د. منى الكواري مدير التحرير والنشر بـ «إرثنا» في حوار لـ «العرب»: 5 تحديات بيئية تواجه قطر

alarab
الملاحق 20 مارس 2025 , 01:23ص
حامد سليمان

دمج العمارة التقليدية  المراعية للبيئة في التصاميم الحديثة مثل المشربيات تسهم في تقليل استهلاك الكهرباء
الاستدامة ليست ممارسات غريبة علينا.. فهي متجذرة في ثقافتنا الإسلامية والقَطرية
 استبدال عبوات المياه البلاستيكية بالأواني الفخارية عادة محلية تؤثر  في تعزيز صحتنا
فكرة التجمع معاً في المجالس  تشجع على مشاركة الموارد وتقلل من الهدر والنفايات

 

أكدت الدكتورة منى مطر الكواري - مدير التحرير والنشر في «إرثنا: مركز لمستقبل مستدام»، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، أن التحديات البيئية التي تواجه قطر، تنبع معظمها من المناخ الحار والجاف، وقلة الموارد الطبيعية، والنمو الاقتصادي السريع، مشيرة إلى أنه يمكن لإستراتيجيات الاستدامة أن تخفف من آثار هذه التحديات وتمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة.  ونوهت في حوار مع «العرب» إلى أن ندرة المياه تشكل تحديًا رئيسيًا، حيث تعتمد البلاد على تحلية مياه البحر، وأن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة، نتيجة الاعتماد على أنظمة التبريد، لافتة إلى أن إدارة النفايات تشكل تحديًا آخر، خاصة مع تزايد النفايات البلاستيكية.  وتؤمن الدكتورة منى مطر الكواري بقوة التغيير الجماعي، وترى أن الخطوات الصغيرة التي نتخذها جميعًا يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا، هذا الإيمان قادها للحصول على الدكتوراة في البيئة المستدامة من جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، حيث تركزت أبحاثها على الدور المحوري والفاعل للجهود التعاونية في حماية البيئة والحفاظ عليها. بحيث ينطلق عملها باستمرار من فكرة جوهرية مفادها أن كل جهد بيئي – ولو كان صغيرًا - يقرّبنا أكثر من الوصول إلى مستقبل مستدام، مستفيدةً من بيئة المركز الحيوية والزاخرة بالمعرفة والابتكار.  وإلى نص الحوار:

◆ ما المقصود بالاستدامة؟
¶ الاستدامة ببساطه تعني الاستخدام المسؤول للموارد لتلبية احتياجاتنا الحالية دون الإضرار بحقوق الأجيال القادمة. إنها تشمل حماية البيئة، ودعم الاقتصاد، وتعزيز الرفاه على المدى الطويل. إن الاستدامة ليست ممارسات لا عِلم لنا بها. على خلاف ذلك، فهي متجذرة في ثقافتنا الإسلامية والقَطرية، مع اختلاف المسميات. فمثلًا، الترابط المجتمعي في قطر يعزز من مفهوم الاستدامة الاجتماعية من خلال فكرة التجمع معًا في المجالس، مما يشجع على مشاركة الموارد ويقلل من الهدر والنفايات.

◆ وماذا نعني بالرعاية البيئية؟
¶ الرعاية البيئية تنطوي على الإرادة في تحمل المسؤولية بشأن حماية البيئة والمحافظة عليها من التدهور، وذلك من خلال تشارك جميع المتدخلين على المستويات الفردية أو المجتمعية أو الحكومية. تعد التقاليد القطرية، مثل الصيد والقنص والرعي، مثالًا حيًا لاحترام الطبيعة والتوازن البيئي، مع الحرص في نفس الآن على عدم استنزاف مواردها عبر تجنب الصيد في غير مواسمه. واليوم، تستمر هذه القيمة متجسدة في مبادرات شتى، مثل زراعة الأشجار، وترشيد استهلاك المياه، واستخدام الطاقة المتجددة.
تحتوي تقاليدنا على ثمة ممارسات مستدامة، غير أننا بحاجة إلى تسليط الضوء على تجلياتها والتعريف بها على نطاق أوسع. فمثلًا، يعد استبدال عبوات المياه البلاستيكية بالأواني الفخارية من العادات المحلية ذات الأثر الفعال في تعزيز صحتنا والحفاظ على البيئة. كما أن تعزيز العمران المستدام من خلال دمج العمارة التقليدية المراعية للبيئة في التصاميم الحديثة، مثل المشربيات والبراجيل أو الأبراج الهوائية التي تستخدم لزيادة التهوية، يبقى من السبل الناجعة للإسهام في تقليل استهلاك الكهرباء واستبدالها بطاقة نظيفة. ومن خلال إعادة إحياء عاداتنا القَطرية التقليدية في حُلّة عصرية، يمكننا تبني ممارسات الاستدامة مع الحفاظ في نفس الآن على هويتنا الثقافية.

