يمكننا خفض نسبة الحوادث المرورية بإدخال تعديلات هندسية في تصميم الطرق
حوارات
20 مايو 2012 , 12:00ص
حاوره: محمد لشيب
انتقل من تخصصه كمهندس إنشائي في شركة للمباني والمنشآت إلى تخصص جديد في الهندسة المدنية، سافر من أجله إلى كندا ليدرس بجامعة كولمبيا البريطانية تخصص هندسة أمان الطرق وتحليل الحوادث، ويحصل منها على درجة الماجستير بعد دراسته لمبادئ هندسة الطرق وتحليل أنظمة النقل وتخطيط الطرق والعمران واقتصاد التشييد والمشاريع وتحليل الحوادث ورفع مستوى الأمان على الشوارع والإحصاء الهندسي والأمن الإنشائي. ومن أبرز المشاريع التي عمل عليها خلال فترة دراسته «التحليل الأوتوماتيكي لحركة المركبات لقياس درجة الأمان وتطوير التصميم الهندسي»، و «مشروع رفع مستوى النقل والاستدامة بمدينة فانكوفر الكندية».
إنه المهندس هيثم عدنان صادق الحاصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة قطر بوسام التفوق 2009، التقته «العرب» فكان لها معه هذا الحوار:
¶ لنبدأ بما يعتمل هذه الأيام في أوساط الشباب من حملات توعوية عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عبر الوسم «مجتمع بلا حوادث»، ما أهمية مثل هذه الحملات في الحد من الحوادث المميتة على الطرق، خاصة في ضوء ارتفاع نسبة الحوادث القاتلة التي تعرفها دولة قطر في الآونة الأخيرة، ومنها حادث طريق الخور الساحلي الأخير؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر جريدة «العرب» على اهتمامها، ومن الجميل جدا أن يصبح اهتمام المجتمع مركزا على قضية من حجم قضية الحوادث المرورية من خلال هذا الشعار: «مجتمع بلا حوادث»، بحيث يتم تحويلها إلى قضية مجتمعية تهم جميع أبناء قطر، وأنا كشاب عشت وتربيت في دولة قطر، مؤمن بدوري إن شاء الله في العمل للمساهمة في تقليل الحوادث ورفع درجة الأمان في الطرق، فهذه المسألة مهمة جدا وتحتاج إلى جهود الكثير من الأطراف التي يجب أن تتكاتف جميعها لتحقيق هذا الهدف.
وهذه القضية ليست محلية فقط، بل أصبحت قضية عالمية، حيث كثير من الدول مثل كندا والولايات المتحدة الأميركية وهولندا والسعودية تهتم كثيرا بقضية أمان الطرق وتقليل الحوادث، حيث أصبحت تمثل أهم أهداف تصميم البنية التحتية.
ومن المهم دائما أن نركز على أهمية تدخل المجتمع والرفع من نسبة الوعي المجتمعي حول أي قضية هامة، وهذا ما تقوم به هذه الحملة الجميلة والموفقة التي يقوم بها شباب تويتر «مجتمع بلا حوادث».
ونحن كما نعلم أن الحادث هو إفراز لتراكم ثلاثة عوامل: العنصر البشري ممثلا في السائق إضافة إلى المركبة ثم الشارع أو المكان الذي وقع فيه الحادث.
ومن المهم زيادة الاهتمام بتعليم السائق حول القوانين المرورية وضوابط السياقة وسلوكياتها الحسنة بالإضافة إلى سن القوانين المتعلقة بسن السائق وتعليمه، والحمد لله فإن الاهتمام بدولة قطر بالعنصر البشري ممتاز وهام، لكنه يجب أن يُدعم بالمجالين الآخرين وهما المركبة والطريق وهذا هو تخصصي في إعداد شوارع أكثر أماناً وأقل حوادث.
