مواطنون وخبراء: ندعو الأفراد والأسر لتحديد أولويات الإنفاق
تحقيقات
22 نوفمبر 2015 , 07:57ص
أمير سالم
دعا خبراء ومواطنون الأسر والأفراد إلى ضرورة ضبط الإنفاق وترشيده وتوجيه الصرف باتجاه الأولويات المهمة في الحياة، لافتين إلى أهمية فهم وتقنين ميزانية الأسرة والتفكير بالمستقبل ومواكبة التطورات التي تحصل في السياسات الاقتصادية، ونوهوا بأهمية التوعية عبر كافة الوسائل بإصلاح ما يعانيه المجتمع من بعض أوجه الخلل في أولويات الإنفاق، مؤكدين بأن هذا الخلل يتجسد صراحة في الصرف بمجالات وأمور ثانوية على حساب الأساسيات الضرورية للمعيشة.
وأكد متحدثون لـ «العرب» ضرورة غرس ثقافة الترشيد، وأن تكون سلوكا جماعيا للمجتمع يبدأ من الفرد والأسرة وينتقل إلى المجتمع بأكمله، لافتين إلى أهمية أن تقوم المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام بدورها في إحياء وترسيخ سياسات ترشيد الإنفاق، وعدم الصرف في أمور غير ضرورية من أجل المباهاة والتفاخر.
وجاءت هذه الدعوة من جانب المواطنين في أعقاب خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى أمام مجلس الشورى، والذي تحدث فيه عن أهمية ضبط الإنفاق في ظل تراجع أسعار النفط، وضرورة أن نحول ضبط الإنفاق الاضطراري في هذه المرحلة إلى فرصة لمواجهة السلبيات لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأكد خبراء ومواطنون استطلعت «العرب» آراءهم أنه بات ضروريا انتهاج سياسات جديدة للحد من تأثير التراجع بأسعار النفط على الميزانيات العامة وميزانيات الأسر والأفراد وأوجه الإنفاق والصرف، وتتمثل هذه السياسات في تغيير ثقافة المجتمع، وتوجيهها من زيادة الإنفاق الترفي الاستهلاكي القائم على المظاهر إلى الترشيد الفعال الذي يصب في مصلحة المجتمع بالكامل، ويساهم في تخفيف العبء على كاهل الأسر التي قد تلجأ للاستدانة من البنوك من أجل شراء أشياء غير أساسية يمكن الاستغناء عنها.
مبالغة في الرفاهية
«يلتهم الإنفاق الشهري في الكماليات من السلع ما نسبته %75 من دخول مرتبات الكثير من الناس مقابل %25 ينفق على الاحتياجات الأساسية والضرورية». هذا ما أكده السيد علي عبدالله المراغي موضحا أن النسبة السابقة تكفي تماما للإنفاق بشكل طبيعي في تلبية ضرورات الحياة دون بذخ أو إسراف، لافتا إلى أن الإنفاق على الكماليات يكشف عن أن المجتمع يعيش مبالغة في الرفاهية والترف، وإن كانت هذه الكماليات ثانوية وليست أساسية ويمكن الاستغناء عنها تماما.
وقال: «إن هذه المشكلة باتت مرتبطة بثقافة المجتمع، رغم أن الإفراط في الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري بدأ يسبب أعباء على رب الأسرة» منوها بأن الغالبية العظمى من المجتمع القطري مقتنعون بأن إنفاقهم يذهب في بنود ثانوية لكنها باتت ملمحا أساسيا للمجتمع، وأن هناك اختلاطا في المفاهيم بين ما هو أساسي وما هو ثانوي في الإنفاق.
وأوضح المراغي أن هناك من يعيشون في بيوت بنظام الإيجار، لكنهم يحرصون على مثلا شراء سيارات فارهة يتجاوز سعر الواحدة منها الـ800 ألف ريال، كما أن هناك من يستدين من البنوك لشراء ساعة قيمتها بـ50 ألف ريال رغم أنها أمر ثانوي ويمكن الاستغناء عنها تماما، لأنها غير ضرورية ويمكن لساعة بـ100 ريال أن تقوم بما تقوم به، لافتا إلى أن هذه السلوكيات تعبر عن اختلال في مفاهيم وأولويات الإنفاق، وأن الاهتمام بما هو ثانوي على حساب الضروريات أصبح أمرا عاديا وملموسا بشكل واضح.
صراع على المظاهر
وأكد المراغي أن هذه السلوكيات صارت سمة تعامل أساسية وفرضت على كثير من الناس السقوط في فخ الديون، والمعاناة الدائمة من أقساطها وحسابات الفوائد المتراكمة، لافتا إلى أن المجتمع يعاني من أزمة الاهتمام بالمظاهر، ومسلسل صراع لا ينتهي في الإنفاق الترفي، متابعا أن التواصل الاجتماعي بين الأهل بات مفقودا، لأن معظم أعضاء هذه الأسر يعيشون صراعا على المظاهر وهي أمور تؤدي لمشاكل كثيرة، وقال إن البعض من الناس أصبح يفضل السفر لقضاء الأعياد والمناسبات بالخارج لأنه أقل تكلفة من زيارة الأهل التي تستدعي نفقات ضخمة في شراء الملبس وفي نوع السيارة والمجوهرات وغيرها.
