«العرب» ترصد معاناة أسر الأطفال مصابي التوحد.. ودور الرميلة «قاصر»
تحقيقات
22 يناير 2017 , 01:36ص
حامد سليمان
ظلت بالقرب من ابنها المصاب بالتوحد لساعات، تسعى لتهدئته، واحتواء ثورته بين الحين والآخر، سعياً لإثنائه عن الخروج لممارسة نشاطه اليومي واللعب، واستمرت بجواره دون ذهاب للعمل لأسبوع كامل، تسترجع أم محمد ذكرياتها، وقتما سمعت عن أحد المراكز الخاصة بـ الأطفال المصابين بالتوحد في قطر، هذا المركز الذي ملأ الأجواء قبل عامين بالحديث عن كارثة وقعت به
فصاحبته كانت تسمح بضرب وتقييد الأطفال المصابين بالتوحد وإجبارهم في بعض الأحيان على تناول الشطة والحنظل، ورغم أن الشرطة ألقت القبض على مديرته، لم تخب جذوة أحزان أم محمد، إلا بعدما تيقنت أنه ليس من ضمن المراكز التي التحق به ابنها طوال الأعوام الماضية، ولكن في الوقت نفسه ظلت عشرات علامات الاستفهام حائرة دون مجيب في عقلها، كيف تطمئن للمركز الذي تودع فيه طفلها لساعات طوال، ولماذا لا تزيد المؤسسات الحكومية الموثوق في خدماتها، كمستشفى الرميلة، من خدماتها، لتستقبل الأعداد المتزايدة من الأطفال المصابين بالتوحد، وماذا عن آثار الضرب التي كانت تلحظها على جسد ابنها، أتعرض للضرب من أحد زملائه، أما أن خادمة فعلت ذلك، فالعاملات في هذا المجال ينقص الكثير منهن المعرفة، أين دور الشفلح؟ علامات استفهام تدور في خلد كافة الأسر التي يعاني أحد أبنائها من التوحد، ولا مجيب عليها.
والتوحد هو اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وبأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. وتتطلب معايير التشخيص ضرورة أن تصبح الأعراض واضحة قبل أن يبلغ الطفل من العمر 3 سنوات. ويؤثر التوحد على عملية معالجة البيانات في المخ وذلك بتغييره لكيفية ارتباط وانتظام الخلايا العصبية ونقاط اشتباكها؛ ولم يفهم جيداً كيف يحدث هذا الأمر. ويعتبر التوحد أحد 3 اضطرابات تندرج تحت مرض طيف التوحد (ASDs)، ويكون الاضطرابان الثاني والثالث معاً متلازمة أسبرجر، التي تفتقر إلى التأخر في النمو المعرفي وفي اللغة، وما يعرف باضطراب النمو المتفشي (يختصر عادة باسم PDD NOS) ويتم تشخيصه في حالة عدم تواجد معايير تحديد مرض التوحد أو متلازمة أسبرجر.
حالة القطرية «أم محمد» تكررت بين الكثير من الأسر في قطر، وفق حقوقية وناشطة في حقوق الطفل المعاق، آثرت الاكتفاء باسم «أم جاد»، والتي أكدت لـ «العرب» أن قرابة 20 مركزا خاصا لذوي الإعاقة في قطر، يغيب عن أغلبها معايير الجودة، وأن الأمل الوحيد للكثير من الأسر هو بإلحاق أبنائهم بمركز الشفلح «المركز الحكومي المختص بتأهيل وتعليم ذوي الإعاقة»، ولكن قوائم الانتظار التي قد تصل لعدة سنوات تقف حجر عثرة أمامهم.
ونوهت بأن مركز الشفلح يعد البوابة الوحيدة التي تقدم خدمة معقولة للأطفال المصابين بالتوحد، أما المراكز الخاصة، فهي غير كافية، ومن ناحية أخرى، فبعضها غير مؤهل لاستقبال الأطفال المصابين بالتوحد، فالبرامج العلمية والممكن أن تسهم في تحسين حالة الطفل غائبة تماماً عن بعض المراكز، وقطر بحاجة إلى مركز إلى مركزين إضافيين لتقديم الخدمة للأطفال المصابين بالتوحد، بنفس مستوى الشفلح.
قوائم الانتظار في الشفلح طويلة جداً، وبعض الأسر تنتظر لسنوات حتى تلحق أبناءها، تضيف أم جاد: في حين أن المراكز الخاصة، ومن خلال دراستي للوضع الحالي، فغالبية الأهالي ليست لديهم القدرة على دفع الفاتورة الباهظة لبرنامج جيد يمكن أن يسهم في تحسين حالة أبنائهم، والأعداد تتزايد بصورة مستمرة، فقبل عشر سنوات تقريباً كان العدد المرصود عالمياً هو طفل من بين عشرة آلاف طفل، أما الآن فأصبح العدد طفلا من كل ثمانية وستين.