¶ الحملة هي نتاج تراكم سلسلة من الحوادث القاتلة التي عرفتها دولة قطر، آخرها حادث طريق الخور الساحلي التي راح ضحيته ثلاثة شباب قطريين رحمة الله عليهم، كيف تقيم ارتفاع نسبة الحوادث المميتة بدولة قطر، وما علاقتها بمستوى نسبة الأمان على الطرق بالدولة؟
- طبعا هذه قضية جد مهمة، فقطر تعرف معدلات عالية مقارنة بنسبة عدد السكان، كذلك كثير من الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر تعاني من ذلك، فمن خلال تفحص سريع على الانترنيت فإننا نجد أن الحسابات التي تعد حول عدد الوفيات تحسب بالنسبة لكل مائة ألف نسمة، لكي نقوم بالمقارنة، ففي قطر يمكننا أن نتحدث تقريبا ما بين 250 إلى 300 وفاة في السنة وهو عدد كبير مقارنة بعدد السكان، والسعودية تشهد ما بين 5000 و6000 وفاة سنويا على عدد 25 مليون نسمة، بينما في هولندا التي يبلغ سكانها نفس العدد لا يزيد ضحايا حوادث السير فيها عن 1000 وفاة في السنة، يعني أننا نتحدث عن فرق يصل إلى 600 بالمائة بين السعودية وهولندا.
وفي المتوسط بالوطن العربي تعتبر نسب الحوادث مقارنة بعدد السكان تعد عالية، لكن الحمد لله دولة قطر عملت على تأسيس اللجنة الوطنية للسلامة المرورية وهذه رؤية ثاقبة تمتد من رؤية قطر في الاهتمام بالإنسان والحفاظ على أعلى كنز تمتلكه الدولة كثروة بشرية، ومن ذلك ننطلق للتفكير في حلول عملية ناجعة لإيقاف النزيف.
¶ من بين الحلول هذا العلم الذي تخصصت فيه وانتقلت من هندسة المباني والمنشآت إلى هندسة أمان الطرق وتحليل الحوادث، حدثنا عن هذا العلم ومدى الحاجة إليه لحل هذه المشاكل؟
- ببساطة كما قلت هناك ثلاثة عناصر: السائق والمركبة والطريق، ومعلوم أنه مهما دربنا السائق على فنون قيادة المركبات، فإنه تظل هناك هوامش للخطأ، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، وهنا يأتي دور المركبة والطريق لمعالجة هذه الأخطاء، وكلاهما من صنع الإنسان.
وعلم هندسة أمان الطرق بني على فكرة أن حل المشكلة لا يجب أن يكون دائما من نفس نوعية سببها، مثلا لو كانت المشكلة هي الرعونة والتهور في السياقة، فإن الحل أحيانا يأتي بطريقة مغايرة لا تركز على هذه المسألة، وفي علم هندسة طرق نؤمن أننا نستطيع أن نبني شوارع وطرق تمنع السائق من الوقوع في الخطأ من الأساس، وحتى إذا وقع السائق في الخطأ لا قدر الله نستطيع من خلال الهندسة التي بنيت عليها تلك الطرق أن نصحح تلك الأخطاء ونرجع سائق المركبة للطريق الصحيح.
وهذا العلم ليس مجرد فلسفة أو نظرية، بل هو مبني على علم الإحصاء الدقيق، وعلى الراغب في نهج هذا التخصص أن يكون ملما بالأدوات الهندسية والإحصائية حتى يتمكن من التعامل مع هذه الإشكاليات والتأكيد على أن أي تعديل في تصميم الشارع يمكنه أن يؤثر في نسبة الحوادث.
