الأثرة والاستبداد وحب الذات أمراض نفسية تتطلب العلاج

alarab
محليات 22 أبريل 2016 , 07:02م
الدوحة - العرب
قال فضيلة الشيخ عبدالله السادة إن الإسلام يحث على أحسن الخلق وأجمل الصفات، وأنبل القيم كما يدعو أيضاً إلى نبذ كل ما هو مذموم من الطباع والعادات.

وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بمسجد مريم بنت عبدالله بالدحيل، إلى أنه من الصفات التي ذمها الإسلام صفة الأثرة، وهي تعني الاستبداد وحب التملك والأنانية، وهي ضربٌ من ضروب الشح والبخل، وسبب لمنع ما أمر الله به من الإنفاق والبذل.

وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الشح أيما تحذير، لأنه صفة مذمومة وداء خطير، إذ قال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم"، وقال رب العزة في كتابه العزيز: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).

ونبه الخطيب إلى أنه كلما كان الإنسان أكثر أثرةً، كان أكثر بعداً عن الله عز وجل، كيف لا، وقد أمره بالجود والإنفاق بسخاء، بينما شح هذا الإنسان أبعده عن البذل والعطاء؟!

ما جاء في الأثر

وأوضح أنه قد جاء في الأثر: "السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد عن النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار". وحذر من أن الأثرة مرض نفسي ووباء، إذا فشا بين أفراد المجتمع؛ انتشرت بينهم البغضاء، وصار بينهم الكره والحقد، والتدابر والحسد، موضحا أنه يجعل أفراد المجتمع لا هَمَّ لهم سوى الحصول على مصالحهم الشخصية، فيحصل التنازع بين بني الإنسان.

وأشار إلى أنه ما أقبح أن يتصف الإنسان بالأثرة وحب الذات، وما أجمل أن يسعى للتخلص منهما بأفضل الصفات.

وزاد خطيب مسجد مريم بنت عبدالله بالقول: إن الإنسان بطبيعة فطرته يميل إلى الصفات الحسنة، ويبتعد عن الصفات التي تكسبه المذمة، وبين أن الإسلام جاء ليحقق أسمى الفضائل لنفس الإنسان، ليحيا الجميع حياة الاستقرار والاطمئنان، ويعيشوا عيشة السلامة والأمان.

صفة الإيثار

وذكر أنه من الصفات التي حث عليها الإسلام صفة الإيثار، موضحا أن الإيثار معناه تقديم الغير على النفس في الحظوظ الدنيوية، رغبةً في نيل رضا رب البرية.

وأشار إلى أن الإيثار فضيلة أخلاقية نبيلة، وصفة حميدة جليلة، لا يتحلى بها إلا أصحاب القلوب الكبيرة، والهمم العالية، والعزائم الثابتة، لكنه يحتاج لتحقيقه إلى صبر واحتمال، وبذل وكرم على أي حال، موضحا أنه ما أعظم أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، وما أجمل أن يشاركه في كل أحواله، ويواسيه بمستطاع ماله، والأعظم من ذلك أن يؤثر الإنسان غيره بالشيء وهو أحوج ما يكون إليه، وأن يبذل له من ماله ووقته وجهده ما لا يبذله لنفسه التي بين جنبيه.

واستشهد الخطيب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

وقال الشيخ السادة: المُؤْثِرُ هو الذي يجوع ليشبع أخاه، ويظمأ ليرويه، ويسد له خلته، ويقضي له حاجته، ولو بقي طاوياً محتاجاً، فهذا والله ذو حظ عظيم، وخلق كريم، له في مراتب الإيمان المرتبة العظمى، والدرجة الكبرى، بل ينال أعلى درجات البر، كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون* وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم).

التقي والسخي

وأضاف: لقد فرّق بعض العلماء بين التقي والسخي والجواد، فالذي يؤثر حب الله ورضاه على حب الدنيا هو التقي، والذي يسهل عليه العطاء ولا يؤلمه البذل والإيثار هو السخي، وإن كان ممن يعطون الأكثر ويبقون لأنفسهم فذاك جواد. 

