حرب عقوبات ضد إيران.. تكسب الغرب وقتاً وتصعد التوتر

alarab
حول العالم 21 يناير 2012 , 12:00ص
لندن - رويترز
راكب على المقعد الخلفي لدراجة نارية تناور لتشق طريقها وسط خضم السيارات في ساعة الذروة الصباحية بطهران يمد يده ويلصق قنبلة مغناطيسية صغيرة في باب سيارة بيجو 405 فضية اللون. وحين انفجرت القنبلة بعد ثوان لتنسف باب السيارة وتقتل العالم النووي مصطفى أحمدي روشان (32 عاما) كانت الدراجة النارية قد اختفت مسرعة في زحام ساعة الذروة بالعاصمة الإيرانية. وتوحي البراعة التي نفذت بها أحدث عملية في سلسلة عمليات للتخلص من علماء نوويين إيرانيين بأن أعمال العنف التي تقوم بها دولة أو أكثر من أعداء إيران تمثل عنصرا يزداد وضوحا في حملة دولية لعرقلة برنامجها النووي. وأشاد بعض من عملوا بمجال الجاسوسية بفكرة توجيه ضربات لا يمكن إثبات ضلوع جهة معينة فيها للبرنامج النووي الذي يشتبه الغرب أن إيران تسعى من خلاله إلى امتلاك القدرة على إنتاج قنبلة ذرية بينما تقول طهران إن أغراضه سلمية. وقال روبرت أيرز الضابط السابق بالمخابرات الأميركية عن حادث اغتيال العالم النووي الذي وقع في 11 يناير «عشرة من عشرة. أصيب الهدف ولم يلق القبض على أحد». وأضاف «ما يبعث على الانبهار في هذه الأمور هو أنهم يجمعون الكثير من المعلومات ويدرسون الوضع على الأرض جيدا وهو ما يمكن أن يستغرق شهورا». وقال سيدني الفورد خبير المفرقعات البريطاني إن الهجوم من الناحية الفنية نفذ بشكل محترف. وتابع «نجح، ودرجة النجاح عالية جدا». لكن الهجوم -أيا كان مرتكبوه- يشكل فيما يبدو جزءا من سلسلة متسارعة من عمليات التخريب والاغتيالات تزداد وضوحا شهرا بعد شهر. ويقول محللون إنه كلما اتضحت ملامح هذه الحملة كلما زادت حدة تحديها لهيبة الدولة وللسيادة الوطنية وكلما تعمقت عقلية الحصار التي تحفز مسعى إيران لامتلاك قوة نووية. كان أحمدي روشان رابع عالم نووي إيراني يقتل خلال العامين المنصرمين ونجا عالم خامس من انفجار أصيب فيه هو وزوجته. وتقول إيران إن علماء اختطفوا أيضاً وأن فيروسا للكمبيوتر هاجم معداتها النووية كما وقع انفجار في قاعدة عسكرية وصفته طهران بأنه حادث عارض وأسفر عن مقتل أكثر من 12 ضابطا بينهم مسؤول البرنامج الصاروخي بالحرس الثوري. ويقول محللون غربيون إن هذه الحملة -التي تتزامن مع تشديد العقوبات الاقتصادية- قد توتر أي مساع لجس النبض على الصعيد الدبلوماسي بين طهران وواشنطن. وتميل إيران حاليا للتحدي. وقال علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني في اليوم الذي قتل فيه العالم النووي «إذا كانت إسرائيل تظن أنها قادرة على منع دراساتنا بأربع هجمات إرهابية فإن هذا أسلوب تفكير ضعيف للغاية... سيدرك الجميع أنهم غير قادرين على إيقافنا بهذه التصرفات». وكتب علي فائز وتشارلز دي. فيرجيسون من اتحاد العلماء الأميركيين يقولان إن من غير المرجح أن تعطل «أعمال إرهابية من هذا النوع» النشاط النووي لطهران أو تثنيها عنه. وأضافا «مناخ عدم الأمان الذي يتمخض عن هذا يعطي ذخيرة للمتشددين في طهران الذين يطالبون بالانتقام». وجاء قتل أحمدي روشان بعد أقل من أسبوعين من توقيع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قانونا يشدد العقوبات التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية على نحو لم يسبق له مثيل. ويرى البعض أن النجاح الواضح لتشديد العقوبات في استقطاب اهتمام زعماء إيران قد يطغى ولو في الوقت الراهن على الحاجة للجوء إلى أساليب سرية. وردا على القانون الأميركي الجديد الذي يستهدف