الدفء الاجتماعي أبرز ملامح رمضان في طاجيكستان.. «تاج الجبال» تكسو الشهر الفضيل بألوان من طبيعتها الخلابة

alarab
الملاحق 20 مارس 2025 , 01:24ص
هشام يس

يحرص الطاجيك على تناول الإفطار الجماعي مع العائلة والأصدقاء
تستقبل النساء الشهر الفضيل بتحضير الأطعمة التقليدية
تُقام الأعراس بكثرة قبل حلول شهر رمضان أو بعد عيد الأضحى  
يتميز المطبخ الطاجيكي بطابعه المحلي مع تأثيرات من الأطباق الإيرانية والأوزبكية

 

تخيّل نفسك في مدينة دوشانبي قبيل موعد الإفطار، حيث تتزين الشوارع بزينة بسيطة مضيئة، ثم يصدح أذان المغرب من مآذن المساجد مثل مسجد «حاجي يعقوب». وبعد الأذان، تجلس مع إحدى العائلات على مائدة يزينها طبق «أوش» دافئ، ويُقدم لك كوب شاي أخضر مع ابتسامة ترحيبية. وفي السحور، تستيقظ قبل الفجر لتتناول «كولتشا» مع «القيموق»، فتشعر بالدفء الاجتماعي رغم برودة الصباح الربيعي في جبال بامير.

أنت إذن في طاجيكستان، «تاج الجبال» و«تاج آسيا الوسطى»، حيث يتبادل المواطنون من حولك دعوات الإفطار، ويترقب الأطفال عيد الفطر ليرتدوا الملابس التقليدية الملونة ويجمعوا الحلوى من الجيران.
وتعكس هذه الصور رمضان في طاجيكستان بألوانه الاجتماعية والإنسانية والرسمية، مع نكهة المطبخ الطاجيكي الغني.
وتقع طاجيكستان في آسيا الوسطى، وتتميز بأغلبية مسلمة تشكل 98% من سكانها، فتحتفل هذه الدولة الآسيوية المميزة بتراثها الفريد بشهر رمضان، مزجًا بين التقاليد الإسلامية والثقافة المحلية المتأثرة بتاريخها السوفييتي السابق وجيرانها مثل أوزبكستان وإيران وأفغانستان.

شهر التضامن
يُعرف الشهر الفضيل في طاجيكستان بأنه شهر التضامن الاجتماعي، حيث يحرص الطاجيك على التجمع مع العائلة والأصدقاء لتناول الإفطار يوميًا.
وتُقام موائد الإفطار في المنازل، وتتبادل العائلات الزيارات أو تدعو الجيران والأقارب، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويوفر فرصة لتبادل الأحاديث والتهاني.
وفي المدن الكبرى مثل دوشانبي (العاصمة) وخوجند، تُنظم بعض المساجد والمنظمات الخيرية إفطارات جماعية للفقراء والمحتاجين، ما يعكس روح التكافل.
ويستعد المواطنون في طاجيكستان لشهر رمضان قبل حلوله بأيام، حيث تشهد الأسواق -كباقي الدول الإسلامية- حركة نشطة لشراء المواد الغذائية والاحتياجات.
وتستقبل النساء الشهر الفضيل بتنظيف المنازل وتحضير الأطعمة التقليدية، مثل تجفيف الأعشاب أو إعداد المخللات.
ويفضل الطاجيك إقامة الأعراس قبل حلول رمضان أو بعد عيد الأضحى، إذ يمتنعون عن تنظيم حفلات الزفاف بين العيدين، مما يجعل الفترة السابقة لرمضان موسمًا مزدحمًا بالاحتفالات.
ويزداد خلال الشهر الفضيل إقبال الأفراد على التبرع بالطعام والمال للمحتاجين، وفي القرى، يتبادل الجيران الأطباق قبل الإفطار تعبيرًا عن المودة والتكافل.
وللمساجد دور كبير في جمع التبرعات وتوزيعها على المحتاجين، كما تنظم بعض الجمعيات الخيرية موائد إفطار خاصة بالأيتام والعائلات الفقيرة، وهي مبادرات تبرز الجانب الإنساني للمجتمع الطاجيكي خلال رمضان.
ويحرص الشعب على تبادل الزيارات خلال هذا الشهر بهدف تصفية النفوس وتجديد العلاقات وحل الخلافات وتعزيز الود. وتبدأ الطقوس الرمضانية بإعلان الدولة رسميًا بداية رمضان بناءً على رؤية الهلال،
ويُبث ذلك عبر وسائل الإعلام الرسمية. ويلعب المجلس الإسلامي (المفتي) دورًا رئيسيًا في تحديد المواعيد، وتُقلّص الحكومة ساعات العمل في القطاع العام خلال رمضان لتسهيل الصيام على الموظفين، رغم أن ذلك ليس إلزاميًا كل عام ويتوقف على السياسات الحكومية.

