يجمع آخر مؤلفات الدكتور علي بن عبد الله الفياض، والمعنون «في رحاب التراث الشعبي القطري»، والصادر عن دار كتارا للنشر لعام 2023، المقالات التي كتبها في مناسبات مختلفة، وأزمان متفرقة، بعضها نُشر في الصحف والمجلات، والبعض الآخر قُدم في الندوات والإذاعة، ولكن جميعها موضوعات في التراث والأدب الشعبي القطري، والشعر النبطي، ما يجعل من جمعها بين دفتي كتاب واحد إصدارًا مهمًا؛ كي تتاح للباحثين والمهتمين بالتراث الشعبي والأدب القطري خاصة، والتراث والأدب الخليجي عامة.
جهود جيل الرواد
ينطلق في الفصل الأول بتسليط الضوء على الجهود الرائدة في جمع ودراسة التراث الشعبي القطري، فيوضح جهود جيل الرواد، الذين اهتموا بالتراث والأدب القطري، وأسهموا بجهودهم ومشاركاتهم، وكتبوا فيه، فيتناول جهود كل من: سيف مرزوق الشملان، محمد سعيد كمال، عبد البديع صقر، يوسف بن عبد الرحمن الخليفي، عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، محمد سلمان طالب الدويك، ناصر محمد العثمان، حمد بن محسن النعيمي، فوزي الخميس، خليفة السيد المالكي، عبد الرحمن المناعي، محمد حسن الفرحان، محمد عبد الله المري، أحمد محمد عبيدان، محمد المسلماني، علي شبيب المناعي. ثم جهوده الذاتية في جمع المأثورات الشعبية، والتي تنوعت ما بين الشعر النبطي والرواية الشفهية، إذ بدأ اهتمامه بجمع مواد التراث الشعبي منذ الشباب الباكر، فالتقى بعددٍ كبيرٍ من الشعراء والرواة من مدن: الشمال، أبو ظلوف، الرويس، الكعبان، النعمان، الذخيرة، سميسمة، أم قرن، أم صلال، والوكرة، وبلغ عدد التسجيلات التي أجراها معهم حوالي 160 شريطا، وكانت نتيجتها أن صدر له من المؤلفات: ديوان الشاعر القطري راشد بن سعد الكواري، لآلئ قطرية، ديوان الخليفي، ديوان الشيلات القطرية، الموسوعة القطرية، من أفواه الرواة، بدائع الشعر الشعبي القطري، من رواة التراث في قطر، محمد بن عبد الوهاب الفيحاني حياته وشعره وديوانه، عبد الله بن صالح الخليفي حياته وشعره، الديوان الشعبي للشاعر عيد بن صلهام الكبيسي، ذاكرة الذخيرة، القول الجميل في المؤسس الجليل، روائع شعراء قطر، ديوان عبد الله بن سعد المسند، ديوان محمد بن حسين السادة، وغيرها.
التراث الشفاهي
يخصص الفصل الثاني للدراسات والمقالات في التراث الشعبي القطري، ويتضمن 25 مقالة، تُعرِّف بالتراث الشفاهي، وأهمية جمعه وتوثيقه، وتجربة الفياض معه، ولمحات عن الأدب الشعبي في قطر كالشعر النبطي، وأبرز شعراء النبط في قطر، ونماذج من أشعارهم، كالشاعر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، المؤسس، الشاعر سعد بن علي المسند المهندي؛ الملقب بسعد الشاعر، الشاعر ماجد بن صالح الخليفي، الشاعر عمير بن راشد بن عفيشه الهاجري، الشاعر محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، الشاعر عبد الله بن سعد المسند، ثم يتناول الأمثال الشعبية والحكايات الخرافية أو الخيالية، والتاريخية أو الواقعية، والتجربة الإبداعية في الشعر الشعبي في دولة قطر، ووصف الإبل في الشعر الشعبي في الخليج والجزيرة العربية، والقهوة العربية في الأدب الشعبي في الخليج، ويخصص مقالا للدفاع عن الشعر النبطي، وأهميته كتراث شعبي، ومصدر تاريخي، ويلحقه بمقالة أخرى تبرز أهمية التراث في حياة الشعوب؛ مع التركيز على الشعر النبطي في قطر نموذجًا، ثم يتناول مخطوطات الشعر النبطي في قطر، مع التركيز على مخطوطات الشاعر سعد بن علي المسند المهندي (سعد الشاعر) نموذجًا، حيث يوضح أن له مخطوطات شعرية منها: البنك، دليل المحتار ومزيل الهموم والأفكار، البحر الزاخر فيما قاله سعد بن علي الشاعر، الإشارة في قصائد حرب الزبارة.
