الدوحة تنتصر بهويتها ومخزونها الأخلاقي.. قطر تهدي العالم «بشت» الريادة

alarab
رياضة 20 ديسمبر 2022 , 12:50ص
مجدي زهران

مونديال 2022 علامة فارقة في تاريخ التنظيم 
قطر اقتلعت متاريس من حاولوا عرقلتها
الفكرة القطرية هدمت جدار الفصل بين البشر بالحب والرياضة 
مَن في العالم سجل أعلى نسبة أمان في المونديال؟ 
كأس العالم في قطر غيرت مفهوم الغرب عن الحضارة والتقدم
 

هذه كلمات نختتم بها حلمنا الجميل الذي عشناه واقعًا زاهيًا في قطر.. إنني اليوم أضيف إلى سجل عملي في الصحافة الرياضية فصلًا جديدًا اعتز بمعايشته واعتبره الأبرز والأجمل والأقرب إلى قلبي وهو مونديال قطر وقد سطعت أنواره في كل الدنيا، ولم تكن أنواره رياضية فقط ولكنها أنوار المعرفة الإنسانية والانفتاح على عبر ومفاهيم جديدة للحياة. 
مونديال قطر أحيا شيئًا في قلوبنا ظننا أنه مات منذ زمن، ولكن نجاحات العرب وتفوقهم، جاءت كرواية تحكى للقادمين من الخلف، الذين عبروا الظروف والأشواك، ثم اعتلوا مقدمة الصفوف، لتقول إن العبرة بمن قاوم الصعاب وكابد المشقة دون أن يفلت الأمل من يده. 
قطر اليوم وقفت في موقع الأستاذ لتعلمنا دروسًا عن الحياة والتاريخ ومجريات القوى بين موازينها العاتية، تعلمنا فيها أننا كعرب لم نعد نقف في نهاية الصف ننتظر إذن الدخول إلى دنيا الكبار، أو أننا نطلب مجرد السلامة وسط صراع الحيتان في مياه التنافس الدولي، بل إننا اليوم حوت جديد عاتٍ قادم من بحور الجنوب يثبت للعالم الشمالي أن مسرح التفوق يتسع للجميع. 
 في تاريخ البشر ظاهرة تتمثل في تكرار المحاولات الإمبراطورية للاستيلاء على الحضارة الإنسانية ونسبها إليها، وظلت إمبراطوريات الغرب تحاول بسط سيطرتها وعرقلة كل من يحاول النهوض وكأنها تريد أن تستولي بوضع اليد على الحضارة الإنسانية بأسرها، ولكن قطر اليوم تخترق حاجز الإبداع وتتفوق على ذاتها، وعلى متاريس من حاولوا عرقلتها، وتقول للعالم فلنهدم جدار الفصل بين حضارات البشر بالحب والرياضة. 
نجاحات قطر كممت أفواه منتقديها، فقد سمعنا قبل البطولة وحاججنا مرات ومرات بأن العبرة ليست بحجم الدولة ولكنها بعزيمة رجالها، قلنا إن تجربة التشجيع لن يكون لها مثيل، فمن في العالم غير قطر قد أقام بطولة كأس عالم تقع جميع ملاعبها في دائرة نصف قطرها 55 كيلو مترًا حول العاصمة الدوحة، مغطاة بـ4000 حافلة و37 محطة مترو. من في العالم غير قطر قد سجل أعلى نسبة أمان بحضور ملايين المشجعين وبدون وقوع تهديد أمني واحد بفضل الله. من في العالم غير قطر وضع جانبًا تنمويًا لمشاريع كأس العالم وتبرع بجزء من ملاعبه ومدرجاته ومقدراته للدول النامية تتيح لها فرصة النهوض والعبور إلى التقدمية. من في العالم قدم أكثر بطولة صديقة لأصحاب الإعاقة وصديقة للعائلات غير قطر، بالإضافة لكونها أكثر بطولة كانت آمنة على النساء، أليس هذا ما يجب أن يطرح في رأس الحضارة الغربية بالسؤال عن معنى التقدم والتحضر؟ 
إننا في تاريخ منطقتنا العربية وبالتحديد مع ظهور ما يسمى «عصر النهضة العربية» في القرنين الـ19 والـ20 ظللنا دائمًا نهرول خلف ثقافة الغرب وبصمها بالكربون على واقعنا العربي، فارتبط لدينا التقدم بمدى انطباق المظهر الغربي علينا، حتى أزياء ملابسنا اليومية حاولنا تقليد الغرب فيها، ودسسنا هويتنا في خزانات الانسلاخ والتبعية، وكأن ابن خلدون قد سرق النظر إلى المستقبل ليقول «المغلوب مولع دائمًا بتقليد الغالب»، لكن اليوم باتت قطر غالبة تعتز بهويتها ومخزونها الأخلاقي القائم على مبادئ العروبة والإسلام، لتكون هي من يقف في موضع من يريد العالم تقليده والسير على خطاه، وبذلك تكون قد كسرت مظاهر «ما بعد الاستعمار» التي عانت منها شعوب الشرق لعقود طويلة. 
البشت الذي ارتداه ليونيل ميسي خلال حمله كأس العالم هو رسالة واضحة ولحظة إعلان جلية بأننا اليوم نكتب إنجازًا بلغتنا وتقاليدنا، وأن النجاح لا يرتبط أبدًا بتقليد أحد وإلا فكان استنساخًا مشوهًا منزوع الهوية والطابع، قطر اليوم تكتب تاريخها بلغتها الأم وليس بلغة المستعمر، وتقول للعالم إننا كعرب قد خرجنا أخيرًا من عباءة التبعية لنلبس العالم عباءتنا ونخوض نجاحنا بهويتنا.