قبل اثني عشر عاماً، في 2012، وخلال مرافقتي له للإسطبل والخوض لتجربة ركوب الخيل لأول مرة بمرافقته وحرصه بل وخوفه لأدنى إصابة قد تصيبني ولكن نظرته بأنه مكاني غلب خوفه عليّ بل يده التي رفعتني لأستطيع الركوب وخبرته التي سيطرت على الخيل لعدم خبرتي، رافقني في ذلك اليوم وهو يعلم بأنني لن أجعل ذلك اليوم يمر مرور الكرام في صفحة حياتي.
كانت البداية لرحلتي في عالم الفروسية، ورثت منه حب الخيل والفروسية بل حب البحر أيضاً، فأصبح ركوبه على سطح أمواجه من أصفى وأهدأ ما يمكنني فعله.
أبي بل داعمي الأول الذي آمن بي وبحلمي الذي كان هو سبب غرسه بداخلي في حين كان الجميع يرى أنها رياضة غير مألوفة للنساء في المجتمع. كان يؤمن بأن هذه الرياضة والتعامل مع الخيل سيعلمني ما يود تعليمه لي، ضبط النفس والرحمة على الكائن الآخر والصبر. ثلاثة أمور ترن في أذني منذ ذلك اليوم وحتى اليوم، وستبقى كالنقش الذي لن يزول.
كانت الصعاب لا تقتصر على صعوبة احتراف هذه الرياضة خاصةً في سن صغيرة بل أيضاً القدرة على التغلب على التحديات الاجتماعية التي كانت تواجه النساء في هذا المجال. تشبثت بالحلم كما أوصاني والدي الراحل وسأظل على وعدي له، لكنها رياضة كباقي الرياضات والذي يمارسها مهدد طوال الوقت بأي إصابة من أي درجة ممكنة، وقد واجهت إصابة أرغمتني على التوقف رغماً عني وعن قوة حلمي، لكنها كانت فترة أدركت خلالها مدى تعلقي بالخيل وقوة الترابط الروحي بيني وبينه، لم أستطع ممارسة التمرين لكن لم يُوقفني الأمر بأن أذهب بشكل يومي وأقضي ما تبقى من يومي داخل الإسطبل وبجانب الخيل لتمر الساعات دون أن أشعر بها. لم أدرك أن نصف التعافي من إصابتي كانت بسبب وجودي بمكان أحبه، فمضت تلك الأيام بسرعة لم أتوقعها ليصبح اليوم الذي أستطيع العودة لحلمي فيه قريبا وبشغف أكبر وحلم أثقل من ذي قبل. كل الفرسان منذ بدئهم لهذه الرياضة تعرضوا لعشرات الإصابات في مسيرتهم باختلاف درجاتها، وبالنسبة لي كذلك ولكنها كانت الأصعب لكنها علمتني أكثر من غيرها. اتبعت شغفي للخيل وتغلبت على الكثير من الصعاب في هذا المجال، أصبح مكاني الذي ألجأ له كلما زاد شوقي لوالدي الراحل عني فهو المكان والهواية التي كنا نقضي أجمل أوقاتنا معاً فيه، لأتذكر كل جميل مرتبط به وأحافظ على أصغر ذكرياتي معه.
أسترجع هذه اللحظات في اليوم العالمي للمرأة إيماناً مني بأنها قد تُلهم العديد من النساء اللاتي يواجهن أي صعاب في أي مجال من مجالات الحياة، الطريق لا يمكن أن يخلو من العقبات لكن بالسعي والتحدي ستقطعين الطريق وستجعلينه الوقود الذي يقودكِ إلى حلمكِ.
في الواقع المعاش، أصبحت المرأة تلعب أدوارا مهمة في المجتمع على مختلف الأصعدة، دورها في دفع عجلة التنمية ومسيرة النهضة الشاملة للبلاد، الرعاية والدعم، والأهم دورها الدائم في مجال التعليم وبناء أجيال ذي أساس تعليمي باهر. حضورها اللافت في جميع المجالات السابقة أحدث تغييراً بات واضحاً للجميع أنها جزء لا يتجزأ من عملية التطوير في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة. ومن الجدير بالذكر مدى تحمل المرأة للمسؤوليات وإن كانت في عمر صغير مقارناً بأقرانها.
فقد شهد المجتمع في السنوات القليلة الماضية تطورا لافت ذا أثر كبير يتناسب عكسياً مع عمر المرأة التي قامت بذلك الإنجاز في مجالها. العمر بالنسبة للمرأة مجرد عداد لا يُقاس عليه مدى ابتكارها ودافعيتها للإنجاز في أي مجال من مجالات الحياة.
في الحياة العملية نستطيع الإدراك أن المرأة نصف المجتمع ودون وجودها لم تكن الكثير من الأمور قابلة للتطوير والعوائق من التفاوت. بدءاً بوالدتي حفظها الله ورعاها وصولاً إلى جميع نساء المجتمع ممن لهن دور لا يُنسى ولا يُهمش في توليد نسخ مصغرة منهن نمشي على خطاهن ونتعلم من علمهن ونقتدي بمبادئهن ونطمح بأن نكون يوماً شيئاً يُخلد في ذاكرة المجتمع. كتب الله أجركن ورفع قدركن ورحم من توفى منكن وجميع موتانا وموتى المسلمين.