تغيير تدريجي
◆ أكثر ما يؤثر على البيئة هو نشاطات الشركات والمؤسسات الكبرى.. فهل لأفعالنا الصغيرة أي تأثير يذكر؟
¶ نعم، بالتأكيد. إن كل تغييرٍ تدريجي يبدأ من الدور الفعال والمؤثر لسلوكيات الفرد ومدى تقبله لهذه التغيرات في نمط حياته، ليمتد أثره إلى الشركات الكبرى التي تتحمل مسؤولية متنامية في الحفاظ على البيئة. ففي نهاية المطاف، تبقى ثقافة الاستدامة والمسؤولية البيئية ضمن أي مجتمع متوقفة على مدى شيوع العادات والسلوكيات المستدامة بين أفراده.
كل قرار نتخذه يحدث فرقًا، ذلك أن تعزيز الاستهلاك الواعي باختيار المنتجات المحلية والصديقة للبيئة، بدلًا من المستوردة، يقلل، على سبيل المثال، من انبعاثات الكربون الناجمة عن عمليات الشحن ويحفز الشركات على تبني ممارسات مستدامة. كما أن دعم الشركات التي تتبنى نهجًا مستدامًا صديقًا للبيئة، والمشاركة في المبادرات البيئية هي خطوات تدفع جميعها نحو تغيير شامل من خلال الضغط على الشركات الكبرى نحو اعتماد سياسات ذات الصلة بالاستدامة. إذا قام كل فردٍ منا بخطوة مهما كانت بسيطة أو صغيرة، للحفاظ على البيئة، فإن المحصّلة سترقى إلى إحداث أثر جماعي كبير.
انطلاقًا مما سبق، فإن رسالتنا في مركز «إرثنا» تكمن بالأساس في نشر ثقافة الاستدامة بين أفراد المجتمع. وتُعد مبادراتنا في هذا الإطار، مثل أسبوع قطر للاستدامة، الذي نقيمه سنويًا، لبنات أساسية في بناء هذه الثقافة. يحتفي أسبوع قطر للاستدامة بالإنجازات التي تتحقق في مجال الاستدامة، بما يرفع مستوى الوعي البيئي ويشجع الجميع على المشاركة الفعالة في الحفاظ على البيئة. وتوفر فعاليات، مثل ورش إعادة التدوير، وحملات تنظيف الشواطئ، والندوات التثقيفية لأفراد المجتمع، فرصًا سانحة كي يسهم الجميع في جهود تحقيق الاستدامة.

تحديات بيئية
◆ ما هي أبرز التحديات البيئية التي تواجه قطر؟
¶ تنبع معظم هذه التحديات من المناخ الحار والجاف، وقلة الموارد الطبيعية، والنمو الاقتصادي السريع. غير أنه يمكن لإستراتيجيات الاستدامة أن تخفف من آثار هذه التحديات وتمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة. تُعد ندرة المياه تحديًا رئيسيًا، حيث تعتمد البلاد على تحلية مياه البحر - وهي عملية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة استهلاك الطاقة، نتيجة الاعتماد على أنظمة التبريد. كما تشكل إدارة النفايات تحديًا آخر، خاصة مع تزايد النفايات البلاستيكية.
بينما نجدّ السير في رحلتنا نحو المستقبل، فإنه يمكننا تعزيز قدرتنا على مواجهة التحديات البيئية من خلال الجمع بين حكمة الأجداد والابتكارات الحديثة. على سبيل المثال، نظام نقل المياه بالقنوات الذي ابتكره العرب وطبقوه منذ القدم، سنجد فيه درسًا مهمًا في كيفية الحفاظ على الموارد المائية. إذا احترمنا حكمة الأجداد وحافظنا على تقاليدنا الأصيلة مع تطبيق الحلول المبتكرة والمتطورة، يمكننا الوصول إلى إستراتيجيات تحفظ لنا هويتنا الثقافية وتراثنا وتتيح لنا مواجهة تحديات العصر في آن معًا.