وطالبت الحقوقية في مجال الطفل المعاق، بضرورة إنشاء أندية رياضية تستوعب الأطفال المصابين بالتوحد، فضلاً عن تكثيف الرقابة، خاصةً بعد حالة أحد المراكز، والتي أكتشف أن مديرته والعاملين فيه يعتدون على الأطفال بطريقة عنيفة.
أين «الشفلح» و«الرميلة» من خدمات التأهيل للأطفال؟!
شكاوى كثيرة، ومعاناة يومية تعيشها أسر الأطفال المصابين بالتوحد، حرصت «العرب» على رصدها، فبدورها تؤكد أم خالد «أم لطفل مصاب بالتوحد» من واقع تجربتها أن الاختصاصيين العاملين في مراكز أطفال التوحد الخاصة غير أكفاء، ومنهم من مجال خبرته بعيدة عن التوحد تحديداً، توافقها الرأي أم رحاب «أم لطفلة مصابة التوحد» التي تروي تجربتها مع المراكز الخاصة فتقول: تعاملت مع اختصاصية بأحد المراكز، وبعد شهر، راودني الشك حول طريقتها في التعليم، فطلبت الاضطلاع على مؤهلاتها العلمية، لأجد أنها متخصص في الجغرافيا، وكل علاقتها بالتوحد لا يخرج عن دورة تدريبية لشهر ونصف، ومن بين المشكلات التي تواجهنا أيضاً، أن الكثير من المراكز ترفض رؤيتنا لأطفالنا عبر الكاميرات أثناء تواجدهم في المركز، وهو خطأ يزيد الشك في نفس ولي الأمر، مضيفة أن دور مستشفى الرميلة، وهي من أبرز المستشفيات العاملة في مجال التأهيل ما زال «قاصراً» على حد وصفها، فالمستشفى لا تقدم سوى جلسة واحدة أسبوعياً للطفل، الذي يحتاج إلى جلسة يومية. أما أم عبدالله «أم لطفل مصاب بالتوحد»، والتي يعاني ابنها البالغ 11 عاما من التوحد، فكان لديها أمل في أن تلحقه بمركز الشفلح، ولكن مر على التسجيل 6 سنوات، وما زال الطفل على قائمة الانتظار، وتشكو أم محمد الكبيسي، من قلة الأماكن الترفيهية والرياضة المخصصة لأطفال التوحد، في حين أن شكوى أم عبدالرحمن تتعلق بعملية الدمج في المدارس، حيث تؤكد أن المدارس المستقلة لا توفر أكفاء للتعامل مع أطفال التوحد، مشيرة إلى أن مؤسسات الدولة ما زالت مشاركتها دون المستوى المأمول، وما زال أولياء الأمور يعلقون الآمال بأن يجد موضع قدم بها، وفي مقدمتها مستشفى الرميلة، التي لا تستقبل سوى أعداد قليلة من إجمالي الأطفال المصابين بالتوحد.
وشكوى أم محمد «أم لطفل مصاب بالتوحد» وهي متكررة بين عدد كبير من أسر الأطفال المصابين بالتوحد، حيث تقول: بعد سن 21 لا يوجد مركز أو مدرسة أو نزل به مختصون يستقبل المصابين بالتوحد، كما هو الحال في أميركا ودول أوروبا وهي مشكلة لا بد من حل عاجل لها، فالأعداد فوق هذا السن تتزايد، وتطالب أم ناصر بمركز إضافي، كالشفلح، ليستقبل كافة المصابين بالتوحد، لافتة إلى أن الرقابة على المراكز الخاصة دون المستوى، وهي مشكلة ظهرت عواقبها خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكدة أن الرميلة غائبة عن خدمات التأهيل، وأنها تشبه من يتفنن في عمل طبق كيك، ليطعم به ضيوفه البالغين ألف شخص، فلن يفلح جودة الطبق أمام الأمعاء الفارغة المحتاجة إلى المزيد من الطعام، وإن كانت جودته تجذب الكل على أن يحصلوا على قطعة منه.
د. موزة المالكي: خدمات تأهيل جيدة في المؤسسات الحكومية
من جانبها ترى الاختصاصية النفسية الدكتورة موزة المالكي، أن الدولة تقدم دعماً لا محدود لمركز الشفلح، وبناءً على هذا الدعم يجب ألا يلحق أي طفل بمركز خاص، منوهة بأن قوائم الانتظار في الشفلح ما زالت عقبة أمام الأسر لإلحاق أطفال التوحد بهذا المركز المتميز، ما يعني التوسع في الخدمات بصورة مضاعفة، وبشكل عاجل ليضم كافة الأطفال المصابين بالتوحد في المراكز الخاصة.
