

د. علي الكبيسي: نستطيع إعادتها إلى مكانتها بإكساب الطفل «الفصحى»
الشاعر عبدالرحمن الدليمي: تراجع وتقدم اللغة مرهون بتفاعل المجتمع
آمال عراب: لا أرقام رسمية توضح مدى تراجع مكانة لغة الضاد
اتفق مختصون في اللغة العربية بأن مكانة لغة الضاد شهدت تراجعا ملموسا في المجتمعات العربية سواء في الحياة اليومية بشيوع لغات أخرى محلها في المطاعم والفنادق والمستشفيات، وأيضا داخل الأسرة وعدد من المدارس والجامعات، مؤكدين عدم وجود أرقام رسمية ترصد مدى هذا التراجع في مكانة اللغة، الأمر الذي يتطلب دراسة علمية وأبحاثا جادة تشخص الواقع الفعلي للوصول إلى نتائج معزّزة بوقائع حقيقية صادقة.
جاء ذلك خلال ندوة أمس تحت عنوان «هل تراجعت اللغة العربية في مجتمعاتنا» ضمن فعالياتُ موسم الندوات الذي تنظمُه وزارةُ الثقافة بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث تهدف تلك الفعاليات الأولى من نوعها في الدوحة إلى إثراء النقاش والحوار حول العديد من القضايا الثقافية والفكرية والفنية.
حضر الندوة التي أقيمت في مدرج كلية القانون بجامعة قطر، سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة، وعدد من المسؤولين الحاليين والسابقين، وتحدث خلالها كل من الدكتور علي الكبيسي رئيس قسم اللغة العربية السابق بجامعة قطر، والإعلامية آمال عراب في التلفزيون العربي، والشاعر عبدالرحمن الدليمي، ودارت نقاشات واسعة حول أسباب ومظاهر تراجع مكانة اللغة العربية في المجتمعات والوسائل المطلوب تفعيلها لمعالجة تلك الإشكالية.
دراسة علمية
وقال الدكتور علي الكبيسي رئيس قسم اللغة العربية السابق في جامعة قطر، إن الحكم بتراجع مكانة اللغة العربية في المجتمعات العربية أوعدمه يتطلب دراسة علمية وأبحاثا جادة تشخص الواقع الفعلي بمنهج علمي رصين وتصل إلى نتائج معزّزة بوقائع حقيقية صادقة، وفي غياب مثل هذا النوع من الدراسات ليس أمامنا سوى الاحتكام إلى مؤشرات وظواهر نقدر أنها يمكن أن تعيننا على الوصول إلى أحكام يغلب عليها الرأي الشخصي الذي يمثل وجهة نظر قائله.
وأضاف الكبيسي إن وجهات النظر بشأن هذا التراجع تتمثل في 3 آراء، أولا فريق يرى أن مكانة اللغة العربية تراجعت ولكنه أمر عارض وسيزول بزوال أسبابه وظروفه، ثانيا فريق يرى أن مكانة اللغة العربية تراجعت ويعده أمرا خطيرا ويحذر من تداعياته على الفرد والمجتمع والأم، وثالثا فريق يرى أن مكانة اللغة العربية لم تتراجع بل مكانتها محفوظة بنص القرآن وحكم الدستور.
وأوضح أن الفرق بين هذه الآراء الثلاثة، أن الرأيين الأول والثاني اعتمدا على الواقع الفعلي المتمثل في استعمال اللغة العربية في مواقف الحياة المتنوعة في حين غض الرأي الثالث الطرف عن هذا الواقع الاستعمالي متذرعا بالقرآن والدستور.
مظاهر التراجع
وبين الكبيسي أن من مظاهر التراجع هي أن الطفل العربي لا يحظى بما يعزز اكتسابه اللغة العربية الفصيحة بسبب اعتماد الأسرة التواصل معه بغيرها مثل اللغة الأجنبية، وأنه على الرغم من التطوير الذي أجري على مناهج اللغة العربية في عدد من البلاد العربية لكن الضعف الواضح لدى المتخرجين في مجال استعمال مهارات اللغة العربية ينبئ عن مشكلات عديدة في عمليتي التعليم والتعلم تتطلب جهودا عاجلة لبحث أسبابها ووضع الحلول المناسبة لها.
وتابع «أيضا نتج من عدم الوعي بأهمية اللغة العربية مفاهيم ونظرات خاطئة حولها أدت إلى تفضيل اللغة الأجنبية عليها والقول بصعوبة تعلمها وإتقان مهاراتها، إلى جانب ضعف الإقبال على القراءة باللغة العربية وأن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تعتمد على اللهجة المحلية كوسيلة للتواصل مع الجمهور، كما يمثل شيوع استعمال اللغة الأجنبية في كثير من قطاعات المحيط الاجتماعي تراجعا للغة العربية فيه، نجد ذلك واضحا في البنوك والفنادق والمستشفيات والإعلانات واللافتات».
واستكمل قائلا: إن «من مظاهر تراجع اللغة العربية أيضا ظلت زمنا بعيدة عن الاستعمال في مجال التقدم التكنولجي حتى ظہرت مبادرات عربية أسهمت في تطوير أنشطة في مجال تقنيات اللغة العربية».
