الحياء يبعث على اجتناب القبائح

alarab
محليات 22 أبريل 2016 , 06:58م
الدوحة - العرب
ركزالداعية الدكتور محمد بن حسن المريخي على ترسيخ خلق الحياء في الأمة التي تمتاز بهذا الخلق الرفيع، الذي يمنع صاحبه من الوقوع في الكثير من الأمور القبيحة، ويحث على مكارم الأخلاق إذا جسده الفرد في مسيرة حياته، وجعله مرجعا يعود إليه كلما همت نفسه بالنزول إلى بعض الأفعال التي تخالف فطرة الإنسان، وتخالف الدين القويم. 

جاء ذلك في خطبته، اليوم، بجامع عثمان بن عفان بمدينة الخور، حيث قال: "عباد الله، لكل أهل ملة خلق وأدب يتميزون به وأهل ملة الإسلام خلقهم الحياء، فالحياء هو شعور داخلي يبعث على الكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، وهو من أجلّ الأخلاق التي يمنحها الله للعبد ويجبله عليها، يقول ابن رجب رحمه الله: "هو من خصال الإيمان بل من أعلى خصال الإيمان ودرجات الإحسان"، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى".

درجات الحياء

وقسم المريخي درجات الحياء إلى ثلاث: 1- الحياء من الله تعالى، فحين يعرف العبد ربه ويعرف عظمته وقربه منه واطلاعه عليه وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، يتولد الحياء عند العبد ويستقر في قلبه وفؤاده حين يطالع نعمة الله عليه، ويطالع تقصيره نحوها في شكرها. 2- الحياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون الحياء من رسول الله حين يعرف حقه عليه وما قدمه له رسول الله من التسبب في الهداية والنجاة من النار، فيكثر من الصلاة عليه ويجعل في نفسه تعظيما له صلى الله عليه وسلم، وتوقيرا فيحب سنته ويقدمها على كل قول بعد قول الله تعالى، ويحترمه ويصدقه ويتبعه احتراما وتوقيرا وطاعة لله تعالى وعرفانا وجزاء. 3- الحياء من الناس، وهي جبلة جبل الله عليها الإنسان السوي، فكل إنسان سوي على الفطرة يستحيي من أن يفعل القبائح أمام الناس أو أن يفعل ما يزري بمروءته، كما أن من ضمن الحياء من الناس أن تكف عنهم الأذى وتتحمل كلما يصدر عنهم تجاهك كلاما سيئا،، حلما وحياء من مجاراة السفهاء، فالحياء زينة الإنسان رجلاً كان أو امرأة، وهو أوكد للمرأة وهو خلق النبيين والمرسلين والصالحين والصحابة والأئمة والفائزين والناجين، ففي الحديث الصحيح (كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه) رواه البخاري، كما وصف الله تعالى بنت شعيب عليه السلام بأنها كانت تتحلى بهذا الخلق الكريم، فقال سبحانه: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن موسى كان حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيئا استحياء من الله فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ...) رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم واصفاً عثمان بن عفان رضي الله عنه بهذا الخلق الكريم: (ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة) رواه مسلم، وكان رسول الله كاشفاً عن فخذه مضطجعاً في بيته فدخل عليه أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، فلم يزل على حالته فلما دخل عليه عثمان سوى ثيابه وجلس.

