أروى التل.. كثير من المبالغات والأفكار الوعظية
ثقافة وفنون
22 يونيو 2011 , 12:00ص
بيروت - رويترز
إذا بدأنا بقصة «عيد ميلاد» أي من البداية في مجموعة الكاتبة الأردنية أروى طارق التل والمسماة «مساس» نجد أنفسنا أمام انطباعات يصعب الهرب منها.
إننا هنا إثر قراءة هذا النموذج الذي يصح أن يقدم لنا فكرة عن المجموعة، وبشكل عام نجد أنفسنا على رغم مواقف وجدانية وشعرية حارة أمام مبالغات وأفكار وعظية تصاغ قصصيا، لكن دون نجاح يلفت النظر.
القصة الأولى هذه هي قصة صبي صغير هو بائع علكة وأشياء أخرى، حديث سريع يجري معه خلال حركة المرور بين إشارة الضوء الأحمر وتلك ذات اللون الأخضر، حديث خاطف وسريع لكنه طويل ومدوٍّ عند الكاتبة.
يقول لها أو كأنه يقول: «ومن قال لك إنني أريد أن أكبر؟!» يتحول الأمر عندها إلى قضية مصيرية كبرى. «في عتمة ليلها أقلقها هذا المتشرد الصغير. نسيت أن تنام وهي تتذكر بنطاله المتقزم عن كاحليه.. وقميصه الذي تلون ببقع الفقر وكثير من بصمات لؤم الأغنياء».
ونجد أننا أمام مزيج مما يبدو عدم وضوح ومبالغة شديدة. تقول في شبه مداورة لا تحمل معها شحنة جمالية كافية أو فكرة مقنعة على طيب نيتها وشعورها الإنساني: «أما وجهه الذي قد تعثر بطينية البشر واغبرّ كثيرا من التصاقهم بالتراب.. فكان أكثر ما يدعوها إلى حبه حتى الثمالة».
قد يصعب على القارئ هنا أن يفهم هذا الحب حتى الثمالة. إنه مشبع بمأساوية وبنوع مما يصح أن يوصف بأنه قدرية لا مهرب منها. ولربما تساءل القارئ هنا عن المقصود بهذا الكلام.
تقول لنا الكاتبة إنه بسبب الفقر ولأن أباه لا يملك ثمنا للعلاج علمت أنهم يأخذون أباه كل أسبوعين لمشفى حكومي تنعق على بوابته بومة اللامبالاة والإهمال.. خير طريق وأسهله لتخليص أحدهم من مرضه.. أن تقطع أجزاؤه إربا إربا ما دام لا يستطيع أن يدفع ثمنا لعلاج.. وأثمان».
غرابة تلفت النظر والكاتبة تقول إنها بنت قصتها على أحداث واقعية.
تشفق الكاتبة على بطلها الصغير. تتمتم بوعد كوعود القادة والثوار الذين يعلنون سعيهم إلى تغيير وجه التاريخ فتقول: «أقسم لك إنك ستكبر وإخوتك أحلاما ونجوما مضيئة حتى لو اعتم ليلكم يوما». يحار القارئ في معنى هذا الوعد وهي لم تفعل شيئا من أجله.
وذهبت لتشتري كعكة العيد لعيد ميلاد أخيها الصغير. وبين نوري الإشارتين نقرأها تقول: «رأته مشدوه النظرات.. متلعثم الكلمات.. يمسك بالمارة واحدا تلو الآخر.. أملا في قلوب دافئة معطاءة. يرجوهم خمسين دولارا ليدفن أباه الذي مات منذ يومين وليستكمل أوراق وفاته.. أمسكت بيديه بين يديها وقبلتهما.. وعدته بالعودة إليه بما يحتاجه.. ورجته ألا يغادر مكانه قيد أنملة».
اشترت كعكة البرجوازيين بثمن دفن فقير.. لم تستطع هي أيضا أن تقي نفسها شحها أو أن تخرج بكليتها من عباءة عالمها.. عادت إلى حفلة شقيقها.. هرج ومرج».
عائلة الفقير دفنت الميت في أرض البيت. أما هو فقد «حفر وأمه التراب تحت عتبة البيت.. جرا الحصيرة وما يرقد عليها».
أمر مفجع وغريب دون شك، لكن الكاتبة لم تقدم لنا قصة متطورة، بل قدمت حدثا فيه غرابة وما يحزن على وضع الإنسان في عالمنا.
مجموعة أروى طارق التل اشتملت على 13 قصة قصيرة وردت في 80 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون.
أما قصة «مساس» التي أعطت المجموعة اسمها فليس فيها من العمل القصصي إلا اليسير جدا. إنها فكرة. الواقع وما يخطر في البال. كان من الممكن اختصارها في سطرين دون إجحاف بالسرد فيها، إذ إنه كاد أن يكون غائبا. كان يمكن أن تكون قصيدة وجدانية لا بأس بها.
كتبت تقول: «وكان يلقي بنظره بعيدا عن مرمى عينيها وأشعل يومها سيجارته. هام عشقه في ضبابها يخفيه ولا يريد أن يفتح لها بابا على قلبه ولم تكن تريد الدخول».
نواجه أحيانا غموضا في التعبير، وإن كان المعنى الذي تقصده يبدو لنا واضحا بعض المرات دون معونة كبيرة من النص، بل من خلال التكهن وثقافتنا في الشعر الجاهلي مثلا.
تنتهي إلى القول: «يكتشف الحب مكانته بينهما ويعلم جيدا أن قيسا لم يكن ذروة سنامه فيربكها وما نامت يوما على إثمه وما همت حتى بظله. وتعلم جيدا أنها لو اغتسلت بمائة فجر وتنشفت بأنهر من قمر.. لا مساس بينهما وإن النجم الأحمر الذي التف حول الكون ثم غادر أقرب إليها من مس شفتيه.. من مس رمش عينيه.. من النعاس بين يديه. ذاك أنه لا مساس بينهما.. لا مساس».
أما قصة «حكايات غير عادية عن محاكم التفتيش» فأقرب إلى مقال سياسي. فيها سخرية لاذعة وما يذكرنا بأجواء مسرحية «المهرج» للراحل محمد الماغوط.
مباريات ومناظرات في مدرسة وأخبار في إذاعة المدرسة. لا عناصر قصصية متلاحمة هنا، بل آراء ساخرة عرض كل منها في شكل قصصي وبظرف أيضا.