ونوه المراغي بأن المبالغة في الإنفاق على المظاهر، وإهمال الأساسيات الضرورية للحياة اليومية سوف يؤدي إلى زعزعة الثقة لدى كثير من الشباب، لأنهم أقل في الإمكانيات مقارنة بمن هم أكبر منهم سنا، وهو ما يعني أنهم لن يتمكنوا من الدخول في منافسة مظهرية مع غيرهم سواء كانوا من الأهل أو الأصدقاء أو زملاء العمل.
وشدد المراغي على أن مواجهة هذه السلوكيات الخاطئة في الإنفاق، والعودة إلى الترشيد في المصروفات يوجب في المقام الأول تغيير ثقافة المجتمع من خلال حملات توعوية تعتمد على التذكير بالقدوات العليا، وكيف كانوا يعيشون، وأسلوب حياتهم، فضلا عن التذكير بمبادئ وتعاليم الإسلام الداعية إلى حسن التدبير والترشيد في الإنفاق، فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} ويقول: {إِنَّ الْـمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} منوها بأن المهتمين بالمظاهر في الأساس يعانون من ضعف في الوازع الديني، وأن المواجهة تكمن في تعزيز القيم الهادفة إلى تقويم هذا الجانب من سلوكيات المجتمع.
وأكد أن الأسرة هي الأساس -إلى جانب ما سبق- في تعديل سلوك المجتمع إلى الإنفاق المنضبط البعيد عن المظاهر والمباهاة، مضيفا أن تغيير ثقافة الإنفاق من الثانوي إلى الضروري يحتاج سياسة عامة تحرص كافة المؤسسات علي تنفيذها، وأن تعتمد علي فهم الرفاهية بالطريقة الصحيحة، وأن يتعلم الجميع إدارة الموارد المالية.
وبين المراغي أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى دعا إلى ترشيد الإنفاق، موضحا أن البلاد في بداية أزمة بسبب انخفاض أسعار النفط، ووجود خطط ضخمة تنفذها الدولة للمستقبل.
وشدد المراغي على أهمية ترشيد الإنفاق داخل الأسرة، والتركيز علي أن تكون سياسة عامة وأساس لتربية الأجيال الجديدة على ضبط الإنفاق وتوجيهه في المسار الصحيح بعيدا عن المبالغة أو المظاهر.
التوعية أساس المواجهة
«إن التوعية بأهمية ترشيد أوجه الصرف والإنفاق هي الأساس، لأن أحدا حتى الآن لا يشعر بالمسؤولية، حيال التطورات التي تعيشها البلاد، ودول المنطقة جراء تراجع أسعار النفط، وما تستدعيه من ضرورة التقشف وضبط الاتفاق». هذا ما أشار إليه السيد عبدالله بلال رئيس لجنة التقييم بالحملة الوطنية التوعوية «دلني»، موضحا أن هناك غيابا في مفهوم المحاسبة والمساءلة على اختلاف مستوياتها سواء كانت داخل الأسرة أو في مؤسسات المجتمع المختلفة، ما أدى إلى وجود حالة من اللامبالاة في الإنفاق، وابتعادا عن الأولويات، وعدم اعتبار للمصلحة العامة.
وأوضح أن الإسلام دعا إلى تحمل المسؤولية كل في موقعه انطلاقا من قاعدة «كلكم راع.. وكلكم مسؤول عن رعيته»، ما يعني أن ضبط الاتفاق والترشيد مسؤولية جماعية بالأساس، وتحتاج إلى ترسيخ المحاسبة والمساءلة داخل الأسرة وعلى الصعيد العام.
وأوضح ضرورة أن يكون للمدارس دور في التوعية بترشيد الإنفاق، وأن تتضمن السياسة التعليمية مواد دراسية تتحدث عن تحمل هذه المسؤولية على المستويين الجماعي والفردي، وأن تركز المناهج الدراسية علي قيم الترشيد وضبط الاتفاق، مشددا علي أهمية أن يكون هناك مجال تطبيقي عملي لتعزيز قيم الترشيد والتركيز عليها حتى تترسخ في وجدان الأجيال الجديدة.
وبين بلال أن دولة مثل ماليزيا كانت واحدة من أفقر دول العالم، لكنها تحولت إلى قوة اقتصادية كبرى بعد أن طبقت معايير المحاسبة والشفافية، لافتا إلى أن قطر مقبلة على مشروعات عملاقة تحتاج ميزانيات ضخمة، ما يستدعي أهمية التوعية بقيم ترشيد الإنفاق والابتعاد قدر الإمكان عن الهدر في الأموال.