يخصص بعد ذلك مقالة للشاعر سعد البديد؛ ليوضح جوانب من تجربته الإنسانية وإبداعاته الشعرية، ثم يتناول في مقال «كشف المستور من الشعر المغمور»؛ المساجلات والمداعبات الشعرية بينه وبين الشاعر علي بن حمد بن قريع المري، في عام 1991، ثم يُعرف بالأمثال الشعبية، ويُحلل نماذج منها، مؤكدًا على أنها تعكس البيئة الطبيعية والاجتماعية، والأنماط الاقتصادية السائدة، فهي نماذج للحياة، وخلاصة تجاربها وفسفتها، ولهذا تتسم بالبساطة والتلقائية، والانتشار والارتباط بالمناسبات، ثم يركز على كتاب الأمثال الشعبية كأول كتاب عن الأمثال في قطر، ثم أثر البحر في الأدب الشعبي في الخليج العربي، حيث يذكر عددًا من الأمثال الشعبية الخليجية.
سنوات العُسر
ويتناول، بعد ذلك، سنوات العُسر التي مرت بقطر والخليج العربي، مركزًا على سنة الطبعة في عام 1924، محللا ما ورد عنها على ألسنة الشعراء، مؤكدًا على أن الشعر الشعبي أو النبطي مصدر مهم لتوثيق الأحداث والوقائع؛ ليُكمل في مقال آخر ألقاه في قاعة بيت الحكمة بوزارة الثقافة عام 2019 عن «عام الطبعة في قطر والخليج»، فيُسلِّط الضوء عن أقوال الرواة والمؤرخين عن هذه السنة، ليخلص في مقال بعنوان «دور التراث في تعزيز الهوية» إلى أن بين التراث الشعبي والهوية علاقة وطيدة متجزرة لا تنفك عراها، ولا تنفصم، ولا تنفصل.
ينتقل لتقديم لمحات من تاريخ قطر عن بعض القلاع والحصون والأبراج والمناطق القديمة؛ كأبراج الخور، قلعة الرويضة، حصن الغوير، برج جزيرة قعود، قلعة الخوير، وذلك من خلال الروايات الشفاهية والمقابلات الشخصية.
ماضي الريان المجيد
ويتناول جوانب من ماضي منطقة الريان المجيد، وحاضرها السعيد، وذلك من خلال ما ذكره الرواة، وما دونه الكتاب، وما ذكرته ألسنة الشعراء، ثم يكتب عن مجلة الحق كواحدة من أقدم المجلات في قطر، فيذكر أنها كانت تصدر عن المعهد الديني الثانوي، وصدر عددها الأول في رمضان 1383هـ (1964م)، وبعد ذلك يتحدث عن الكُتاب ودوره التعليمي، وختمة القرآن الكريم (التحميدة) وما يرتبط بها من أناشيد، ثم الحج قديمًا في قطر.
يختتم الكتاب بالفصل الثالث، الذي ينشر لأول مرة عددا من المقابلات مع الرواة: أحمد بن حسن الحسن المهندي، علي بن سيف المناعي، جابر بن محمد اللبدة المري، عوجان بن راشد آل شرعان الهاجري، سعد بن سعد المهندي، كليب بن محمد الكواري، علي بن خميس بن زامل الكواري.