على سبيل المثال في كندا التي حصلت فيها على الماجستير من جامعة كولمبيا البريطانية، يقيم الحادث المميت كخسارة للمجتمع بما يقارب 6.2 مليون دولار، وهذا الرقم يحسب بإحدى طرق التقييم من خلال الحديث عن مساهمة المجتمع في التكلفة التي يقدمها لحماية أفراده، وبالخسارة التي يتكبدها المجتمع بسبب فقدان ما يمكن أن ينتجه هذا الشخص المتوفى إن بقي حيا، وهذا يعني ليس حساب فقط التكلفة المباشرة ممثلة في الخسائر الصحية والطبية والعلاج والأسر والخسائر المادية للمركبات والطرق، لا الأمر يمتد لما هو أشمل، وطبعا نحن في القرآن الكريم نؤمن بما هو أعظم من ذلك يتمثل في قوله تعالى «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، وهذا تقييم لا محدود لقيمة النفس البشرية.
وهذا العلم يجد تمويلا كبيرا جدا في الدول المتقدمة، ويأتي الدعم الكبير من عدة جهات مثل التمويل من شركات تأمين السيارات لكي تساهم في تقليل الحوادث، وبالطبع المؤسسات والجهات الحكومية لحماية المواطنين وزيادة الأمان.
أما علم تحليل الحوادث، فمثلا في بعض الدول المتقدمة يطلب من المهندس مصمم الشارع تقديم ثلاثة تصاميم مختلفة للشارع، ويقوم بنظام إحصائي معين بحساب عدد الحوادث المتوقع بإحصاءات سابقة لطرق مشابهة، فيستطيع تقدير درجة أمان كل تصميم من الثلاثة تصاميم والتوصية بالتصميم الأكثر أمانا منها.
وقد بدأت وزارة البلدية والتخطيط العمراني تأخذ بهذا التدقيق الأماني للطرق، حيث أصبحت تعرض كل تصاميم الطرق على تدقيق مسبق لمراعاة مدى توفر الأمان والسلامة عليها، وهذه جهود متميزة ومباركة للمساهمة في زيادة الأمان وتقليل الحوادث في دولة قطر.
¶ هل الشوارع التي ستخضع لهذا التدقيق والإضافات الخاصة بهندسة أمان الطرق ستكون مكلفة أكثر؟
- نعم أحيانا قد تكون مكلفة أكثر، وقد تكون أحيانا أخرى ذات تكلفة بسيطة جدا، لكنها تحتاج إلى علم ومعرفة، سأعطيك مثالا بسيطا لأحد الشوارع في كندا بمسارين ذهابا وإيابا، ولا يكاد يوجد فاصل بين المسارين، وكانت أغلب الحوادث التي سجلت عليه بين السيارات وجها لوجه بسبب إغفاءة خفيفة للسائق نتيجة التعب، فتنحرف السيارة وتدخل في المسار المقابل.
الحل كان بسيطاً، حيث تم عمل ارتفاعات وانحناءات خفيفة متقطعة على جنبات المسارين، بحيث تنبه السائق من خلال اهتزاز السيارة إلى أنه سيخرج من مساره فينتبه ويرجع السيارة إلى مسارها الصحيح.
ومن خلال دراسة إحصائية تناولت وضعية هذا الشارع ثلاث سنوات قبل التغيير في هندسته وثلاث سنوات بعدها، خلصت إلى أن نسبة الوفيات قلت بدرجة %40، يعني إذا كان الشارع يتسبب في وفاة 100 شخص سنويا، فإننا بهذا الأمر البسيط سننقذ 40 نفسا بشريا من الموت، ولو نتكلم عن شبكة طرق كبيرة ستكون لدينا مئات الحلول الكبيرة التي تفوق هذا الحل البسيط، ففي بعض المرات يكون المطلوب هو وضع اهتزازت خفيفة.
هذا علم ليس نظريا بل هو مبني على حسابات دقيقة وإحصاءات، وذلك تبعا لما عرفته العلوم المتعلقة بهندسة الطرق، حيث نسعى لضمان طريق آمن بأقل مقدار من الحوادث، وأقل خسائر ممكنة، وأعلى مستويات انسيابية الحركة المرورية، وذلك باستخدام تقنيات أفرزتها التكنولوجيا الرقمية، وعلوم الحاسوب وبرامجه المتقدمة.
