المريخي: في التأني والتثبت نجاة وسلامة

alarab
محليات 22 يوليو 2016 , 08:25م
الدوحة العرب
قال فضيلة الدكتور محمد بن حسن المريخي إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده خيرا وفقه ورزقه التأني والتثبت في كل أموره وما يعرض له، وجنّبه الاستعجال والتسرع في الحكم على الأشخاص والأشياء.
وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد عثمان بن عفان بالخور أن في التبين والتثبت نجاة وسلامة وفوزا كبيرا، مشيرا إلى أن المسلم يعرف من التبين الحلال من الحرام، ويسلم من التقول على الله بغير علم، ويسلم من الزلل وينجو من البدعة وسوء المنقلب، وما وقع الناس في البدعة إلا عندما أهملوا استيضاح الأمور وما يعرض عليهم.
وأكد أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى التثبت واستيضاح الأمور لكثرة المخرفين والمبتدعين، ودعاة جهنم والمفترين على الله ورسوله، والخائضين في الحلال والحرام والزندقة والإلحاد، وظهور فرق الكفر والإلحاد كهذه التي يسمون أنفسهم عبدة الشيطان وانتشار المخدرات والمحرمات والمجرمين الذين يوردون الشباب موارد الهلاك ويغررون بهم.
وبيّن فضيلته أن الإنسان المسلم إذا كان من أهل التبين والاستيضاح في الأمور، يكون ممن يشار إليهم بالثبات ورجاحة العقل والتوفيق والتسديد وسلامة التفكير وثقة النفس وسلامة الدين والمعتقد، وقال إن تبين الأمور فيها حفظ للأرواح وصيانة الدماء ووقاية المجتمع من مخاطر التسرع والفضائح وتشويه السمعة، ويبعده عن الهواجس والشكوك ويحفظ حقوق المسلمين، لافتا إلى أن الاستعجال في الأمور ومعالجة الأحوال والبت فيها بسرعة دليل على خفة العقل وتخبط الفكر، ولذلك يشار إلى هذا بأنه عجول لا يصلح لحل المسائل والمشاكل وينصح الناس بعضهم بعضا بتركه والحذر منه والبعد عن مشاورته وفساد معتقده وتفكيره، مضيفا أن في الاستعجال زلات ووقعات وسقطات ما ينهض منها إلا أن يشاء الله تعالى.
ونوه بأن للاستعجال مآس عديدة، فكم من بيت انهار، وكم من سمعة شوهها الاستعجال، وكم من مظلوم بسبب عدم الاستيضاح والتثبت، وكم من أسرة تهدمت، وكم من أرحام تقطعت، وكم من أخوة تهتكت، ويكفينا من مخاطر الاستعجال في الأمور أنه مخالفة صريحة لشرع الله ورسوله، عكس الاستيضاح في الأمور الذي يعد امتثالا للشرع وتشبها بالأنبياء والصالحين، والنتائج الإيجابية والثمرات الجميلة التي تقتطف.
وفي تعليقه على الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} قال المريخي إن المرء يبدأ بعد نعمة الله عليه سمحا وقورا في سرائه رابط الجأش حليما متوكلا على ربه في ضرائه، يقول رسول الله لأشج عبدالقيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة".
وعرف د. المريخي الأناة بأنها التثبت وترك العجلة، مشيرا إلى أنهم قديما قالوا: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وبعضهم قال: التثبت من الله والعجلة من الشيطان، والإنسان فيه الغضب والعجلة مركبة فيه، ولكن أعطاه الله تعالى القدرة على التحكم فيها وربطها ومنع نفسه منها متى شاء، يقول تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} ويقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} قال الحافظ ابن كثير: "يعني ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء".


خطورة الاستعجال 
واستشهد بقوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} مضيفا أن الله تعالى في هذه الآية يخبرنا عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه وولده أو ماله بالشر، أي بالموت والهلاك والدمار واللعنة وغير ذلك، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} ولما جاءهم الرسول بالحق من ربهم وقع في نفوسهم سرعة الانتقام منه واستعجلت ذلك نفوسهم وقد جاءهم بالهدى والنجاة والسلامة.
وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
ولفت فضيلته إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة ليأتي بزكاة بني المصطلق، فخرج إليهم فلما كان في منتصف الطريق خاف ورجع وقد خرجوا له لاستقباله ومعهم الزكاة، فجاء إلى رسول الله وقال: إنهم منعوا الزكاة، فغضب رسول الله وحدث نفسه بغزوهم، فجاءوا إليه وأخبروه بالحادثة وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا..} الآية.
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام غضب ولم يرض عن فعل أسامة بن زيد رضي الله عنهما عندما قتل الذي قال: "لا إله إلا الله السلام عليكم" مظهرا إسلامه ومعلما إياهم أنه مسلم، فقتله متأولا أنه إنما قال هذه الكلمة خائفا من السيف والقتل، فأنزل الله معاتبا الصحابة: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...} رواه البخاري ومسلم.
وقال القرطبي إن الله في هذه الآية أعاد الأمر بالتبيين مرتين للتأكد بأن الله كان بما يعملون خبيرا، تحذيرا عن مخالفة أمره، فاحفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم.


منهج رباني 
وأشار إلى أن الله سبحانه قد أخبر أن إبراهيم عليه السلام تبرأ من والده الكافر بعد التبين، ولما كان التثبت منهجا ربانيا مأمورا به فقد عملت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإبراهيم عليه السلام ما زال يتبين من أبيه وحاله حتى عرف كفره وعناده ثم تبرأ منه: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} وهو منهج الصحابة الكرام وخيرة الأمة فهذا عمر رضي الله عنه يخبره رسول الله عن فضل أويس القرني ومكانته فيبحث عنه ويتبينه بين الناس حتى عثر عليه فأخبره بخبر رسول الله.
فهذه هي ثمرات التبين وهذه هي مصائب الاستعجال، فإذا علمتموها فاعلموا أن أكثر الناس لا يتبينون أمورهم وما يعرض عليهم ولا يتثبتون من الأخبار التي ترد إليه ولا من حلال وحرام وبدعة وسنة، وجائز فعله وغير جائز بل يندفعون إلى الاستجابة إلى الداع دون تثبت أو دراسة، فلذلك الواقعون كثيرون في البدعة والحرام والخطأ والزلل، فاتقوا الله يا أمة المسلمين وتثبتوا فإن عدوكم الشيطان يغرر بكم فاحذروه.