.. وهي من أخطر القضايا على المجتمعات الإنسانية وبالأخص عقيدة التوحيد فى المجتمعات الخليجية الحديثة التطور.
- إن الشورى مشروعه ومقننة قبل أربعة عشر قرنا في كتاب الله وسنة نبيه (وشاورهم في الأمر) – (وأمرهم شورى بينهم)..
- لم يضع الرسول (القائد الأوحد للأمة) نظاما معينا للشورى وإنما تركها لأمته تجتهد في أوصافها بالكيفية التي تراها مناسبة للزمان والمكان والبشر والعصر حسب ظروفهم وحاجاتهم.
- الشورى الشرعية هي أساس الحكم العادل فقد ورد في المحرر الوجيز لابن عطية: (الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه) ووافقه جمهور العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً هذا الرأي.

  ومن قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) نرى أنه يوجب على الدولة وضع ضوابط لتطبيق هذا المبدأ لضمان سلامة تلك الممارسة الشرعية لإيجاد أهل الحل والعقد (أهل الشورى) في المجتمع ونختصر هذه الضوابط المهمة فيما يلي:
- حرية الرأي والكلمة فالكلمة أمانة وقائلها مسؤول عنها وعليه الالتزام بأدب الحوار في إبداء رأيه بكل صراحة وشجاعة وتغليب مصلحة المجتمع على مصلحته الشخصية أو مصلحة جماعته فمن القواعد الفقهية (تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة) ويتقي الله ربه عند النطق بها فهو محاسب عليها (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وأن يوافق قوله عمله فيكون قدوة صالحة قال تعالى (وقولوا للناس حسنا) فحرية الكلمة وإبداء الرأي يجب أن تنصب في حماية الوطن والمواطن وحفظ مصالح المجتمع ومكتسباته.
- الشورى بالمنهج الشرعي له مضمون خاص يتميز به عن غيره من الأمم لأنها مرتبطة بالعقيدة ارتباطا حيويا بخصائصها وتميزها وتحررها من سلطان المناهج الأخرى فهي تشكل نظاما سياسيا عمليا يحول بين الشعب وظلم الحاكم لهم.
- إن الحاكم القدير المحب لوطنه وشعبه يكون حريصا على الإلمام بحقيقة الأوضاع في بلده معتمدا على أهل الشورى في تسيير دفة حكمه باعتبار الشورى أمانة في أعناقهم فـ (المستشار مؤتمن) وهم أمناء على الدين وعلى نظام الحكم وعلى الأمة وعلى المجتمع وعليهم أن يؤدوها بإخلاص ومروءة وشرف مسورة بإطار الأخلاقيات والقيم والمبادئ الشرعية كما نص على ذلك الدستور القطري في المادة الأولى منه (قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة دينها الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها ونظامها ديمقراطي ولغتها الرسمية هي اللغة العربية وشعب قطر من الأمة العربية).