وعندما نتكلم عن التفاعلات في الشارع، فنحن هنا لا نتكلم عن تفاعلاتنا نحن كسائقين مع بعضنا بالكلمة، الطيبة أو غير الطيبة، ولا عن حواراتنا بأجهزة التنبيه، ولكننا نتكلم عن تفاعلات تشمل الطريق والمركبة والسائق، هذه التفاعلات تتم بطرق مختلفة، ولأسباب متنوعة منها قرارات السائقين بالدرجة الأولى، وكل هذه المعطيات أصبحت مجال اهتمام علم هندسة أمان الطرق.
إن علم هندسة أمان الطرق هو فرع ريادي في الدول المتقدمة، يدرس عبر أساليب عديدة العلاقة بين المركبة والسائق والطريق، عبر دراسة المخالفات المرورية، والتوعية بها، وتجهيزات البنية التحتية، ناهيك عن دراسة تصميم الشوارع والطرق تحقيقا لانسيابية المرور، وأمانه.
¶ ماذا عن تقنيات تحليل الحوادث؟
- يقوم باحثو علم هندسة أمان الطرق بتحليل آلاف الحوادث المرورية، والبحث في مجريات كل حادثة على حدة، عبر تحركات المركبات التي وقع الحادث بينها، ودراسة التفاعلات التي قادت لاتخاذ السائقين قراراتهم قبل الحادث، وذلك بغية الوصول لفهم العلاقات المتبادلة بين السائق والطريق والمركبة.
من أهم التقنيات الحديثة المستخدمة في تحليل الحوادث تقنية التحليل المرئي الآلي، والتي تتكون من آلة تصوير بسيطة تثبت عند التقاطعات والإشارات المرورية الضوئية، لتقوم بتصوير المركبات، وتفاعلها مع بعضها أثناء السير، وتقيم آليا مدى شعور السائق بالراحة أثناء المرور بهذا التقاطع، ومن المعطيات التي تؤخذ بعين الاعتبار هنا: مدى اقتراب أو بعد المركبات عن بعضها وعن المشاة في الطريق.
وتقنية التحليل المرئي الآلي تعتمد بشكل كبير على موقع آلة التصوير عند التقاطع وارتفاعها والزاوية التي تصور منها هذه المركبات، وتبدأ المرحلة الأولى من التحليل المرئي بتصوير التقاطع ليوم أو يومين، ثم يتم تحديد التقاطع، وأخذ صورة من مقطع الفيديو، وصورة من موقع جوجل لنفس المكان، وتحديد النقاط المتماثلة في الصورتين.
وقد طور الباحثان إسماعيل وطارق السيد وسونيور سنة 2010 بجامعة بريتيش كولمبيا عدة برامج حاسوبية، تقوم بمراحل التحليل المرئي للتقاطع، فتبدأ بمرحلة ربط مقطع الفيديو بصورة خرائط جوجل وتعرف بمرحلة ضبط الكاميرا (camera calibration)، وذلك لضمان تماثل تحركات المركبات في الفيديو تماما مع المسافات والمساحات الموجودة على الواقع.
بعد ذلك، تبدأ مرحلة تحليل مقاطع الفيديو بتقنية التحليل الصوري (Image processing)، وذلك باستخدام صورة للتقاطع خالية من المركبات والمشاة، لتقارن بصورة تتبع مشاهد مقطع الفيديو لحظة بلحظة (frame)، حيث إن مقطع الفيديو عبارة عن مشاهد (frames) تكرر بمعدل 29 مشهدا في الثانية.
ومع تكرار المقارنة بين الصورة الثابتة (الخلفية) الخالية من أي مركبة مع مشاهد الفيديو سريعة التكرار، تنتج عبر برنامج الحاسوب المستخدم مجموعة من النقاط المتحركة في المقطع، وتتجه بنفس اتجاه المركبات والمشاة، وعبر هذه المقارنات الفورية، يحدد البرنامج الحاسوبي اتجاه وحجم وسرعة المركبات والمشاة.