مصدر الخير

وبين فضيلته أن الحياء من الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه مصدر الخير، فإذا تحلى العبد بالحياء جاءته كل الخيرات تباعاً، رأى رسول الله رجلاً يعظ أخاه في الحياء كأنه يقول له: أضعت بسببه خيراً كثيراً، أو فاتك خير كثير بسبب حيائك، فقال له: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، وفي رواية قال: (الحياء لا يأتي إلا بخير)، وقال: (الحياء خير كله) رواه البخاري ومسلم، فإذا أراد الله بعبده خيراً زينه بهذا الخلق وحلاه به.
وشدد الداعية المريخي على أهمية التمسك بخلق الحياء، مستقبحا كل من لا يتحلى به، وأضاف: "أيها المسلمون ما أقبح الإنسان بلا حياء ولا أدب، يقترف القبائح ويفعل ما شاء من الرذائل والسواقط والدنايا، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) رواه البخاري، يقول ابن رجب: "المعنى أن من لم يستحي صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر، وقال: الحديث فيه التهديد والوعيد".
ونبه الخطيب على أن الحياء قل اليوم بين كثير من المسلمين، حتى بات عملة نادرة، فحياة العصر بدأت تطرد هذا الخلق الكريم وتعمل عبثاً على تفريغ المسلمين منه، فنحن في زمان الحياء فيه عيب وسبة وعار، زماننا أو تصرفات بعضنا يقول لسان حاله: لا تستحي واترك الحياء جانباً فقد ولى زمن الحياء، إننا نعاني من قلة الحياء في اللباس والهيئة، فالهيئة النسائية ليست إلى خير تسير ولكنها إلى شر مستطير، التشبه بالكافرات المشركات اللائي لا يؤمن بالله ولا بلقائه، اللباس الواصف والمفصل والمفتح والفاتن والشفاف.

قلة الحياء

أما قلة الحياء عند الذكور فحدث ولا حرج، فمن التشبه بالنساء واستعمال حوائج النساء كالأصباغ والعطور وما شابه ذلك ومخالطتهن والتطبع بطبائع الإناث، كلها أمور تجعل الحليم في حيرة، ناهيكم عن قلة الحياء في اختلاط المرأة بالرجل باسم المسميات المتعددة والأعذار الواهية والتعليلات الهزيلة، فتظهر المرأة أمام الرجل الأجنبي عليها وتخاطبه كأنها تخاطب زوجها أو أباها أو وليها وتناقشه ويناقشها، كأن تحذيرات القرآن والسنة لم تكن، وكأن الله تعالى لم يأمر بفصل الجنسين عن الآخر، حتى تجرأ البعض فجاء بالرجال المغنين يغنون لهم في الأعراس فأدخلوهم على النساء، حسبنا الله ونعم الوكيل، إننا نعاني من تقليد المجتمعات المنهارة التي انهدمت أسوارها وخر عليهم السقف من فوقهم في لباسهم وسلوكياتهم وندخل كل جحر دخلوه وكل سبب نزل به العذاب فعلوه (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
ولفت المريخي النظر إلى أن قلة الحياء باتت تطبع المشهد الحياتي للأمة، حتى وصلت إلى النشر والكتابة، نشر الصور شبه العارية وكتابة المقالات والأخبار عن الشذوذ والفواحش، كل ذلك وغيره ينشر في ديار المسلمين وتسبب في فقدهم لأكثر أخلاقهم كالحياء والأدب التي تبنى بها النفوس وتبصر بها القلوب، إن عرض المشروعات العلمية والأدبية لا تعطي الإنسان الحق في نشر أو عرض أو الإفصاح باسم العلم والتقدم والتحضر.

إن منهج القرآن الكريم يعد أكمل المناهج بلا شك، وأشرفها وأرفعها، ولن يبلغ منهج أسلوب القرآن، وهو شرع لا بد من تبليغ الناس به، فلما أراد أن يبلِّغ ما يخص الطهارة بعد قضاء الوطر نجده يلمح ويكنى ولا يكشف ويصرح، كما في قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله ...) وقدموا لأنفسكم أي مما يهيئ الحال من المقدمات، ويقول سبحانه (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ...) وملامسة النساء هنا يعني الجماع، فلم يكشف القرآن ولم يصرح ولم يفتح الباب على المكشوف، إنما اكتفى بالكفاية والتلميح والتزام الأدب الرفيع، وهو شرع منزل لا بد من تبليغه للناس، فأين الذين يفضحون ويكشفون المغطى باسم العلم كما يزعمون أنهم من منهج القرآن وأسلوبه.

أ.س/س.س