  صفات وخصائص لأهل الشورى يتميزون بها عن غيرهم من الناس:
- العقل والتجربة وأن يكون محبًا لمجتمعه ومواطنيه يسعى لخير المجتمع وصالح الجماعة.
- الاستقلال في الرأي خاليا من المزاجية فلا يصلح من لا رأي له ولا صاحب هوى.
- الشجاعة الأدبية في إبداء الرأي وقول الحق ولو كان مرًا كما ورد في الآثار النبوية.
- الدين والاستقامة فالمستشار مؤتمن يقول عمر بن الخطاب (شاور من يخاف الله عز وجل) ومن قول العباس لابنه عبدالله ووصاياه: (يابنى إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشين له سرا، ولا يجربن عليك كذبا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تطو عنه نصيحة». فالشورى من أجل الجميع والمجتمع والوطن بمعايشته لهم والوقوف على مشكلاتهم وظلاماتهم ورفعها للحاكم بكل نزاهة وشفافية وصدق متخلق يالدين والأخلاق العالية.
- إن ميزة المستشار تتركز في عقله وسداد رأيه فلا بد أن تحتل العقول الوطنية القوية المفكرة الصدارة في مجتمعنا فإذا طمست هذه العقول المخلصة أو أبعدت وأهملت فلا يلومن المجتمع إلا نفسه.
- ولكن هل الشورى ملزمة للحاكم أو غير ملزمة: انقسم الفقهاء قديما وحديثا في هذا الأمر إلى فريقين: - هناك من يرى غير ملزمة للحاكم، إذ يكفي مشاورتهم ثم يمضي بعد ذلك ما يراه راجحا عنده خالف ذلك رأي أهل الشورى أو وافقه واستدلوا بقول الله تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله) ومعناه أن للرسول أن يأخذ بما انتهت إليه الشورى أو يدعه وأيضا استدلوا بموقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) في صلح الحديبية حيث أمضاه رغم معارضة بعض أصحابه في ذلك، وموقف أبي بكر في إنفاذ جيش أسامة رغم عدم موافقة بعض الصحابة، وموقفه في حروب الردة، وموقف عمر بن الخطاب في تقسيم أرض العراق ورفضه لتقسيمها على المجاهدين وإبقاءها في يد أصحابها وجعلها وقفا للأجيال القادمة.
- وهناك من يرى، وهم غالبية العلماء المعاصرين، أنها ملزمة للحاكم بحيث إذا استقر رأي أهل الشورى أو غالبيتهم على شيء وجب على الأمير (الحاكم) اتباعه واستدلوا بقول الله تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله) والآية تدل على لزوم نتيجة الشورى، إذ لا يكون العزم إلا بعد المشورة يقول القرطبي: «إن العزم هو الأمر المروى المنقح وليس ركوب الرأي دون روية عزما»، والصحيح هو التزام الحاكم بتنفيذ ما تنتهي إليه الشورى كما التزم الرسول (صلى الله عليه وسلم) برأي الأغلبية في الخروج في غزوة أحد.
- والواقع أن الشورى لن يكون لها معنى إذا لم يؤخذ برأى الأكثرية ووجوب الشورى في المجتمع المسلم يقتضي التزام الأكثرية من أعضاء الشورى لأنها أبعد ما تكون عن الخطأ من الرأي الواحد وحق المجتمع ثابت في المشاورة حماية للمجتمع.

  إن الإسلام جعل الشورى ضربا من ضروب الحياة السياسية ومن أقوى دعائم الحكم في الإسلام لما لها من أثر بالغ في نظام الحكم على مستوى الحاكم والمحكوم فبالشورى نستلهم احترام الشخصية السياسية للمجتمع ففيه احترام للمواطن وإعلاء لقدره وفيه اطلاع الحاكم على اتجاهات شعبه وميولهم فتكون له القدرة على تمييز القادر من غيره والناصح الأمين ممن لا ينصح فالشورى تؤكد مسؤولية الجميع عن القرارات والأحكام وأن الالتزام بها مسوؤلية المجتمع بأسره وهي نظام تميز به المجتمع القطري المسلم عن غيره من المجتمعات. ومجلس الشورى يمثل أهم أجهزة الحكم في الدولة وقد نظم الشرع كافة جوانب الشورى تنظيما يكفل سير الحياة السياسية الراقية دون إفراط أو تفريط وهي الوسط العدل الذي يوصل الراعي والرعية إلى بر الأمان وحث الأمة على التمسك بسلطانها وترك لها تنظيم الأمر بالطريقة التي تحقق المصلحة للمجتمع في كل زمان ومكان وعصر وهذا ما يجب على الجميع إدراكه فهي الوسط العدل الذي يوصل الراعي والرعية إلى بر الأمان.
  وختاما نرجو من الله عز وجل السداد والتوفيق لأميرنا وشعبنا ووطننا ومجلسنا.