في إحدى المناطق بأعالي جبال «شفشاون» المغربية، حيث الجمال الطبيعي يخبئ خلفه قسوة الحياة، كانت سعيدة، (أم لأربعة أطفال)، تخوض معركة لا تعرف الهوادة ضد الفقر وصعوبات المعيشة، بلا دخل ثابت، وتكافح يوميا لإطعام أبنائها، لتمنحهم شيئا من الأمان، في بيئة تفتقر لأبسط مقومات العيش.
الأيادي الخيّرة
لكنّ الحياة، حين تُمسك بها أياد رحيمة، يمكن أن تتغير، ويتم الانتقال من الضيق إلى السعة، وهذا ما حدث حينما نفذت قطر الخيرية مبادرة تنموية من خلال مشاريعها المدرّة للدخل بدعم من أهل الخير حملت معها بذور الأمل. قد تكون مشاريع بسيطة في ظاهرها، لكنّها عظيمة في أثرها على المستفيدين، ومن ضمنها تمليك خمسة رؤوس من الماعز الحلوب من سلالة «ألبين» العالمية، تشتمل على أربع إناث وذكر واحد، لتكون نواة مشروع إنتاجي مستدام.
تقول سعيدة، ودمعة فخر تسبق ابتسامتها: كنت أعيش يوما بيوم، لا أعرف كيف أوفّر الغذاء لأولادي. واليوم، بفضل الله ثم بدعم الأيادي الخيّرة، فقد أصبحت أبيع الحليب، وأُعد الجبن ومشتقات الحليب. وألبي احتياجات أسرتي، وأشعر أني استعدت زمام حياتي من جديد».
توسع وأمان
ولم يتوقف الدعم عند هذا الحد. فقد تم ربط المشروع بتعاونية محلية تضمن تسويق الحليب ومشتقاته بشكل منتظم، مما وفّر دخلاً ثابتًا وأعاد لسعيدة شعور الأمان والاعتماد على الذات. ومع تكاثر القطيع، بدأت ملامح النمو تتضح، ليس فقط لسعيدة التي أصبح لديها الآن 20 رأسا من الماعز، بل للمجتمع بأسره.
نموذج مُلهِم
نجاح هذا النموذج ألهم وزارة الفلاحة في المغرب لتبنيه وتوسيعه، ليشمل أسرًا قروية جديدة، في خطوة تعكس فعالية المشروع في تعزيز الأمن الغذائي ومحاربة الفقر وتمكين النساء. قصة «سعيدة» ليست الوحيدة في هذا المجال فقد استفادت من مشاريع التمكين الاقتصادي لقطر الخيرية المخصصة لتربية الماشية في المناطق الريفية والنائية في المغرب التي شملت حتى الآن 44 أسرة (حوالي 310 أفراد)، محققة نجاحات مماثلة.
أسماء: اليتيمة الموريتانية رسمت طريق نجاحها بالألوان فحوّلت اليُتم إلى لوحة أمل
شهد أحد أحياء العاصمة الموريتانية نواكشوط قبل سنوات ولادة قصة ملهمة لفتاة صغيرة اسمها أسماء أحمدو بمبه. كانت في السادسة من عمرها، تحمل في عينيها بريق الطفولة، وفي قلبها شغف لا يُوصف بالرسم. بدأت خطواتها الأولى في المدرسة، مدفوعة بحماس في البداية وذكاء لفت أنظار معلميها، وموهبة فطرية في الرسم كانت تنمو معها كما تنمو الأزهار في فصل الربيع.
لكن الحياة، كما هي عادتها، لا تخلو من الابتلاءات، ففي رمضان من ذلك العام، فقدت أسماء والدها، لتدخل عالم اليُتم مبكرا. لم يكن الأمر سهلًا، لكنها واجهت بمؤازرة والدتها وأسرتها الحزن بثبات، وواصلت دراستها بنجاح، واحتضنت موهبتها في الرسم وعشقها للألوان وكأنهما نافذتها إلى عالم أجمل، يُسَرِّي عنها ألم الفَقد، ويمنحها الأمل.
جائزة سيارة الأحلام
لم تسمح أسماء لليُتم أن يُلون حياتها بالألم واليأس، بل كانت لوحاتها تنبض بالحياة، وتمتلئ بالحيوية والدفء. وذات يوم، أبهرت الجميع حين فازت بجائزة «سيارة الأحلام» التي نظمتها شركة تويوتا في موريتانيا للأطفال دون العاشرة، عن تصميم سيارة تعمل بالطاقة النظيفة وتحافظ على البيئة.
وإذا كان لكل نجاح أياد تدعم وتساند، فقد امتدت يد خير من دولة قطر عبر قطر الخيرية، لتكفلها وتدعم أسرتها التي تعيش في منزل متواضع بحي «تنسويلم». هذه الكفالة ـ كما حدثتنا ـ لم تكن مجرد دعم مادي، بل كانت جسرا للاستقرار، ومصدرا للأمان، ومفتاحا لمواصلة التعليم وحافزا لتنمية الموهبة وتطويرها دون توقف.
تطور لافت
وها هي أسماء اليوم تواصل مشوارها في الدراسة والتعلم بتفوق، وقد أصبحت تتقن الرسم الرقمي باستخدام الحاسوب، فأحلامها تكبر معها، وطموحاتها لا تعرف حدودا، فتاة لا ترسم بالألوان فقط، بل ترسم الأمل، وتُثبت أن اليُتم ليس نهاية المطاف، بل بداية لقصة نجاح تُلهم الجميع.