الإفطار والسحور
يتميز المطبخ الطاجيكي بطابعه المحلي الفريد، مع اشتراكه مع المطابخ الإيرانية والأوزبكية والأفغانية في كثير من الأصناف. ومن أشهر أطباق الإفطار «أوش» (البالوف أو البيلاف)، وهو طبق وطني في طاجيكستان يتكون من أرز مطبوخ مع الجزر المبشور واللحم (غالبًا لحم الضأن أو البقر) والزيت النباتي أو دهن الضأن، ويُطهى في قدر كبير يُسمى «دِغ»، ويُقدم كطبق رئيسي بعد التمر والماء عند الإفطار. وتمنحه التوابل، مثل الكمون والزعفران، نكهة غنية وشهية، ويُزين أحيانًا بالزبيب أو المكسرات.
أما الشوربة المفضلة فهي حساء اللحم والخضار، ويحتوي على اللحم والبطاطس والجزر والبصل والأعشاب مثل الكزبرة أو الشبت. ويُعد هذا الحساء من الأطباق الخفيفة على المعدة، لذا يُفضل تناوله بعد الصيام.
وتحتل السمبوسة مكانة ثابتة على مائدة الإفطار كطبق جانبي شهي، وتتكون من معجنات محشوة باللحم أو العدس أو البطاطس، وتُقلى أو تُخبز، أما «النون» فهو خبز طاجيكي دائري تقليدي يُخبز في فرن طيني (تندور)، ويُعتبر جزءًا أساسيًا من كل مائدة إفطار، ويُؤكل أحيانًا مع الجبن أو المربى. ومن الحلويات التقليدية الرمضانية حلوى «نيشالا»، التي تُصنع من السكر والحليب وأحيانًا المكسرات، وتُقدم كتحلية خفيفة بعد الإفطار. ويُعد الشاي الأخضر جزءًا لا يتجزأ من الإفطار لترطيب الجسم وتعزيز الهضم، وهو مشروب وطني يُقدم ساخنًا في أكواب صغيرة. وفي السحور، يحتل خبز «كولتشا» المائدة، وهو خبز غني بالحليب يُقدم مع الزبدة أو «القيموق» (كريمة محلية) أو المربى.
وتُقدم عجة اللحم «توخمبيريان» كوجبة خفيفة ومغذية للسحور، وتحتوي على البيض واللحم المفروم والبصل.
كما يُؤكل في السحور «حسيب» (السجق الطاجيكي) مع الخبز أو البيض لتوفير الطاقة خلال النهار، وهو سجق مصنوع من اللحم المفروم والتوابل. أما جبن «بانيير» (جبن الفيتا) فهو جبن محلي يُقدم مع الخبز والزيتون، ويتميز بغناه بالبروتين.
ويُعد «الكومبوت» أبرز مشروب في السحور، وهو مشروب فواكه (مثل التفاح أو المشمش المجفف) يُشرب باردًا للمساعدة في الترطيب أثناء الصيام.

زيارة المقابر
وفي نهاية الشهر الفضيل، مع اقتراب حلول عيد الفطر المبارك، يحرص كثير من الطاجيك على زيارة قبور أحبائهم كطقس اجتماعي وديني، لمشاركة من فارقوهم فرحة صيام الشهر الفضيل واستقبال العيد، حيث يقرأون الفاتحة ويدعون للمتوفين. وتُعد هذه العادة جزءًا أساسيًا من احتفالات العيد في طاجيكستان.
والعيد عطلة رسمية في البلاد، يستقبلها المواطنون بتزيين الشوارع بالأنوار، وتُبث التهاني عبر التلفزيون الرسمي. وتُنظم صلاة العيد في المساجد الكبرى، بحضور شخصيات رسمية أحيانًا.

تاج الجبل
ويُطلق على طاجيكستان «تاج الجبال» و«تاج آسيا الوسطى» نظرًا لطبيعتها الجبلية الخلابة، إذ تغطي الجبال أكثر من 90% من أراضيها، بما في ذلك جبال بامير الشهيرة المعروفة بـ»سقف العالم». وكلمة «طاجيك» نفسها مشتقة من «تاج»، وتعني «التاج» بالفارسية، مما يعزز هذا اللقب. وتُعد طاجيكستان «بلاد الشعر والأدب»، المشهورة بتراثها الأدبي الفارسي العريق، حيث ينحدر منها شعراء مثل رودكي، أبو الشعر الفارسي، تاريخيًا.
كما تُعرف بـ»سقف العالم»، وتحديدًا منطقة بامير التي تضم بعض أعلى القمم في العالم، مثل قمة إسماعيل ساماني التي ترتفع 7,495 متر فوق مستوى سطح البحر.
وهي «جوهرة آسيا الوسطى» لجمالها الطبيعي وتنوعها الثقافي، حيث تمتزج فيها التقاليد الفارسية والتركية والروسية نتيجة موقعها الجغرافي وتاريخها.
كما تُلقب بـ»أرض المياه» لوفرة أنهارها وينابيعها، مثل نهري سيرداريا وآمو داريا، ما يجعلها من أهم مصادر المياه في المنطقة. ومن الألقاب الشائعة «جمهورية الجبال»، وهو لقب تُعرف به محليًا وعالميًا، يشير إلى طابعها الجغرافي الجبلي الفريد، حيث تتخللها سلاسل جبلية شاسعة تجعلها وجهة لعشاق الطبيعة والمغامرات.