عائدات إيران النفطية هددت طهران بعرقلة إمدادات الغرب من نفط الخليج إذا تضررت صادراتها. وحذرت واشنطن من أن القوات البحرية الأميركية مستعدة لفتح النار لمنع أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره ثلث تجارة النفط العالمية التي تشحن بحرا. وكتب جاري سيك خبير الشؤون الإيرانية والمسؤول الأميركي السابق يقول «وصلنا خلال هذه العملية من العقوبات المتسارعة إلى مرحلة بدأت فيها العقوبات تشبه الحرب». وأضاف «إذا نجحت العقوبات في تحقيق غرضها وهو وقف كافة الصادرات النفطية من إيران تقريبا فإن هذا يعني حصارا لموانيء النفط الإيرانية أي أنه يعني عملا حربيا». من ناحية أخرى فإن الحوادث اللافتة للانتباه في برنامج إيران النووي أو منشآتها العسكرية تتزايد فيما يبدو بالتوازي مع سلسلة وقائع متصلة بالتجسس رفعت حرارة الموقف الدبلوماسي منها إصدار محكمة إيرانية حكما بالإعدام على إيراني من أصل أميركي بتهمة التجسس وتحطم طائرة أميركية بلا طيار في شرق إيران نتيجة خلل فيما يبدو. وأثارت الاغتيالات انزعاج البعض في الغرب. وقال هانز بليكس وزير خارجية السويد السابق الذي تولى رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من عام 1981 إلى عام 1997 «حين يصل الأمر إلى القتل... فما الجدوى من هذا؟ أعتقد أن الناس سيكونون ساخطين، ليس في إيران وحسب. أعتقد أن الناس في كل مكان ساخطون». ويقول محللون إن تكرار مثل هذه الهجمات يمكن أن يزيد التوتر مما يصعد من خطر اندلاع اشتباك بين القوات الأميركية والإيرانية في الخليج أو شن إسرائيل غارة جوية على مواقع نووية إيرانية وقد يسفر أي من الاحتمالين عن إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي مؤقتا. ويتذكر المسؤولون الإيرانيون جيدا أنه قبل الغارة الجوية الإسرائيلية على المفاعل النووي بالعراق عام 1981 وقعت عمليات تخريب واغتيالات مشابهة نسبها كثيرون لإسرائيل. وقال جون كوتشرين خبير الدفاع بمؤسسة (إكسكلوسيف أناليسيس) ومقرها لندن إن حوادث القتل في إيران قد تعتبر فعالة «بالمعنى الضيق» المتصل بمحاولة تقويض الخبرة الإيرانية في المجال النووي. واستطرد قائلا «لكن من الواضح أن الخطر الكبير يتمثل في مسارعة الإيرانيين إلى توجيه أصابع الاتهام لإسرائيل أو الولايات المتحدة وبالتالي لا يوجد ما يمنعهم من شن هجوم مشابه مما ينطوي على خطر بدء دوامة من العنف». وأضاف «إسرائيل لاعب رئيسي. إنها الدولة التي تعتبر أن وجودها مهدد وتملك القدرة على تنفيذ خيار توجيه ضربة». وتقول ميتسا رحيمي من مؤسسة جانوزيان للاستشارات الأمنية بلندن إن حوادث القتل فشلت في ردع البرنامج النووي الإيراني لأن معظم زعماء إيران «سيقولون على الأرجح إن مقتل بضعة علماء لن يكون حاسما في هذه اللعبة». وحدث أن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أكد في اليوم التالي للاغتيال خلال زيارة لتركيا أن بلاده تريد استئناف المحادثات مع ست قوى عالمية لحل الخلاف النووي. وكانت المحادثات السابقة قد انهارت قبل عام. وترفض الدول الغربية حتى الآن اقتراح إيران بإجراء مزيد من المحادثات قائلة إنها مضيعة للوقت لأن طهران لن تناقش وقف تخصيب اليورانيوم. وسرت تكهنات بشأن اختلافات في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الأساليب التي ينبغي اتباعها. وكتب سيك خبير الشؤون الإيرانية يقول في حين أن الحكومة الإسرائيلية لا تثق في الطريق الدبلوماسي فإن إدارة أوباما بحثت مليا الآثار المحتملة لخوض حرب ضد إيران و «قررت أن العودة إلى طريق التفاوض ضرورية».