يعقب تلك المرحلة، تصميم جداول ضخمة لكل المركبات والمشاة الذين تم تحديدهم في مقطع الفيديو، بكل التفاصيل حول الحجم والسرعة والاتجاه، ويقوم البرنامج الحاسوبي بحساب التفاعل بين هذه المركبات، وذلك عبر عدة طرق أهمها: حساب الوقت الفاصل بين الاصطدام المحتمل بين أي مركبتين (Time to Collision)، وكلما قل هذا الوقت، كلما كان التفاعل حادا، والتقاطع أكثر خطورة، وكلما قلت احتمالية تصادم المركبات وبعضها، كلما كان تصميم التقاطع أفضل وكانت حركة المرور أكثر انسيابا وأمانا.
وتتميز هذه التقنية ببساطتها، وقلة تكلفتها، وسهولة تنفيذها في كل التقاطعات التي تتوفر بها كاميرات مراقبة السرعة والمخالفات المرورية، وتتميز أيضا طريقة دراسة الأمان بأكملها، بأنها تدرس أمان التقاطعات بتحليل التفاعل بين المركبات دون انتظار تكرار الحوادث في التقاطع، وكانت الطرق السابقة تعتمد بالأساس على كم الحوادث المتكررة في التقاطعات، ومع زيادة الحوادث في تقاطع ما، يبدأ المهندسون دراسته لتحليله وتعديل تصميمه، ولكن طريقة التحليل المرئي تخلصت من الوقت المهدر في انتظار الحوادث، والخسارة المادية والمعنوية فيها، فتساعد على دراسة التقاطعات قبل حصول الحوادث، ودراسة تفاعلات المركبات دوريا وباستمرار بأبسط التكاليف ما يضمن المسارعة في علاج التصميم عند الضرورة لضمان مستويات أمان أعلى في الطريق، وانسيابية أكثر لحركة المرور.
¶ الآن دولة قطر كلها ورشة عمل كبيرة في مجال الطرق، ما الذي تحتاجه الدولة في ظل هذه النهضة التي تعرفها للاستفادة من هذا العلم؟
- غياب الأمان على الطرقات يعد من أعقد المشاكل في شبكة الطرق، وفي الغالب فإن ظواهر من هذا القبيل في العادة لا يكون لها حل واحد، بل عبارة عن مجموعة من الحلول المتكاملة مع بعضها البعض.
ففي قضية حوادث المرور والطرق تقترح الدراسات والبحوث أولا مثل الإكثار من هذه الحملات التوعوية التي تستهدف المجتمع، إلى جانب التركيز على التعليم المتخصص للسياقة، فمثلا في كندا يجب على كل سائق دراسة كتاب قوانين المرور والذي يحوي أكثر من 180 صفحة بها كل تفاصيل المرور والسياقة، فيجعل السائق متمكنا وعارفا لكل المخاطر المحتملة.
كذلك يجب تخصيص أماكن لتفريغ طاقات الشباب حتى لا تتحول الشوارع إلى حلبات للسباق والمنافسة في استعراضات السيارات.
أما في مجال تخطيط الطرق، فلدينا أكثر من مسار من بينها أن يتم تصميم الشوارع بحسب علم هندسة أمان الطرق، فقبل تصميم أي شارع يتم عرضه على مهندسي هذا العلم ويقيمون كل شارع وذلك ببحث كل ما يمكن إضافته من تطوير للأمان في الشارع، ولا بد أن تتم هذه الدراسات التي أصبحت من متطلبات اعتماد تصميم الطرق من وزارة البلدية والتخطيط العمراني.