وأكد أن مفهوم الإيثار لا يقتصر على الأشياء المادية، بل الإيثار أنواع ودرجات، وأعلى درجات الإيثار هو إيثار مرضاة الله على أهواء النفس ورغباتها، داعيا إلى تأمل قصة موسى عليه السلام مع سَحَرة فرعون، وكيف ظهرت لهم معجزة موسى عليه السلام، إذ تحولت العصا بقدرة الله إلى ثعبان، فأقروا بالحق والإيمان، وأن موسى عليه السلام نبي مرسل من الواحد الديان، (قالوا آمنا برب هارون وموسى)، فهددهم فرعون بأشد العذاب، إذ قال لهم كما حكى عنه القرآن الكريم: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى). ونبه إلى أن السحرة آثروا رضا الله عز وجل (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاضٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا).

ولفت إلى أن إيثار الغير على النفس من حظوظ الدنيا، حيث ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عالياً، وخلقاً أصيلاً، إذ كان عليه الصلاة والسلام يؤثر غيره على نفسه بما هو محتاج إليه، ويجود بكل ما عنده ولا يبخل عليه، فإن لم يكن عنده ما يجود به اقترضه ورده، وإن تعذر عليه أمله ووعده.

بهذا أمرت

وروى الشيخ السادة قصة الرجل الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه صدقةً، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما عندي شيء، ولكن اذهب فابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه"، فقال عمر رضي الله عنه: ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فَكِره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وعُرف البِشْر في وجهه وقال "بهذا أُمرت". 

ومضى الشيخ السادة إلى القول: لقد سجل التاريخ أروع الأمثلة وأصدق الشواهد والأدلة من حياة الصحابة رضوان الله عليهم الذين زينوا صفحات حياتهم بأوسمة الإيثار، وقلدوا أعناقهم بقلائد العز والفخار، فصاغوا صفحات ملؤها الأخوة الصادقة، والمحبة الفائقة.

ونوه إلى أنه عند قدوم المهاجرين إلى المدينة، استقبلهم الأنصار بلهفة عارمة، ومحبة صادقة، بلغت حد التنافس بينهم في نيل تضييفهم، فقام الحب والإيثار فيهم مقام العصبية القبلية، والحمية الجاهلية، فذابت تلك العصبيات والحميات، وسقطت فوارق اللون والدم، وصفت القلوب من الضغائن والأحقاد.

المهاجرين والأنصار

وأكد أنه بلغ بينهم الإيثار أن يعرض أحدهم على أخيه المسلم نصف ماله وداره، وقد نزل فيهم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
ونبه الخطيب إلى أن الإنسان ما خلق ليعيش لنفسه فحسب، وإنما خلق ليكون عضواً في المجتمع، يشعر بشعور الآخرين، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم لآلامهم، فلا يجعل الأثرة والأنانية تنسيه الأخوة الإنسانية، مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". 

وشدد الشيخ السادة على أن الإيثار من مكارم الأخلاق، ومما يوصل إلى مرضاة الله الواحد الخلاق.

حب الأنانية
وفي الخطبة الثانية قال الشيخ السادة إن المجتمع الذي تسوده الأثرة يكون مجتمعا متنافساً على الدنيا وحطامها، والتباغض من أجلها، فيعم القلق بين الأفراد، ويسود بينهم حب الأنانية والاستبداد. 
وأشار إلى أن المجتمع الذي يسود فيه الإيثار، ويتعامل بأخلاق الأخيار الأبرار، فإنه حقيق أن ينال الرفعة والسؤدد، ويحقق السعادة والمجد، إنه مجتمع يتحلى بمعاني الإنسانية، ويستعلي على الأثرة والأنانية، لثباته على الركائز الإيمانية، فهو يربأ عن الحياة المادية البحتة التي تفضل المصلحة على المبدأ، وتقدم الرغبة الشخصية على المثل الإنسانية.

وأشاد الخطيب بالمجتمع الذي يعطف فيه الكبير على الصغير، ويوقر فيه الصغير الكبير، ويرأف غنيه بالفقير، ويؤثر المرء فيه أخاه الضعيف الكسير، مشيرا إلى أنه مجتمع جدير بأن ينعم بالأمن والمحبة والسلام، وتتآلف قلوب أفراده على الخير والوئام.

وأوضح أن الذي يسمو بنفسه عن مقام الأثرة، ويروض النفس على المؤاثرة ونفع الآخرين، لجدير أن ينال في الدنيا من الناس الثناء والتقدير، وفي الآخرة التمتع بنعيم جنة العلي القدير، قال تعالى: (فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى).

أ.س/س.س