أسماء الدوسري: "الحكمة" أفعال لا أقوال
الصفحات المتخصصة
22 أكتوبر 2015 , 03:34م
وكالات
استوقفتني مقولة معاوية المشهورة: "لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إن شدوها أرخيتُها وإن أرخوها شددتُها".
فهي تصف لنا - بشكل دقيق - مثالا واقعياً للحكمة في التصرف والتمتع بالمرونة والذكاء في تعاملاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، مقولة لخصت لنا مفهوم الحكمة العملي في حياة نعيشها ونتفاعل معها، لا كلمات نحفظها ونرددها، وهي خلاصة تجارِبنا وتجارِب الآخرين، نتعلم منها وننقلها للأجيال من بعدنا، فالحكمة ليست بإجادة التعبير وبراعة التأثير، ولا بأن يقال عنك إنك حكيم متحدث، إنما هي أن تكون مؤثراً ملهماً قادراً على أن تحدث تغييراً فعلياً من خلال أفعالك لا أقوالك، وفي نفسك قبل غيرك، فالحكيم ليس هو صاحب النظريات والكلمات الرنانة والتعابير المنمقة، بل هو ذلك القدوة الذي تُفيد من تجرِبته الأجيال أكثر من مقالته، فهي كما يصفها بعضهم بأنها: (نور داخلي ينير العقل والقلب، كما أنها نور خارجي ينير للآخرين طريقهم).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ضمني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى صدره، وقال: "اللهم علِّمْه الحكمة".
فالحكمة عصارة التجارِب الحياتية، وإفراز للحوادث والنوازل، وهي إلهام بعد تفكير وتدبر للأمور.
وصفها رب العالمين بأنها خير كثير فقال: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.
ومن مدلول هذه الآية فهي منحة عزيزة، يمُنُّ الله بها على مَن يشاء، ويتوجب علينا أن نسعى في طلبها والعمل بها.
والحكمة، برأيي نظرياً، هي إعمال الفكر والتأمل في الحوادث، وعملياً هي العمل الصائب من خلال استخلاص العبر والفوائد وتوظيفها في الحياة.
أما في اللغة فتأتي كلمة الحكمة من الإحكام، ونقول في بعض الأحيان أحكمه جيداً أو أغلقه بإحكام، وهنا يأتي معنى الحكمة في تحكيم العقل، أي إحكامه فتصبح متحكماً في تصرفاتك وأفكارك وأقوالك، ولا تقع في الخطأ مرة أخرى.
أما ابن القيِّم فيقول إن الحكمة "فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي"، ويصفها آخرون بأنها سداد الرأي وإحكامه.
فكن حكيماً وتعلَّم من تجارِبك، وتأمل في تجارِب الآخرين، ولا تترد بأخذ نصيحة، وتذكر أن:
أفضل من يقدم لك النصيحة شخص لديه خبرة في معظم التجارِب القاسية، ناجح في حياته بعد خيبات أمل، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
رزقنا الله وإياكم الحكمة، ودمتم سالمين.
أسماء الدوسري
باحثة في الدراسات الإسلامية والأديان
asmaa.aldosary@gmail.com
/أ.ع