لن تستطيع أي دولة في العالم ليس في قطر فقط أن تستمر في توسعة الشوارع والزيادة في عدد المركبات باستمرار، بل يجب العمل على إحياء أساليب النقل العام التي تتميز بالجودة العالية والسرعة المقبولة، حيث لا يمكن أن تظل فكرة السيارة الشخصية لكل فرد، فمثلا لو ظلت الصين على هذا معدل ازدياد المركبات الحالي فستكون في حاجة إلى كرتين أرضيتين لكي تفي بحاجيات سكانها، فالجسور والأنفاق وتوسعة الطرق مهمة، ولكنها يجب أن تتوازى مع تطوير شبكة النقل العام ذات الجودة العالية.
والحمد لله لدى دولة قطر تفكير متميز في هذا الصدد من خلال مشاريع تطوير خطة النقل العام والسكك الحديد، لكن ذلك لا بد أن يتعزز بإجراءات تشجيعية لاستخدام وسائل النقل العام ذات الجودة العالية، مثلا في كندا ركن السيارة في وسط المدينة يكلف حوالي 25 دولارا أي ما يفوق تكلفة العشاء الذي يمكن أن يتناوله صاحب السيارة هناك، كل ذلك من أجل تخفيف الضغط والازدحام والتقليل من الاعتماد على وسائل النقل الشخصية لصالح الوسائل العامة، والتي تساعد عليها شبكة الطرق ووسائل النقل من خلال تصميمها.
النقطة الثانية هي في تحليل الأمان للشوارع القائمة، فأصبح لدينا نقاط سوداء مشهورة في الطرق، ولذلك نحتاج لتقييم لحظي لمستوى الأمان في هذه الأماكن وبناء عليها يتم بعدها التعديلات الهندسية التي كثيرا ما تكون ذات تكلفة بسيطة، إضافة لما قلناه بخصوص المشاريع المستقبلية بحيث يتم تحليلها مسبقا وبعد إنشائها لقياس درجة الأمان، إلى جانب التشجيع على النقل العام والحرص على التصميم العمراني باختيار الأماكن المتنوعة الاستخدامات في نفس المكان، مما يقلص بالأساس من التنقلات الكبيرة بين الأماكن المختلفة وبالتالي التقليص من درجة التعرض للحادث الذي يزداد مع ازدياد الحركة والسياقة.
¶ إذا أخذنا بعض الأمثلة التفصيلية مثل طريق مسيعيد الذي يشهد معدلات رهيبة من الحوادث خاصة في موسم التخييم، إلى جانب عشرات النقاط السوداء التي تعرف درجات مرتفعة من الازدحام؟ ما تقييمك لكيفية التعامل مع هذه المشكلات؟ وهل الدوارات هي الأصلح أم التقاطعات؟
- أولا تقييم مدى تقلص نسبة الحوادث يتطلب وقتا طويلا نسيبا، فلا يمكننا تقييمه خلال أسبوع، عادة يأخذون سنة أو سنتين قبل وبعد الدراسة.
أما بالنسبة للدوارات في دولة قطر واللجوء إلى تحويلها إلى تقاطعات، فإنني قد أفاجأ القراء بأن الدوارات أفضل بالنسبة للتقليل من الحوادث، فهناك عراك في تصميم الدوار بين التقليل من الزحام وتقليل الحوادث، فعادة الحوادث في التقاطعات أكثر خطورة من حوادث الدوارات، حيث عادة ما تكون حوادث التقاطعات خطيرة ومميتة، أما في الدوارات فعادة ما تؤدي الحوادث للتأثير في الحديد فقط، ولكن بشكل عام نحتاج في قطر إلى دراسات تؤكد فعالية الدوار أو التقاطع ودرجة الأمان في كل منطقة على حدة.