تجربة ناجحة
وفيما يتعلق بقدرته على ضبط إنفاقه وإعادة توجيهه إلى المسار الضروري وليس الثانوي، قال بلال: «بالفعل لاحظت منذ فترة أن معدل الإنفاق المعيشي قد ارتفع عن السابق وبنسبة كبيرة، فقررت التقنين وإعادة ضبط مصروفاتي الشخصية أولا» مضيفا: «وجدت أن فاتورة الاتصالات الشهرية 3 آلاف ريال، وقررت خفض تكلفة هذا البند إلى 2200 ريال، وسوف أحاول تقليص هذا المبلغ إلى النصف تقريبا خلال الفترة المقبلة».
وأوضح أن ترشيد الإنفاق ليس صعبا، ويمكن أن يصبح ثقافة عامة من خلال التوعية الشاملة في كافة جوانب الحياة اليومية، من خلال إعطاء دورات تدريبية في كيفية الترشيد وضبط الاتفاق، لافتا إلى أن الأسرة هي أساس كل شيء، وأن نجاح سياسة الترشيد مرهون بمدي قدرة الأسرة علي ضبط إنفاقها، وقال: «إذا حصلت الأسرة علي التوعية السليمة، فإن الإنفاق سوف ينضبط تلقائيا في كافة جوانب الحياة، وفي كافة المؤسسات وقطاعات الدولة، باعتبار أن الأسرة هي الحاضنة الأولى لأي مشروع تنموي».
مجتمع استهلاكي
«نعيش في مجتمع استهلاكي يهتم بالمظاهر باعتبارها أحد ملامح الحياة الكريمة، ما يؤدي إلى ارتفاع فاتورة الإنفاق دون أي اعتبار للظروف الاقتصادية الراهنة». هذا ما أشار إليه السيد فهد المري، موضحا أن أسعار النفط والغاز تراجعت في السنتين الأخيرتين ما يستدعي ضرورة الترشيد، من خلال خفض الإنفاق في الجوانب التكميلية وليس الأساسيات، وقال: «نحن لا ندعو لخفض الإنفاق في السلع الضرورية للحياة من مأكل وملبس ومشرب، وإنما في الجوانب الترفيهية، مثل السفر إلى الخارج في نهاية الأسبوع، وفي العطلات الرسمية وخلال الأعياد، وفي شراء السيارات الفارهة بأموال دين من البنوك دون داع» مشددا على ضرورة أن يكون الإنفاق على قدر الحاجة الضرورية من جانب الأسر، وأن يكون للحكومة دور في ضبط الاتفاق من خلال تشديد الرقابة على أسعار السلع وعدم تركها لأهواء التجار، وحتى يكون لها دور مهم في مساعدة الأسرة على شراء الأشياء الضرورية بأسعارها الحقيقية دون مبالغة.
وأوضح المري أن أسعار الكماليات من السلع مرتفعة للغاية ومبالغ فيها، ولا توجد عليها رقابة حقيقية، خاصة بالسوق المحلية التي تشهد ارتفاعا في الأسعار مقارنة بباقي الأسواق الخليجية دون مبرر منطقي.
وعن تجربته الشخصية في ترشيد الإنفاق قال: «بالفعل ومنذ فترة نجحت في خفض المصروفات الشهرية من 15 ألفا إلى 4 آلاف ريال تقريبا، بعد أن تخليت تماما عن أوجه الإنفاق في الكماليات».
وأكد المري أن هناك خللا في أولويات الإنفاق والصرف، وأن البعض يتصرفون دون مسؤولية، بما يفوق قدرتهم الحقيقية علي تدبير نفقاتهم، من خلال الاستدانة من البنوك لشراء سيارة حديثة أو ساعة بمبلغ ضخم، بينما لا يهتمون بحاجة البيوت التي يسكنوها لإصلاحات ضرورية.
اهتمام بالكماليات
«أصبح المجتمع استهلاكيا وكثير الإنفاق على الكماليات أكثر من الأساسيات، في الوقت الذي نعاني فيه من الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، هذا ما ذهبت إليه الخبيرة الإعلامية أمل عبدالملك، موضحة ضرورة أن يقوم كافة أفراد المجتمع -كل في موقعه- بمراجعة حساباتهم في الصرف خاصة أن الوضع الاقتصادي في المنطقة متعثر بشكل عام، ونظرا لإقبال الدولة على مشاريع ضخمة مستقبلا في مقدمتها مونديال كأس العالم لكرة القدم 2022.
وقالت: «إن الدولة بدأت مؤخرا التوجه لترشيد الإنفاق وكان ذلك واضحا في كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في مجلس الشورى»، موضحة ضرورة الحد من ظاهرة البذخ والإنفاق على الكماليات التي تفتح المجال للتجار لهدر الأموال واستغلال التجار، وقالت: «نعم نحن في خير ونعمة وننعم بالترف والرفاهية ولكن علينا التفكير في المستقبل وتوفير حياة كريمة للأجيال القادمة».