وحذر الكبيسي في ختام كلمته، من أن تراجع اللغة العربية له نتائج سلبية وتداعيات خطيرة، وأخطرها ما يتعلق بأجيال المستقبل من الشباب حين لا يجدون بينهم وبين لغتهم العربية أية صلة ويفضلون عليها اللغة الأجنبية تحدثا وكتابة، مؤكدا أن المجتمع العربي يستطيع إعادة اللغة لمكانتها عبر الاهتمام بتعزيز دور الأسرة في إكساب الطفل العربي لغته الفصيحة وتغيير النظرة السلبية إلى اللغة العربية والاهتمام بتشجيع القراءة باللغة العربية واختيار الكتب التي تنمي الذوق الأدبي، وتخصيص برامج جادة باللغة العربية الفصيحة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
علاقة الإنسان واللغة
من جانبه رأى الشاعر عبدالرحمن الدليمي، أن الجزم بتراجع مكانة اللغة العربية في المجتمعات يحتاج تحديد العلاقة الوجودية بين الإنسان واللغة، والتأثيرات الوجدانية من ناحية امتدادها التاريخي بحضورنا فيها، وبين فهمنا لها من ناحية جوهرها الوظيفي.
وقال الدليمي إن استشكال المجتمعات عن اللغة ومكانتها يدفع لاعتقاد أن هناك عوائق صلبة أمام الوعي نأمل إزالتها من خلال إيجاد المكانة المناسبة للغة، لاسيما أن اللغة كأداة هي الجسـر الموصل والمدخل الرئيس للوعي والمعرفة وحسب، مضيفا أنه حتى نصل إلى معالجة موضوعية لهذا الاستشكال علينا أن نعيد تقييم العلاقة بيننا وبين اللغة وتحديد التفرعات الأكثر تأثرا في واقع حياة مجتمعاتنا.
وأضاف أن علاقة اللغة بوصفها كائنا يستمد قيمته من قيمة الإنسان الحضارية ويستمد قوته من قوة المنتج المعرفي المؤسس على اللغة حصـرا، مختلفة جدا عن علاقة الإنسان باللغة من حيث وظيفتها كأداة تخدمه. ومن جانب آخر، تأثير اللغة على درجات التفكير يقع ضمن العلاقة المباشرة بين اللغة كعامل مساعد ينمّي الوعي عند الفرد، الذي يسعى بدوره إلى تبوؤ مكانة معينة يريدها لذاته.
وتابع أنه «قد يتطور شكل هذه العلاقة لتتجاوز الفرد إلى مجموعة أفراد المجتمع الواحد تأثر فيهم اللغة وتتأثر منهم»، مضيفا أن «الفرد والمجتمع كلاهما لديه إرادة حرة في تحديد المكانة التي من خلالها تأتي اللغة لتساعد في عملية الوصول للمكانة المنشودة، ومن هنا يجب علينا معرفة أين نقف ومن أي زاوية ننظر للغة العربية بتعدد علاقتنا بها، ولأجل ماذا نطرح سؤال مكانة اللغة في مجتمعنا».
ورأى أن تراجع وتقدم مكانة أي لغة هو رهين لتفاعل مجتمعها الداخلي في خلق المعرفة وإدامتها، وأنه لا بد للمجتمع بتنوع أطيافه كلها من تفاعل حيوي مستمر ومواكب للواقع المادي والمعرفي والأخلاقي.
تجارب فردية
بدورها رأت الإعلامية آمال عراب أنه لا توجد أرقام رسمية توضح مدى تراجع مكانة اللغة العربية وأن الحديث حول هذا الأمر يأتي من تجارب فردية أومما نعيشه في المجتمع داخل بعض الأسر والمدارس أوما نسمع في خطابات بعض المسؤولين الرسميين.
وتطرقت عراب إلى الإشكاليات الدائرة حول مكانة اللغة العربية في بلدان المغرب العربي وتحديدا في بلدها الجزائر، قائلة إن «البعض يرى أن لساننا العربي سرق أو كسر بفعل الاستعمار الفرنسي الذي تجاوز بقاؤه في بلدنا القرن من الزمن، ووقتها استهدف الاستعمار الجوامع التي كان محصورا بها تعليم اللغة العربية، ومن هنا بدأت بإغلاق المساجد والدواوين لمنع تعليم اللغة العربية من أجل استئصاله عن وطنيته».
وأضافت «إن الجزائريين وقتها أصروا على عدم تبليغه للاستعمار الفرنسي وصحيح أن بعض مواطني المغرب العربي يميل لسانهم إلى الفرنسية ولكن هناك جهود حكومية في سبعينيات القرن الماضي ساهمت بشكل كبير في تعزيز مكانة اللغة العربية في بلدنا».
وبخصوص الأخطاء الشائعة في اللغة العربية رأت أن أصحابها يحتاجون إلى الكثير من الممارسة والإطلاع وأن يمتلكوا كل أدوات اللغة والاستمرار في التعلم كثيرا من الكلمات اللغوية.