أما طريق مسيعيد فمن الواضح أن هناك مشكلة أمان على الطريق، والحل هو أن يتم عمل دراسة تدقيق مباشرة للطريق، وذلك بالحصول على معلومات وأسباب كل حادث على حدة وتحليل ميكانيزم الحادث من جذوره، واستخلاص الحلول الملائمة لضمان هندسة جديدة للشارع تراعي الأمان والسلامة لحماية الأرواح التي تذهب ضحية على هذا الطريق المهم، سواء على مستوى السرعة أو على مستوى التصميم أو غيرهما، فالحلول تعتمد على التحليل والتقييم وهناك أكثر من طريقة لذلك، بناء على دراسة الحوادث التي حصلت على الطريق وكيف وقعت من خلال تقارير إدارة المرور ويتم دراسة تحليل الحوادث بتفاصيلها واقتراح الحلول الملائمة.
وقد قمت خلال بحثي لنيل الماجستير في جامعة كولمبيا البريطانية بإشراف الدكتور طارق السيد بتنفيذ طريقة جديدة في تقييم أمان الشارع وذلك من خلال وضع كاميرات للمراقبة على مدار الساعة تكون مرتبطة ببرنامج كمبيوتر متطور جدا يستطيع أن يحلل طريقة تحاور المركبة مع الشارع وتفاعل المركبات مع بعضها البعض، ومن خلال تجميع هذه المعلومات وتحويل الفيديو إلى حسابات دقيقة لحركة المركبات وسرعتها وعجلتها، ومن خلال هذه المعلومات تستطيع أن تقيم هل هناك مشكلة أمان في الطريق أم لا؟.
والآن دولة قطر تستثمر في هذا المجال من خلال أنظمة النقل الذكية للتغلب على الازدحام وتوفير الأمان على الطرق كما رأيت في بحوث واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا.
¶ خلال المشاريع القائمة تعمد هيئة الأشغال العامة إلى وضع عدد من التحويلات المرورية لكنها لا تتوفر على معايير الأمان عليها، كيف السبيل لضمان الأمان عليها؟
- التحويلات التي تنفذ على الطرق تعد تغييرا جذريا في الطريق وتصميمه، خاصة أن الناس لم يعتادوا على هذا التغيير المؤقت، وبالتالي فإن ردة فعل السائق قد تكون صعبة في غضون ثانيتين أو ثلاث، وهو ما لا يمكن أن يلاحظه السائق، لذلك ينصح بأن كل تغيير في تصميم الشارع من خلال التحويلات يجب أن يخضع بدوره لتدقيق أمان من الجهات المختصة للتأكد أن تصميم هذه التحويلة سيضمن عدم التسبب في الازدحام والتأكد من تجهيز السائق للتحويلة بوضع منبهات تساعد في التحويل التدريجي بنقل السرعة من 100 إلى 80 إلى 60 و50 قبل الدخول في التحويلة بسرعة مناسبة، وبالتالي فإن تصميم الشارع سيمنع السائق من الخطأ والتقليل من خطورة أخطائه في حالة وقوعها.
وهيئة الأشغال تقوم بهذه الدراسات قبل اعتماد أي تحويلة في الطرق، وتزيد فعالية هذه الدراسات كلما زاد الدعم بالمعرفة والعلم المتخصص في هندسة الأمان وتحليل الحوادث، والعمل على تبيئة هذا العلم بدولة قطر أي جعله أكثر توافقا مع البيئة القطرية.
¶ ما تقييمك للجهود المبذولة من قبل دولة قطر؟
- أنا الحمد لله سعيد ومتفائل جدا بخصوص توجهات الدولة نحو تطبيق الأمان والسلامة المرورية، وكذلك الجهود المختلفة من حملات مجتمعية وإطلاق اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، فكل ذلك جهود كبيرة ستثمر نتائج طيبة بإذن الله،
ونحن نحتاج اليوم إلى تعاون كل الأطراف والجهات المعنية من مؤسسات وشركات ومهندسين وأبناء المجتمع للمساهمة في تقليل الحوادث وحفظ أبنائنا لمستقبلنا المشرق إن شاء الله.