وطالبت المالكي بضرورة أن تصل خدمات الشفلح لكل طفل هو في حاجة لها، وألا يترك الأمر للمراكز الخاصة، لافتة إلى أن التجربة الأميركية في تأهيل أطفال التوحد يحتذى بها، ويمكن أن تطبق في قطر، فكبار الساسة، ومن بينهم الرئيسي الأميركي السابق بيل كلينتون افتتح عدة مراكز على أعلى مستوى من التجهيز لهذه الفئة، منوهة بأن الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة متميزة، ولكن لا بد أن تصل لكل من يحتاجها.
المراكز الخاصة تظل تجارية، هدفها ربحي، توضح الاختصاصية النفسية، مضيفة: الخدمة المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن تكون حكومية فحسب، حتى لا تخضع لمساومة وفق قدرة ولي الأمر المالية، منوهة بأن بعض الأسر لجأت لدولة مجاورة كالكويت، من أجل الحصول على خدمة جيدة.
وشددت المالكي على ضرورة إخضاع المراكز الخاصة لرقابة مشددة من الدولة، لحين دمج كافة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في الشفلح، وفي هذه الفترة يجب على رجال الأعمال أن يقدموا الدعم بصورة مباشرة لأسر الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن بينهم أطفال التوحد.
أحمد: «الرميلة» تقدم جلسة واحدة أسبوعية.. والطفل بحاجة لجلسة يومية
أحمد.ت، رب لأسرة مكونة من زوجته وثلاثة أطفال، أكبرهم طفل مصاب بالتوحد، يروي معاناته لـ «العرب»: معاناة الأسر المصاب أحد أبنائها بالتوحد تبدأ من اليوم الأول للولادة، فمراجعات لا تنتهي، أملاً في تحسن حالة الطفل، وأن يتعدل سلوكه ولو بنسبة بسيطة.
الدعم الذي يقدم لنا من قبل مؤسسات الدولة لا يمثل سوى نسبة بسيطة مما نحتاج له، يقول والد الطفل المصاب بالتوحد مضيفاً: إذا نظرنا إلى الشفلح، فقوائم الانتظار يمكن أن تصل إلى أكثر من خمسة أعوام، أيعقل أن الطفل ينتظر يد العون لخمس سنوات، وربما تزيد، في ظل أسر أغلب أفرادها لا يعلم الكثير عن التوحد، وغالبا ما تكون الحالة الأولى والوحيدة للأسرة، وهذا يعني أن الأم والأب يسعيان جاهدين ليتعرفا على التوحد، ويطبقان ما يحصلان عليه من معلومات على طفلهما، أتترك الأطفال لمعرفتنا المحدودة.
وعن مستشفى الرميلة وما تقدمه من جلسات تأهيل للأطفال يتابع: أغلب من تعاملنا معهم لا يعرفون الكثير عن الخدمات التي تقدمها الرميلة، وهو أمر يظهر غياب المستشفى عن أمر هام وهو التوعية بخدماتها التي تقدمها، ثم إن الخدمات التي تقدمها شحيحة جداً مقارنة بحاجة الطفل، فجلسة واحدة أسبوعياً لا تكفي لطفل هو في حاجة لجلسة يومية، فأغلب الأسر لا تحسن التعامل مع الطفل في أيام الإجازات والعطلات التي يقضيها بعيداً عن المراكز الخاصةً، فما بالنا بوقت يقضون أغلبه مع الأسرة.
وطالب بضرورة زيادة الخدمات التي تقدمها مستشفى الرميلة ومركز الشفلح، مؤكداً أن حالات الأطفال المصابين بالتوحد في تزايد مستمر، لا بد أن تعمل كافة المؤسسات المعنية على مواكبته بصورة عاجلة، حتى لا تزيد بصورة لا يمكن معالجتها، مشيراً إلى أن حالات الأطفال المصابين بالتوحد تزايدت في الأعوام القليلة الماضية بصورة كبيرة، وأن مؤسسات الدولة العاملة في هذا المجال ما زالت قاصرة عن مواكبتها.
ونوه بأن المشكلة تزداد تعقيداً بإلحاق الطفل في المراكز الخاصة، مضيفاً: فالخدمة المقدمة له غير جيدة من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما يحصل عليها المركز الخاصة في متوسط الأمور يتخطى نصف راتبي، ما يعني أن ما يتبقى لا يكفي في الكثير من الأحيان توفير معيشة كريمة لأسرتي.